top of page

بناء البديل الديمقراطي استحقاق المرحلةدراسة مقدمة من ابراهيم قبيل الامين العام لجبهة الثوابت الوطنية الارترية

  • tvawna1
  • Nov 14
  • 13 min read
ree

كثيرا ما يدور الحديث حول (البديل) في حالة اذا ما سقط النظام او اسقط او مات الطاغية لأي سبب من الاسباب وهو هاجس يبرز احيانا علنا من خلال نقاشات متفرقة على شبكات التواصل

الاجتماعي واغلب الاحيان يكون حبيس الاذهان نظرا لغموض مفهوم البديل لدى الكثيرين لأنه يطرح كثيرا من تساؤلات بدلا من اجابات شافيه ولكن حتى يمكننا معالجة الخلل في مفهوم البديل في البداية لابد ان نعيد صياغة الطرح بصورته المتداولة لنرسم صورة واقعية للمشهد الذي شكله هذا المفهوم في بناء الاولويات لدى الكثيرون ويمكن تقسيمهم الى ثلاثة اطراف معنية أكثر بالأمر وهم :

1 / الحزب الحاكم

2 / النخب

3 / احزاب المعارضة

الحزب الحاكم

بدأ تداول مسالة البديل يطرح نفسه على الحزب الحاكم وكوادره وقواعده كلما مر بأزمات وخلافات داخل الحزب الحاكم وان كانت لا تحدث ربكة في صفوف الحزب الحاكم فحسب بل حتى في نظام الحكم ككل ولكن في كل مرة كانت قيادة الحزب الحاكم تعالج الامر عبر معالجات سيكولوجية تعتمد بشكل كبير على عنصر اثارة (المخاوف) تطرح لمناصريها اولا ومن ثم الجمهور أكثر من كونها اجابات حقيقة على هذا التساؤل وهدفها هو الحفاظ على تماسكها الداخلي وذلك على النحو التالي:

الضرب على وتر الحفاظ على وحدة البلاد الداخلية عبر التبريرات التالية:

ان البلاد تواجه مخاطر (خارجية) يقتضي التمسك بالرئيس والالتفاف حوله.

في مرحلة تالية : الضرب على وتر غياب الكفاءة والكاريزما التي يتمتع بها اسياس افورقي في صفوفها وبالتالي النتيجة (لا يوجد بديل يماثل (قدرات) اسياس افورقي ليحل محله كبديل قادر على ادارة البلاد !).

في المراحل الاخيرة وعندما وضح للجميع فشل سياسات اسياس افورقي الداخلية والخارجية ودخول البلاد في ازمات على كافة الاصعدة فشل في معالجتها فشلا ذريعا وسقط مبرر (الكفاءة) المزعومة للرئيس في ادارة البلاد تم ترويج لصورة ذهنية انطباعية على شكل مقارنة او مفاضلة ما بين السيئ والأسوأ وذلك عبر الضرب على وتر ضعف المعارضة وكثرة خلافاتها وتمزقها وعدم تمكنها من التهديد الجدي لنظام اسياس افورقي حتى الان رغم ضعف النظام وبالتالي لا يمكنها ان تكون بديلا .

وبالطبع كل هذا تم عبر الة الدعاية السوداء للحزب الحاكم من خلال اجهزته الامنية وهي الجهة المكلفة برصد التفاعلات السلبية التي تشكل خطرا على نظام الحكم سواء كان داخل البلاد او خارجها ومن ثم التصدي لها وهي بدورها استغلت نقطة ضعف في ثقافتنا السياسية تتمثل في تعاطي الجمهور وحتى اغلب النخب الارترية مع القضايا العامة والهامة الترويج لها عبر وسيلة (ثقافة الشفاهية) السائدة الان بدلا من المعالجات الفكرية المكتوبة التي بإمكانها ان تقدم حلول او اجوبة منطقية لكل الازمات أو الاسئلة الصعبة وتساهم في تنمية الوعي المجتمعي وبالتالي الارتقاء بمستوى التعاطي السياسي والثقافي والاجتماعي كونها تعتمد على ادوات التحليل والمقارنة وعلم المنطق. مما اعفاه من مهمة تقديم معالجات فكرية منطقية من خلال (مفكري )الحزب الحاكم لكل المعضلات والمشكلات التي تواجهها وان كان على ما يبدو افتقاره مثل هذه الكفاءات الفكرية في صفوف كادر الحزب و الاعتماد على المعالجات الامنية وهذا يدل على هشاشة البنية الثقافية والفكرية للحزب الحاكم .

النخب

 وصف كلمة النخب اعني بها المثقف الغير منتمي وفي نفس الوقت مهتم بالشأن السياسي ومعارض. هذه الشريحة كبيره وهي تملك القدرات المطلوبة في التعبير عن آرائها بشكل منطقي سليم أي انها تملك القدرة على تقديم معالجات فكرية أو نقدية وصياغتها مبنية على الوقائع والمقاربات والتحليل العلمي المبني على المنطق وان كان هناك تفاوت في القدرات . ولكن للأسف ان قضية مفهوم البديل تم تبنيها ضمن سياق مواقف القوى السياسية ، ولم يتم معالجتها فكريا وبشكل مستقل بناء على قدراتها الذاتية تلك وتقديمها للجمهور باعتبار ان هذه المسالة غاية في الاهمية لأنها تتعلق بقضية مصيرية ، وهي ما ستؤول عليه نتائج التغيير، هل سيكون تحولا ديمقراطيا يعيد السلطة للشعب ام تحولا يؤدي الى ان يكون البديل هو قوى التغيير نفسها ؟ أي تكرار نتيجة معركة التحرير أم تحولا بأي كيفية كانت ؟ وهي اسئلة الإجابة عليها سوف تحدد ملامح مستقبل البلاد ما بعد التغيير والأفق السياسي لعملية التغيير نفسها.

وأقول هذا الكلام ليس من باب النقد السلبي لهذه الشريحة المهمة والمستنيرة لإدراكي التام انها قادرة اذا ما رغبت ان تلعب دورا كبيرا في احداث تحول حقيقي في نمو الوعي المجتمعي الايجابي لصالح قضية الديمقراطية، وبالتالي السمو بالأداء السياسي للقوى السياسية الارترية بما يتناسب والتحديات التي تواجهها بأفق واسع يمكنها من تقديم حلول وأجوبة موضوعية تقنع الجمهور بقدراتها القيادية الابداعية .

إلا انني لاحظت من خلال متابعتي ان كتابات او تعليقات بعضا من النخب في مواقع التواصل الاجتماعي تتبنى موقف غامض لا يتناسب بل لا يتلاءم مع كونها من النخبة التي تملك قدرات ثقافيه وخبرات تمكنها من التحليل المنطقي الصحيح ، الذي يؤدي بها الى نتائج واقعية بدون الوقوع في فخ (المسايرة) ، حيث لاحظت بروز وجهة نظر متنامية في تبني موقفا غامضا ومحيرا وان كان ظاهره يدل على تأكيد حقيقة منطقية تقول ان التغيير يأتي من الداخل ، ولكنها لم تجيب على سؤال هام وهو من أي قوى بالداخل وكيف ؟ هل يتحقق من عناصر الحزب الحاكم سواء كانوا عسكر من الجيش او القوة الرديفه لها ، وهي الاجهزة الامنية المتعددة أم من قيادة الحزب الحاكم ؟ وهي الفرضية التي يميل لها اغلب من تبنوا وجهة النظر تلك ! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو : ما هي الضمانات التي يمكن توفرها لعدم عودة النهج الدكتاتوري القمعي مرة أخرى يكرر سيناريو افورقي و25 عاما أخرى من المعاناة ؟ وذلك بالنظر الى تركيبة هذه القوى وثقافتها السياسية و هي نفس القوى التي انحازت للدكتاتور عند بروز عددا من محاولات التغيير داخل النظام نفسه ومنهما محاولتي مجموعة 15 و 21 يناير2013م .

وهل يمكن ان نضمن بصورة قاطعة ان السلطة سوف يتم اعادتها للشعب كما هو مفترض ؟ ويعود الجيش الى ثكناته ويتخلى تماما عن أي دور سياسي او سلطة ادارية ويقف في الحياد من العملية السياسية ؟ وتحل مليشيات الحزب الحاكم ومنها (حلاوي ثورة) وغيره؟ وهل يتخلى الحزب الحاكم عن مكتسباته السلطوية بسهوله ويسلمها للشعب ويقبل بمبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات كوسيلة وحيدة للوصول الى السلطة ؟ أم انه سيتم تكرار نماذج من دول الجوار ان تكون السلطة بيد العسكر والحزب الحاكم مع وجود دور (كومبارس) للقوى السياسة المعارضة تكون بمثابة ديكور للنظام الحاكم أي بمعنى اخر نظام المشاركة فيه صوريه لا أكثر ويتم تحيد الشعب ، وبالتالي المساهمة في انقاذ النظام عبر شرعنته من خلال مشاركتها الصورية تلك ؟ وهي بالطبع تجارب فاشلة بامتياز ادخلت بلدانها في ازمات قاسية تئن منها شعوبها بمرارة ولا تقل معاناتهم عن معاناة الشعب الارتري إلا بشكل طفيف ، بالتالي ان المراهنة على قوى النظام الحاكم لا تمثل في وجهة نظري خيار أمن يمكن التعويل عليه بقدر ما تمثل حالة ناتجة عن احباط معنوي نتيجة لما تمر به الساحة السياسية لقوى المعارضة ، وذلك اذا ما وضعنا في الاعتبار ايضا حقيقة هامة وهي ان طبيعة النظام السياسي والإداري في ارتريا والقائم الان لا تماثل الانظمة التقليدية في الدول التي تحدث فيها انقلابات عسكرية حيث ان هذه الدول بشكل عام تكون المؤسسة العسكرية فيها احترافية غير مسيسة او مؤدلجة كما هو الحال في ارتريا ، اذ الجيش فيها هو جزءا من اجهزة الحزب الحاكم أي انه مسيس وخاصة قيادته العليا التي جاءت من صفوف كادر الحزب الحاكم وكذلك الامر ينطبق على الاجهزة الامنية ، وإذا ما اضفنا عامل أخر مهم وهو حجم الفساد المالي والإداري المستشري وسط صفوف ضباط الجيش والأمن وحتى لو تم حدوث انقلاب عسكري فهو سيستهدف راس النظام مع بعض اعوانه فقط وقد يكون نتاج صراع داخلي ولكنه بالطبع لن ينقلب على نفسه أي على منهجه السياسي ولن يتخلى عن مكتسباته السلطوية بسهولة هذا اذا افترضنا امكانية حدوثه بنجاح وتأييد جميع اجهزته وعناصره ، وبالتالي مثل هذا الخيار غير منطقي ولا يمكن المراهنة عليه في الوقت الحاضر.

احزاب المعارضة

صحيح ان الشعارات المرفوعة والأهداف المعلنة سواء كانت مضمنة في برامج الاحزاب او الكتل المنضوية تحتها توحي بان البديل الديمقراطي هو ما تطمح اليه ولكن في الواقع العملي نجد عدم الاكتراث واضح لتحديد لماهية نوعية البديل او بالشروط التي من المفترض ان تتوفر فيه ليكون ديمقراطيا بحيث يؤدي في نهاية المطاف دوره المطلوب في تحقيق الهدف المرجو آلا وهو تسليم السلطة للشعب في حالة النجاح في اسقاط الدكتاتورية وإحداث التغيير، لا ان تكون نتيجة التغيير هي ان تحل قوى التغيير نفسها بديلا عن السلطة الدكتاتورية لتستحوذ على السلطة بدورها بحق (الفتح) أو سميه بحق (الانتصار) كما فعل الحزب الحاكم بعد التحرير لندخل مرة أخرى في نفق مظلم من دكتاتورية اخرى تحت عنوان مختلف.

وبالرغم من ان مؤتمر اواسا عدل المسار في الاتجاه الصحيح عندما فرض صيغة الديمقراطية التوافقية التي تضمن مشاركة الجميع دون اقصاء في التمثيل لعضوية المجلس الوطني – احزاب + منظمات مجتمع مدني + ممثلين عن الجماهير في دول العالم + الرعيل + شخصيات وطنية وهي القوى التي شكلت عضوية المؤتمر والاحتكام الى الية الحوار في حل الخلافات ، وليس التغليب وعدم فرض رؤى مسبقة لمستقبل البلاد قبل تسليم السلطة للشعب ، ولكن لأسف بعد تشكيل المجلس الوطني حدثت انتكاسة جرفت المجلس عن المسار الصحيح ، حيث دخلت القوى المكونة له لا سيما الاحزاب السياسية في دوامة خلافات وصراعات عطلت مسيرة المجلس الوطني لمدة ثلاثة اعوام، وان كان اخيرا قد تم الاحتكام الى الية ألحوار ونأمل ان تنجح في الخروج من ازمته ونعبُر الى المؤتمر في وفاق تام بأذن الله بروح اواسا وبالتالي ندفع في الاتجاه الصحيح نحو بناء بديل ديمقراطي .

ولكن في تقديري ان الخلافات والصراعات التي تحدث من حين الى اخر والتي تسببت في تعطيل مسيرة قوى المعارضة طيلة السنوات الخمسة وعشرون اسبابها موضوعية اذا ما ادركنا حقيقة تاريخية وهي ان الثقافة السياسية التي تتحكم في تعاطينا للشأن العام او بالأصح العمل السياسي هو الفكر الشمولي الذي لا يقبل الرأي الاخر وهو الفكر الذي تغلغل تحت مبرر (ضرورات المرحلة) التي فرضتها طبيعة معركة التحرير منذ ميلاد حركة تحرير ارتريا ومن ثم جبهة التحرير الارترية بحكم ان الهدف الاساسي كان هو تحرير البلاد من المحتل الاجنبي عبر وسيلة الكفاح المسلح فرض ذلك في تقديري ان يكون العمل ألسياسي(حشدي) او بمعنى اخر حشد الجماهير والأصدقاء الداعمين لمصلحة الكفاح المسلح وليس عمل سياسي بالمفهوم الديمقراطي الطبيعي (التعددية الحزبية) وان كان هو اطار (جبهوي) بحكم المسمى إلا انه لم يكن يسمح فيه بتعدد حزبي او فكري في اطاره لان ذلك كان يتعارض مع مبدأ (وحدة الهدف والقيادة و وحدة الثورة) وكان ينظر لمثل هذا المنطق باعتباره (ترف فكري ونخبوي) لا يتناسب مع طبيعة مرحلة الثورة ومن هنا تمكن الفكر الثوري بكل اتجاهاته الفكرية وبحكم طبيعته الشمولية في مفردات الخطاب السياسي للثورة فحسب بل ايضا في تشكيل هياكلها التنظيمية ونظمها وضوابطها الداخلية وأسلوبها التعبوي وحتى عندما حدث تعدد لفصائل الثورة والذي لم يكن نتاج صراع فكري_ ايدلوجي بقدر ما هو (انشطاري) سببه الاساس الخلافات على مستوى راسي (قيادي) وهذا التعدد لم يكن اضافة نوعيه يفرض بحكم تعدد كياناتها السياسية تعددا حزبيا فكريا-ايدلوجيا في اطار جبهوي عريض للثورة الارترية بحيث يكون نواة لنظام ديمقراطي تعددي فيما بعد التحرير والاستقلال كما هو مفترض أنما كان للأسف تعدد مجرد عملية استنساخ للمنهج والفكر والممارسة ذاتها مع اختلاف فقط في المسميات والعناوين. وبالتالي لم يشكل وجود تعدد فصائل الثورة منعطف ايجابي في مسيرة الكفاح المسلح يدفع في اتجاه اعادة صياغة الثقافة السياسية الارترية وفق المفاهيم والقيم الديمقراطية لذا استمر النهج الشمولي في سيطرته على الثقافة السياسية الارترية حتى ما بعد الاستقلال برغم من اختلاف طبيعة المرحلة والتي من المفترض على الاقل ان يتم فيها تغيير الادوات والأطر والهياكل التنظيمية والنظم بحيث تستوعب المفاهيم والقيم الديمقراطية في البناء الحزبي للتنظيمات المعارضة باعتبار ان مبرر صراعها مع السلطة الدكتاتورية هو نضالها من أجل التغيير الديمقراطي .

فإذا كانت هذه هي صورة واقعية للمشهد الذي شكله هذا المفهوم في بناء الاولويات لدى القوى المهتمة بالشأن العام فما هو مفهوم البديل الديمقراطي ؟

ان مفهوم البديل الديمقراطي الذي اطرحه لا اقصد منه ان يكون بديلا سلطوي يحل محل النظام الدكتاتوري عقب التغيير المنشود لان مبدأ من يحكم ما بعد التغيير محسوم وهو من يقرره الشعب الارتري وحدة فهو صاحب القرار في تحديد من يحكم البلاد عبر صناديق الاقتراع وهذا أمر مفروغ منه اذا كان هدفنا من التغيير هو الحكم الديمقراطي .

وبالتالي ان البديل الديمقراطي الذي اعنيه انما هو الذي يمثل الطرف الاخر في معادلة القوة في الصراع السياسي الارتري (سلطة دكتاتورية ومعارضة ديمقراطية).

 وبما ان المجلس الوطني اطار سياسي تحالفي عريض يضم القطاع الاوسع للقوى السياسية والجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في المجال الحقوقي وشخصيات مستقلة وشخصيات اعتبارية وطنية وقابل لاستيعاب كل القوى المعارضة خارج مظلته وبصفته هذه فهو مؤهل ان يمثل الطرف الاخر من معادلة الصراع إلا ان هذه الاعتبارات المهمة لا تكفى لتؤهله في ان يكون بديلا ديمقراطيا يمكن ان يطمئن اليه الشعب ليكون معبرا عن تطلعاته في الحرية والديمقراطية وبالتالي يثق فيه ويدعمه وبل ينخرط معه في معركته ضد الدكتاتورية وهو الشرط الاساسي لتحقيق النصر على الدكتاتورية وبحيث يساعد ايضا المجتمع الدولي بتبنى قضاياه ليشكل بذلك عامل ضغط كبير على النظام الدكتاتوري وبالتالي يخلق توازنا مطلوبا في معادلة القوة .

اذا ما هو المطلوب حتى يكون بديلا ديمقراطيا؟

لتحقيق ذلك يجب ان تتوفر عددا من الشروط التي من شانها ان تساعد في تأهيل المجلس الوطني ليكون بديلا ديمقراطي وهي كالأتي :

من المعروف ان موازين القوة في معادلة الصراع الان ترجح كفة الحزب الحاكم من حيث الامكانات بحكم انه يهيمن هيمنة تامة على السلطة والثروة في البلاد وهو يسخرها اصلا في الدفاع عن سلطه الدكتاتورية ولكن في نفس الوقت ان نقاط الضعف فيه كافيه ان تقضي عليه ايضا وبالتالي ان امكانية هزيمته امر ممكن وليس مستحيلا.

وعليه ان المجلس الوطني ليس عليه بالضرورة ان يكون قوة موازية للحزب الحاكم من حيث الامكانات بقدر ما عليه ان يثبت للشعب الارتري بالضرورة انه يمثل بديلا ديمقراطيا حقيقي ولذا عليه ان يستوفي الشروط التالية:

1- ارتكاز مطالبه على مرجعية دستورية

ذلك يعني اعادة تحديث خطابه السياسي الموجه للشعب والمجتمع الدولي بشكل حضاري يتوائم مع منطق العصر ويعطي مصداقية أكثر وقبول اكثر عندما يكون مبني على مرجعية دستورية وطنية يسند عليها في طرح مطالبه يؤكد فيها من خلال صيغة واضحة ان نضاله ضد النظام الدكتاتوري ليس صراع سلطوي انما الهدف منه اعادة السلطة للشعب ليحدد من يحكم وبالتالي ان مطلبه الرئيس هو استعادة النظام الديمقراطي الدستوري الذي تأسس عليه الكيان الوطني الارتري عام 1952 والذي ينص فيه الدستور الشرعي في الفصل الثالث ان (نظام الحكم ديمقراطي) الذي صادره المحتل الاجنبي وغيبه الحزب الحاكم وهو يمثل مرجعية دستورية تؤكد على شرعية مطالبنا وذلك باعتبار ان الحقوق الدستورية لا تسقط بالتقادم مثل الاحكام القاضية في الجرائم الجنائية الفردية .

(ومن سخرية القدر ان الشعب الارتري كان يتمتع بالحريات في ظل نظام منقوص السيادة الوطنية من1952 الى 1958م وعندما تحققت السيادة الوطنية الكاملة بعد تضحيات جسام جرد من حريته وعلينا استعادتها )وعليه ان هذا المنطق الدستوري الحضاري يمكن ان يكسبنا كثيرا من التأييد في المحافل الدولية بالنظر الى طبيعة المؤسسات الدولية التي تتفاعل اكثر مع المطالب ذات المرجعية الدستورية اكثر من القضايا ذات المطالب العامة لاسيما ان القوى المؤثره في القرار الدولي في اغلب دولها انظمة ديمقراطية قائمة على اسس دستورية كما هذا المنطق الدستوري يبدد أي شكوك حول طبيعة الصراع مع النظام الدكتاتوري ويزيد من ثقة الشعب في مصداقية المجلس.

2- ان يتضمن الخطاب السياسي المطلبي حقيقة اساسية يجب طرحها بوضوح وهي ان نظام الحكم القائم لا يستند الى شرعية دستورية انما يستند الى شرعية القوة المسلحة التي استولى من خلالها على السلطة وهو امر مخالف للقانون الدولي حيث ان ينطبق عليه صفة نظام (انقلاب عسكري) وبالتالي يصنف ضمن الانظمة الانقلابية التي يحظر الاعتراف بشرعيتها والتعامل معها خاصة ان الاتحاد الافريقي كان اتخذ قرارا بهذا المعني وطبقه على عدد من الانظمة الانقلابية ولو تم النجاح في انتزاع مثل هذا القرار وطبق على النظام الدكتاتوري فان المجلس يكون قد كسب زخما دوليا وإقليميا كبيرا وبذلك يكون تأثيره قويا وفعالا في اضعاف النظام الدكتاتوري داخليا وخارجيا وعلى الاقل تفعيل هذا الخطاب اعلاميا في وسائل الاعلام المختلفة وفي المحافل الدولية سوف يشكل عامل ضغط معنوي وسياسي على النظام الدكتاتوري بحيث يدفعه الى تخفف من قبضته الامنية على الشعب في الداخل وتقديم مزيد من التنازلات التي ستكون بمثابة كرة الثلج لان أكثر ما يخافه الحزب الحاكم هو العقوبات الإقليمية والدولية المباشرة والتي تهدد صلب وجوده السلطوي وبهذا يمكن يمثل هذا الخطاب الاعلامي احد سائل الضغط الفاعلة التي سوف تشكل عامل قوة للمجلس .

3- التأكيد على مبدأ الديمقراطية التوافقية واعتماد الية الحوار في ادارة المجلس والذي اقره مؤتمر اواسا لضمان مشاركة جميع القوى المكونة للمجلس دون اقصاء وبالتالي الحفاظ على وحدة وتماسك المجلس الوطني وضمان تطور تجربته الديمقراطية -وقد عرف المفكر الهولندي "آرنت ليبهارت الديمقراطية التوافقية في كتابه الديمقراطية التوافقية بقوله : أن الديمقراطية التوافقية تعبر عن إستراتيجية في إدارة ألنزاعات من خلال التعاون والوفاق بين مختلف النخب، بدلاً من التنافس واتخاذ القرارات بالأغلبية - وهي بهذا المعنى افضل وسيلة لإدارة المجلس الذي يتكون من فئات متعددة كما ذكرت أعلاه.

4- تطبيق مبدأ الشفافية في اعمال المجلس ومؤسساته وذلك عبر تفعيل دور الاجهزة الرقابية الاتية:

ا- تفعيل دور المراجع المالي للمجلس للتدقيق المالي لأجهزة المجلس التنفيذية وغيرها في الفترة السابقة ويعد تقارير مراجعة مالية دقيقة تعرض للمجلس ويتم على ضوئها بعدها تقريرا اعلاميا للجمهور بما توصل اليه سلبا او ايجابا دون ذكر ارقام او اشخاص بل بشكل عام يوضح فيه سير التعامل مع المال العام في المجلس ويترك اتخاذ الاجراءات المطلوبة للجهة المختصة.

ب- تفعيل لجان المجلس خاصة اللجنة القانونية لان غياب دورها ساهم في حدوث كثيرا من التجاوزات وهذه مسالة هاما جدا يجب النظر اليها بجدية لأنها تتعلق بمصداقية المجلس .

ت- انشاء مركز اعلامي لناطق رسمي باسم المجلس يرفد الجمهور والعالم بأخبار المجلس وما يدور فيه بشفافية سلبا او ايجابا ويجب ان نترك سياسية الغموض والمسايرة ويجب تمليك الحقائق للجمهور بل للشعب الارتري كله لأنه صاحب المصلحة الاولى في التغيير وليس فقط عضوية المجلس .

ث- السماح بل دعوة لممثلي وسائل الاعلام الكترونية الارترية المستقلة لتغطية اجتماعات وسمنار ات التي يعقدها المجلس دون التعليل بأي مبررات .

5- رفع كفاءة موقعي الرئاستان – رئاسة المجلس + رئاسة المكتب التنفيذي بحيث يؤديا مهامهما بكفاءة واقتدار بما يتناسب مع تطلعات الشعب الارتري وكونه بديل ديمقراطي لا يعني ان تكون اجهزته وقيادته رخوة او مسايرة او مقيدة بل بالعكس يجب ان تكون قوية ولديها من الصلاحيات الكافية ما يمكنها من تنفيذ البرامج وتحقيق الاهداف التي كلفت لتنفيذها من المجلس الوطني مع خضوعها بالطبع لضوابط المحاسبة والشفافية وأول تلك الخطوات هي ازالة البس حول مسالة فصل الصلاحيات والمهام عن طريق ازالة العوائق التي تتسبب في تداخل الصلاحيات بين موقعي رئيس المجلس ورئيس المكتب التنفيذي والتي كان سببا في حدوث اشكالات عطلت تفعيل دورهما في مسيرة المجلس في الدورة الاولى وتكرر الامر مرة أخرى لربما يكون السبب تفسير خاطئ لمبدأ فصل السلطات الذي اقره المؤتمر ولكن كان واضحا ان الطرفين يمارسان دورا تنفيذيا أي ان المجلس له رأسان وهذا لا يستقيم مع المراد من مبدأ فصل السلطات وأنا هنا اقترح تعديلا يمكن ان يجيزه المجلس او السنمار القادم او بالأحرى اقتراحين او بديلين يتم اختيار احدهما.

الاقتراح الاول : ان يتم اختيار رئيس للمجلس بالتوافق كالعادة اولا من المؤتمر مباشرا قبل اختيار اعضاء المجلس في حالة عقد مؤتمر وإذا تأجل الى مدة اطول وحتى لا يكون هناك فراغ اداري يمكن اختياره من خلال سمنار ويقوم رئيس المجلس باختيار فريق عمله لرئاسة المجلس بما يراه مناسب ويحصل على الموافقة بالتوافق ويرشح عدد ثلاثة من الشخصيات يرى فيهم الكفاءة والمقدرة يتم اختيار احدهم لموقع (رئيس المكتب التنفيذي ) بنفس الاسلوب التوافقي ويقوم رئيس المكتب التنفيذي المكلف بدوره باختيار فريق عمله ايضا.

 على ان يكون رئيس المجلس رئيسا لحزب او تنظيم سياسي وليس عضوا قيادي اقل بحكم انه مركز القرار في تنظيمه اما موقع رئيس المكتب التنفيذي لا يشترط عليه ان يكون رئيسا لتنظيمه او من تنظيم سياسي والهدف من هذا الاقتراح هو توفير عامل الانسجام لفريق العمل الذي يقود المجلس الوطني في المرحلة القادمة ولكن طبعا يجب التوافق عليها ايضا والمراعاة التي درج عليها في اختيار الشخصين حتى لا يكون هناك تغليب لفئة في مركز القرار.

الاقتراح البديل :ان يكون هناك وضوح تام لصلاحيات الرئاستين بحيث يكون الفصل واضح في طبيعة مهمة كلا منهما على النحو التالي :

1- رئيس المجلس

ان يكون رئيس المجلس رئيسا تشريعا وشرفيا للمجلس الوطني بمعنى ألا يتدخل في عمل المكتب التنفيذي بعد اجازة خطة عمل المكتب التنفيذي من قبل المجلس ألوطني.

2- ان يكون رئيس المكتب التنفيذي المسئول الاول عن ادارة العمل التنفيذي بصلاحيات واضحة دون قيود تحد من قدرته على تنفيذ قرارات المجلس وبرنامج العمل المصدق عليه من المجلس الوطني يرشح فريق عمله أي اعضاء المكتب التنفيذي على ان يوازن ما بين الكفاءة والتمثيل التوافقي ويشترط ان يكون رئيسا لحزب او تنظيم وذلك لضرورة تمتعه بخبرة سياسية وتنظيميه لان مجال عمله هو العمل السياسي بالدرجة الاولى وكذلك نائبه وحتى لا تؤثر عليه مرجعية اعلى منه في مركز القرار في تنظيمه ويضعف من قدرته على اداء مهامه هذا امر هام جدا .

3 - ان يكون المراجع العام مستقلا عن الجهازين تماما ويكون موقعه في وزن موقعي رئيس المجلس ورئيس المكتب التنفيذي لوائحيا (قانونيا) حتى لا يتم التأثير على شفافية وحيادية عمله.

4- تفعيل دور رئيس اللجنة القانونية يجب ان يكون مستقلا تماما عن الادارتين ويملك صلاحيات واسعة في مجال عمله وان كان ينتمي الى تنظيم سياسي او منظمة طوعية ممثلين في المجلس عليه تقديم استقالته من منصبه في الحزب الى حين الانتهاء من مهمته حتى لا يكون عليه أي تأثير على احكامه القانونية من أي طرف وضمان عدم محاباة ممثلي تنظيمه في المجلس وذلك لان مهمته هي مراقبة تطبيق القوانين ولوائح المجلس وسلامة الاجراءات المطبقة كما انه يفصل في أي شكوى مقدمة من اجهزة المجلس او نزاع حول صلاحيات على ان تكون احكامه ملزمة للجميع قانونيا حتى لا يتحول خلاف حول (صلاحيات) أي جهة في المجلس الى مشكلة سياسية تعطل مسيرة المجلس كما حدث اخيرا كما انه يمثل الجهة القانونية العليا في تفسير نصوص اللوائح والقوانين التي تحكم عمل المجلس ويكون موقعه في الوزن القانوني لرئيسي المجلس و المكتب التنفيذي ويشترط على من يتولى هذا الموقع ان يكون مؤهلا علميا وخبرة في مجال القانون الدستوري ويحبذ ان يكون حاملا درجة الدكتوراه او الماجستير وله دراسات في هذا المجال وان لم يوجد يكتفى بان يكون خريج كلية القانون وله خبره وهذه الكفاءات متوفرة في عضويةالمجلس.

وختاما اقول ان تحقيقنا لهذه الخطوات نكون قد ساهمنا في تأهيل المجلس الوطني ليكون بديلا ديمقراطيا حقيقا .

دراسة مقدمة من ابراهيم قبيل الامين العام لجبهة الثوابت الوطنية الارترية

 
 
 

Comments


bottom of page