top of page

إريتريا تكسر قبضة الغرب على البحر الأحمر وتُحوِّل بوصلتها نحو إيران وروسيا والصين

  • tvawna1
  • 17 hours ago
  • 5 min read

Updated: 13 minutes ago

تخسر تل أبيب شريكًا آخر على البحر الأحمر: تبرز إريتريا كنقطة ارتكاز حيوية في محور أوروآسيوي متعدد الأقطاب متنامٍ، متحدّيةً خطط الولايات المتحدة وإسرائيل للسيطرة الإقليمية. أيدان ج. سيماردون ٢٩ أيار ٢٠٢٥





تخضع إريتريا، الدولة الأفريقية الصغيرة على البحر الأحمر، لموجة جديدة من التدقيق الغربي. ففي كانون الثاني/يناير، دعا مايكل روبين من معهد أمريكان إنتربرايز إلى تغيير النظام في ما وصفه بـ"كوريا الشمالية الأفريقية".

وفي مقال مشابه، وصفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إريتريا بأنها وكيل لإيران وتهديد للولايات المتحدة. وذهبت صحيفة "واي نت" الإسرائيلية إلى اتهام حركة أنصار الله اليمنية بأنها تمددت إلى إريتريا.

لكن هذه التحذيرات المفاجئة لا علاقة لها بحقوق الإنسان - فلا أحد يوجّه انتقادات مماثلة إلى السعودية التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن ساحل إريتريا. بل تنبع هذه الهواجس من خشية فقدان السيطرة الغربية على البحر الأحمر.

كانت إريتريا سابقًا شريكًا مقرّبًا لإسرائيل، لكنها منذ عام 2020 حوّلت اتجاهها نحو الصين وروسيا وإيران. وليست وحدها. فالسودان، بحسب التقارير، يمنح روسيا وإيران وصولًا عسكريًا إلى ميناء بورتسودان، بينما تتعاون جيبوتي مع الصين. لذا فإن أي محاولة لزعزعة استقرار أسمرة قد تنعكس على كامل منطقة القرن الأفريقي، مهددةً النفوذ الأمريكي المتضائل أصلًا.

إريتريا والولايات المتحدة

منذ استقلالها عام 1993، ساد التوتر في العلاقة بين إريتريا وواشنطن. فبعد فترة من التعاون - بما في ذلك المشاركة في مبادرة "دول الخط الأمامي" بقيادة الولايات المتحدة ضد السودان، الذي اتهمته إريتريا بتسليح "الجهاد الإسلامي الإريتري" - تراجعت العلاقات عندما اقترح الرئيس أسياس أفورقي تقاربًا أكبر مع واشنطن، وقوبل بالرفض.

في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة قد بنت تحالفاتها مع جيبوتي واليمن، ولم ترَ حاجة استراتيجية لشريك جديد على البحر الأحمر، فاختارت دعم منافس إريتريا الإقليمي: إثيوبيا.

أدى نزاع قصير مع اليمن عام 1995 حول جزر حنيش إلى اتهامات بأن إسرائيل دعمت إريتريا. وفي حين ازدهرت العلاقات مع تل أبيب، تدهورت العلاقات مع واشنطن. وبحلول عام 2005، كانت أسمرة قد طردت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ردًا على تقارب واشنطن المتزايد مع إثيوبيا خلال ما سُمي بـ"الحرب على الإرهاب" وإخفاقها في تنفيذ اتفاقية السلام في الجزائر. ومع ذلك، عرضت إريتريا استضافة قاعدة أمريكية، بل وأرسلت قوات إلى العراق.

لكن الولايات المتحدة، وقد أصبحت متجذّرة في جيبوتي، رأت أن إريتريا قابلة للاستغناء عنها. وفي عام 2009، فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على إريتريا بسبب رفضها سحب قواتها من جيبوتي وادعاءات دعمها لحركة الشباب المتحالفة مع القاعدة. واستمرت هذه العقوبات حتى بعد توقف إريتريا عن هذا الدعم وانسحابها.

في عزلتها، اتجهت أسمرة نحو طهران، داعمة البرنامج النووي الإيراني المدني، ومُتِيحةً للحرس الثوري الإيراني الوصول إلى ميناء "عصب" الاستراتيجي بالقرب من اليمن. مكّن ذلك إيران من مراقبة التحركات البحرية الغربية، وزُعم أن إريتريا تلقت دعمًا ماليًا مقابل ذلك.

ومع ذلك، استمرت إريتريا في مغازلة إسرائيل سرًّا. ففي عام 2012، أكّد مركز ستراتفور الأمريكي لتحليل المخاطر أن لإسرائيل منشآت مراقبة في إريتريا، أُضيف إليها قاعدة ثانية عام 2016 لتعقب حركة أنصار الله في اليمن. لكن الحرب التي قادتها السعودية والإمارات ضد اليمن عام 2015 دفعت إريتريا إلى قطع علاقاتها مع إيران، والانضمام إلى محور أبوظبي ضد حكومة صنعاء. أصبحت "عصب" مركزًا لوجستيًا، بل وأرسلت إريتريا 400 جندي دعمًا لحملة الإمارات، ما ساهم في مكاسبها الميدانية.

القطيعة مع الغرب

رُفعت العقوبات في عام 2018 عقب توقيع اتفاق سلام بين إريتريا وإثيوبيا، لكن المصالحة مع الغرب لم تدم طويلًا. ففي 2020، رفضت أسمرة تعيين السفير الإسرائيلي الجديد دون إبداء أسباب. وفي العام ذاته، أدرجت إدارة ترامب إريتريا في قائمة الحظر الخاصة بالمسلمين، فيما بدأت الإمارات بالتراجع عن وجودها العسكري في اليمن، وانسحبت من إريتريا عام 2021.

وهنا تدخلت الصين. كانت بكين داعمًا طويل الأمد لاستقلال إريتريا، ورفعت من استثماراتها رغم الاضطرابات التجارية العالمية بفعل كوفيد-19. وبلغت التجارة الثنائية أرقامًا قياسية، وبدأت إريتريا إعادة تموضعها باتجاه قوى أوراسيا.

وتسارعت هذه التحولات مع استمرار العدوان الغربي في المنطقة. ففي عام 2021، انتهكت إسرائيل السيادة الإريترية عبر قصف سفينة إيرانية في مياهها. وفرضت واشنطن مجددًا عقوبات، هذه المرة بزعم دور إريتريا في حرب تغراي.

وفي عام 2022، أغلقت إسرائيل سفارتها في أسمرة، فيما أقرّ الكنيست قانونًا يهدف إلى ترحيل المهاجرين الإريتريين المؤيدين لحكومتهم. وفي الوقت ذاته، عقدت إسرائيل وإثيوبيا محادثات رفيعة المستوى لتعميق العلاقات.

واليوم، عززت إريتريا توجهها الجديد، لتصبح واحدة من خمس دول فقط عارضت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2022 الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا. زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أسمرة في كانون الثاني/يناير 2023، وبحلول 2024 رست القوات البحرية الروسية في ميناء مصوع. ورغم أن حجم التبادل التجاري لا يزال متواضعًا، فإن وتيرة نموه سريعة.

أما البصمة الصينية فهي الأضخم. تشكل الصين الآن ثلث واردات إريتريا وثلثي صادراتها، مع استثمارات كبيرة في قطاعات التعدين والبنى التحتية. وأدى اتفاق أُبرم عام 2021 إلى انضمام إريتريا إلى مبادرة "الحزام والطريق"، وفي 2022، أصبحت الدولتان "شريكتين استراتيجيتين".

لكن التحول الأهم يتمثل في استئناف العلاقات مع طهران. إريتريا، التي كانت قد أرسلت جنودًا ضد أنصار الله، ترفض اليوم إدانة حصارهم للبحر الأحمر. وفي عام 2024، حضر وزير خارجيتها عثمان صالح مراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بَزشكيان. وعندما اغتالت تل أبيب القيادي في حماس إسماعيل هنية خلال الحفل، أدانت إريتريا الضربة.

وبحسب التقارير، وافقت طهران على تزويد إريتريا بطائرات مسيّرة وتقنيات عسكرية أخرى. ومنذ ذلك الحين، احتجزت إريتريا سفنًا أذرية، في خطوة ربطها البعض بمحور إيران الأوسع. وإذا استعادت قوات الحرس الثوري الإيراني إمكانية الوصول إلى ميناء عصب، فستتمكن طهران من دعم أنصار الله من ضفتي البحر الأحمر وتكثيف نقل الأسلحة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية. وقد تعود إريتريا لتصبح منصة انطلاق إقليمية، لكن هذه المرة لصالح طموحات طهران، لا أبوظبي.

تعقيدات القرن

دعم إريتريا ليس بلا مخاطرة. فإثيوبيا، التي يزيد عدد سكانها 40 مرة عن إريتريا واقتصادها أكبر بـ80 مرة، تعيد بدورها توجيه علاقاتها نحو الشرق. وتُعد الصين شريكها التجاري الأول، فيما تعزز روسيا وإيران تعاونهما معها، خصوصًا في المجال الأمني. وكان للطائرات المسيّرة الإيرانية دور حاسم في سحق تمرد تغراي.

وبانضمام البلدين إلى مجموعة بريكس، فإن أي صراع بين إريتريا وإثيوبيا سيضع الصين وروسيا وإيران في موقف حرج. لكن التأثير المشترك لتلك القوى قد يفتح الباب للوساطة. أواخر العام الماضي، توسطت تركيا في إحلال السلام بين إثيوبيا والصومال؛ وقد يتكرر ذلك هنا. فالوساطة تخدم المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للدول الأوراسية الثلاث.

ومع بدء تعافي محور المقاومة المدعوم من إيران في غرب آسيا من سلسلة نكساته، تتراجع قبضة واشنطن. فقاعدتها في جيبوتي - التي كانت رمزًا للهيمنة - فقدت حريتها العملياتية. منعت جيبوتي الغارات الأمريكية على أنصار الله وتحاول طرد النفوذ الإماراتي، فيما انحاز السودان لإيران وروسيا.

بعد رفض جيبوتي، طرحت واشنطن فكرة الاعتراف بمنطقة "أرض الصومال" الانفصالية وإنشاء قاعدة هناك، ما يعكس حالة يأسها في ظل تضاؤل خياراتها على البحر الأحمر.

أثار تحوّل إريتريا من تل أبيب إلى طهران ردود فعل عنيفة. ليس مفاجئًا أن تتصاعد الدعوات لتغيير النظام، ولا عجب أن ذلك يحدث بالتزامن مع تراجع النفوذ الغربي. في مقاله بمعهد المشروع الأميركي لأبحاث السياسات العامة المحافظ، يستشهد روبين بحقوق الإنسان قبل أن يتهم إريتريا بتهديد حلفاء واشنطن السابقين. أما "هآرتس"، فكانت أكثر صراحة، ووصفت إريتريا بـ"الوكيل الإيراني" و"التهديد الاستراتيجي".

هذه الرواية تمهّد لتدخل خارجي. بل إن روبين شبّه أفورقي بصدام حسين، في إشارة إلى ما قد تؤول إليه الأمور. وفي دولة متعددة الأعراق كإريتريا، سيعني ذلك الفوضى، تمامًا كما حدث في الصومال بعد عام 1991. والأسوأ بالنسبة لواشنطن، أن النتيجة قد لا تصب في صالحها. فبعد سقوط صدام، اقترب العراق أكثر من إيران.

نادراً ما تكبح السوابق التاريخية النزعة العسكرية الأمريكية. لكن هذه المرة، المخاطر أكبر. فتحالف إريتريا مع الصين وروسيا وإيران يهدد بإعادة تشكيل النظام في البحر الأحمر. وقد يؤدي عودة طهران إلى "عصب" إلى قلب موازين القوى، وتعزيز موقف أنصار الله وفصائل المقاومة الفلسطينية. وإذا ما ضغطت تل أبيب وواشنطن أكثر من اللازم، فقد تأتي التداعيات بعكس ما ترغبانه، بل وتعيد رسم ملامح غرب آسيا بالكامل. المصدر >>>>>

 
 
 

Comments


bottom of page