تحركات مصرية لعرقلة اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال.
الجمعة 2024/01/12 القاهرة / أسمرة – أوحت الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى العاصمة الإريترية أسمرة، الخميس، بأن هناك أمرا مهما استدعى ذهابه إلى هناك وترك خلفه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي بدأ جولة في المنطقة اختتمها بالقاهرة، في حين أن شكري غادرها متوجها إلى إريتريا دون أن يلتقي به.
ولا تقلل مغادرة شكري إلى أسمرة من أهمية مباحثات بلينكن مع المسؤولين في القاهرة، لكنها تؤكد أنه حمل رسالة مهمة إلى إريتريا بشأن توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع “جمهورية أرض الصومال” تحصل الأولى بموجبها على منفذ بحري في ميناء بربرة يصلها بالبحر الأحمر، ويمكّنها من إنشاء قاعدة عسكرية في هذه المنطقة.
ولا يُعرف كيف تفكر القاهرة، وما هي الأوراق التي بيدها لمنع إتمام الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، أم أن الأمر لا يتجاوز المناكفة ومحاولة التشويش على الاختراق الذي نجحت أديس أبابا في تحقيقه بتحصيل منفذ على البحر الأحمر يفتح أمامها أبواب تطوير علاقاتها التجارية خاصة مع دول الخليج.
وتعاملت مصر مع الاتفاق باهتمام كبير عقب الكشف عنه، وظهر ذلك في إصدار بيان رسمي شجب الخطوة ووفر دعما رمزيا لموقف الحكومة المركزية في الصومال الرافض للتوجه الإثيوبي نحو تطوير العلاقات مع أرض الصومال. وأرسلت القيادة المصرية إلى مقديشو وفدا رفيع المستوى التقى الرئيس حسن شيخ محمود، الأحد، وسلمه دعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي لزيارة القاهرة.
وأكدت وكالة الأنباء الصومالية أن الرئيس الصومالي سيقوم بزيارة إلى مصر في الأيام المقبلة لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتحركات إثيوبيا حيال أرض الصومال.
وتجنب المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبوزيد الإشارة مباشرة إلى علاقة زيارة سامح شكري لأسمرة بمذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع أرض الصومال مؤخّرا.
وقال أبوزيد في بيان أصدره الخميس إن سامح شكري بحث مع نظيره الإريتري عثمان صالح “برامج ومشروعات التعاون القائمة والمقترحة بين الجانبين، وتم الاتفاق على خطة عمل مشتركة لمتابعة تنفيذها، تشمل البنية التحتية والصحة والتدريب والمصائد السمكية وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك”.
وجاءت الإشارة إلى مذكرة التفاهم ضمنية بطريقة لافتة، لأن القاهرة تفضل التعامل معها في سياقها الإقليمي لضمان موقف داعم لحكومة مقديشو من دول المنطقة، باعتبار أن تداعيات المذكرة يمكن أن تزيد الوضع تأزما في القرن الأفريقي.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية المصرية أن اللقاء “تناول الوضع الراهن في القرن الأفريقي، وسبل التعامل مع ما يرتبط به من تحديات على شتى الأصعدة لتعزيز كافة الجهود الرامية إلى تعزيز السلم والأمن في هذه المنطقة”.
وتتجنب القاهرة الحديث بمفردها عن اتفاق إثيوبيا مع جمهورية أرض الصومال كي لا تفهم مؤازرتها لمقديشو على أنها مسكونة بخلافها العميق مع أديس أبابا بشأن سد النهضة وانسداد أفق المفاوضات بينهما مؤخرا. وترمي التحركات المصرية إلى توفير قوة دفع سياسية من بعض دول المنطقة، وتجد في أسمرة التي لديها إرث طويل من الخلافات والاحتقانات مع أديس أبابا فرصة للتنسيق معها والتعاون على إجهاض الاتفاق.
وأكد السفير أحمد أبوزيد أن وزيرَيْ خارجية مصر وإريتريا اتفقا على “مواصلة التنسيق في المحافل الإقليمية والدولية، واستمرار التشاور خلال المرحلة المقبلة لوضع أطر متفق عليها لمواجهة التحديات المختلفة”.
وأوضح مساعد وزير الخارجية المصري سابقا السفير حسين هريدي لـ”العرب” أن “زيارة شكري تستهدف التشاور حول التهديدات الحالية في منطقة القرن الأفريقي، تحديدا عند مدخل البحر الأحمر من جهة الجنوب، على إثر توقيع مذكرة التفاهم”.
وذكر أن مصر تسعى للتأكيد على “انتهاك أديس أبابا لمبادئ الاتحاد الأفريقي وتعريف دول القارة بالخطر الذي تتسبب فيه المذكرة وسط تهديدات أكبر في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وانعكاساتها على دول القارة”.
وأشار إلى أن مصر لا تهدف إلى تشكيل محور مقابلٍ لإثيوبيا، فالزيارة تقع في النطاق التشاوري، وترمي إلى التعرف على وجهة النظر الإريترية حيال التحركات الإثيوبية.
وقام الرئيس الصومالي بزيارة إلى الجارة جيبوتي بعد مرور أيام قليلة على توقيع مذكرة التفاهم التي أدانتها مقديشو، وبدا موقف جيبوتي منضبطا إلى حد كبير، وفي إطار حرص البلد على عدم توتير العلاقات بينه وبين إثيوبيا وعدم الإيحاء بالانحياز إلى الصومال. ويفسر اهتمام القاهرة البالغ بقطع الطريق على وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر، عقب اتفاقها مع أرض الصومال، في سياق حرص مصر على حرمان أديس أبابا من أوراق قوة إقليمية جديدة تمنحها حيوية في الحركة، وفي إطار ما يدور في البحر الأحمر من تهديدات أطلقتها جماعة الحوثي تؤثر على الملاحة في شريان مصيري لقناة السويس.
ويقول مراقبون إن كثافة التحديات التي تواجهها مصر، خاصة في قطاع غزة وليبيا والسودان ومياه نهر النيل، تجعل موقفها الإقليمي مرتبكا، ولا تريد أن تزيده منغصا إضافيا؛ فحصول إثيوبيا على منفذ بحري وقاعدة عسكرية يقلّل من قدرات الردع البحرية المصرية في جنوب البلاد، وجزء من مهامها مواجهة أي تهديد إثيوبي.
ويضيف المراقبون أن براغماتية النظام الإريتري تجعله حريصا على إدارة الخلاف بينه وبين إثيوبيا من دون أن يتورط في تبني مواقف تصب في صالح مصر، وحياده في إدارة أزمة سد النهضة يؤكد أن له تصورات خاصة في التعامل مع إثيوبيا، وأي موقف سياسي يتبناه حول مذكرة التفاهم سيكون نابعا من حسابات أسمرة الإقليمية. المصدر >>>>>
Comments