انسحاب إريتريا وتجميد السودان عضويته: أي مستقبل لـ"إيغاد"؟
- tvawna1
- 3 days ago
- 6 min read
الشافعي أبتدون ــ مقديشو

أعلنت إريتريا، يوم الجمعة الماضي (12 ديسمبر/كانون الأول الحالي)، انسحابها من الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، عازية قرارها إلى جملة من التراكمات والتباينات داخل المنظمة، ما يطرح مجدداً تساؤلات حول مستقبل "إيغاد" في ظلّ توالي الأزمات في المنطقة، ومن بينها تصاعد التوتر بين إريتريا وإثيوبيا، علماً أن الخرطوم كانت أيضاً جمّدت عضويتها في "إيغاد" عام 2024، على خلفية الحرب الدائرة في السودان منذ إبريل/نيسان 2023.
إريتريا تنسحب من "إيغاد"
ويأتي انسحاب إريتريا من منظمة "إيغاد"، ومقرها جيبوتي (تضم 8 دول من شرق أفريقيا)، في سياق إقليمي معقد يتسم بتوترات سياسية وأمنية متكررة بين بعض دول القرن الأفريقي، فضلاً عن تباينات عميقة في الرؤى داخل "إيغاد" بشأن إدارة الأزمات الإقليمية. وترى أسمرة أن المنظمة لم تعد قادرة على لعب دور محايد أو إيجابي في ملفات حسّاسة، وأن آليات اتخاذ القرار داخلها أصبحت، من وجهة نظرها، غير فعّالة ومسيّسة.
محمد عمر صالح: اتسم موقف إريتريا دائماً بالتحفظ تجاه المنظمات الإقليمية
وكانت وزارة الخارجية الإريترية قد أعلنت في بيان يوم الجمعة الماضي، انسحابها من "إيغاد"، وبرّرت الخطوة بتراكمات طويلة وفشل المنظمة في القيام بمهامها الأساسية. وأضافت أن القرار جاء نتيجة ما وصفته بإخفاق "إيغاد" في الالتزام بولايتها القانونية وأهدافها التأسيسية (تأسست عام 1996). وأوضحت الوزارة أن بلادها أسهمت بدور محوري في إعادة تنشيط "إيغاد" عام 1993، وعملت إلى جانب بقية الدول الأعضاء على تحويلها إلى إطار إقليمي قادر على دعم السلام والاستقرار وتهيئة المناخ للتكامل الاقتصادي. غير أن المنظمة، بحسب البيان، ابتعدت لاحقاً عن هذه الأهداف، وتحولت منذ عام 2005 إلى أداة استُخدمت ضد بعض الدول الأعضاء، لا سيما إريتريا، ما دفع أسمرة إلى تعليق عضويتها عام 2007.
وردت الأمانة العامة لـ"إيغاد" في بيان، وقالت إن إريتريا كانت قد جمّدت مشاركتها في المنظمة لما يقارب عقدين من الزمن، قبل أن تعود رسمياً إلى صفوفها عقب القمة العادية الرابعة عشرة لرؤساء الدول والحكومات في يونيو/حزيران 2023. وقد استقبلت الدول الأعضاء حينها إريتريا بحرارة وترحيب، في خطوة عكست التزاماً جماعياً بالشمولية والتضامن الإقليمي وتعزيز التعاون. وأكدت الأمانة أنها خلال هذه الفترة تحلّت بالصبر وحسن النية، وظلت منفتحة ومتاحة لأي تواصل بنّاء، وفق البيان. كما أسفت "إيغاد" لكون قرار الانسحاب قد اتُّخذ من دون تقديم مقترحات ملموسة أو الدخول في مشاورات بشأن إصلاحات مؤسسية أو سياسات محددة. وأوضحت أنها ظلّت على الدوام منفتحة على الحوار عبر آلياتها الاستشارية المعتمدة.
وتأسست "إيغاد" عام 1996 امتداداً لمنظمة سابقة أنشئت عام 1986 لمواجهة الجفاف والتصحر. وتضم في عضويتها: جيبوتي، إثيوبيا، كينيا، أوغندا، الصومال، السودان، جنوب السودان، وإريتريا. وتركز المنظمة في عملها على قضايا السلم والأمن، وتسوية النزاعات، والتنمية الاقتصادية، والتكامل الإقليمي، إضافة إلى ملفات الهجرة والتغير المناخي والأمن الغذائي، وقد لعبت أدواراً متفاوتة في وساطات إقليمية، أبرزها في السودان وجنوب السودان والصومال، وسط انتقادات متكررة لطبيعة أدائها وآليات اتخاذ القرار داخلها.
اتهامات بالانحياز
ورأى الكاتب الإريتري ومدير مركز القرن الأفريقي للبحوث والدراسات محمد عمر صالح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قرار انسحاب إريتريا من منظمة "إيغاد"، لا بد من قراءته في سياق تعاملها العام مع المنظمات الإقليمية، موضحاً أنه "منذ وقت مبكر، اتسم موقف الحكومة الإريترية بالتحفّظ، بل الزهد، تجاه هذه المنظمات، انطلاقاً من قناعة راسخة بأنها كيانات غير فاعلة ولا تحقق فوائد حقيقية تُذكر للشعوب الأفريقية. ومن هذا المنظور، لم يكن القرار مفاجئاً لمن يتابع سلوك إريتريا السياسي ونهجها في التعاطي مع الأطر الإقليمية". وأضاف صالح: "يُنظر إلى منظمة إيغاد على أنها أصبحت غير فاعلة وغير ذات جدوى، كما أن البيان الصادر عن إريتريا يستبطن، وربما يلمّح بوضوح، إلى حالة من الجمود وغياب الحيوية في تعامل المنظمة مع قضايا منطقة عضويتها. ويتضمن ذلك شكوى صريحة من انحياز بعض الأطراف داخل إيغاد، وهي الشكوى نفسها التي دفعت السودان في وقت سابق إلى تجميد عضويته في المنظمة".
وبرأي الكاتب الإريتري، فإن هذا الواقع "يعدّ مؤشراً خطيراً على أن إيغاد لا تحتل الموقع الصحيح في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، في وقت تواجه فيه منطقة القرن الأفريقي قضايا مفصلية بالغة الخطورة، وفي مقدمتها الحرب الدائرة في السودان". فلو كان لمنظمة إيغاد دور فعلي، وفق تعبيره، "لكان من المفترض أن تضطلع بدور حقيقي وجوهري، بل بالدور القيادي، في معالجة هذه الأزمات والتعاطي الجاد معها". وشدّد صالح على أن "الأزمة السودانية في مقدمة القضايا التي كان ينبغي أن تتصدر اهتمام منظمة إيغاد، قبل الانتقال بها إلى المستويات الأعلى داخل الاتحاد الأفريقي، وبالتنسيق مع الشركاء الدوليين القادرين على تقديم العون والمساندة للمنظمة في احتواء الأزمات المتعددة التي تواجهها منطقة القرن الأفريقي". غير أن غياب هذا الدور، وفق قوله، "يطرح تساؤلات جدّية حول قدرة إيغاد على الاضطلاع بمسؤولياتها في هذه المرحلة الحرجة".
وأشار الكاتب إلى أن "مسألة مصداقية المنظمة واستدامة دورها برزت بقوة في الفترة الأخيرة، وهو ما ينسجم مع السلوك الإريتري المعروف تجاه المنظمات الإقليمية. فمنذ وقت مبكر، لم تُبدِ إريتريا اهتماماً بالانخراط في منظمات ترى أنها غير فاعلة، أو تُستغل من قبل بعض الدول لتمرير أجنداتها الخاصة، بدلاً من العمل وفق أجندة جماعية تخدم مصالح المنطقة ككل". وتابع: "يُعزى هذا الموقف أساساً إلى ضعف فاعلية إيغاد وافتقارها للحياد، إضافة إلى انحياز بعض أعضائها، وهو ما يشكّل جوهر الشكوى الإريترية". وأضاف أن "التلميحات الواردة في البيان قد تشير إلى أدوار بعينها، ولا سيما الدور الإثيوبي، وإن كان من غير المؤكد أن تتجاوز هذه الإشارات حدود النقد العام كما يعزّز هذا الطرح ما سبق أن أقدم عليه السودان بتجميد عضويته في هذه المنظمة للأسباب نفسها تقريباً، إذ تتطابق المبررات السودانية إلى حدّ كبير مع الرؤية الإريترية التي تصف المنظمة بأنها منحازة أو غير محايدة، الأمر الذي يقوض قدرتها على أداء دور فاعل في إدارة أزمات المنطقة".
وتساءل صالح ما إذا كان ملحّاً "إجراء مراجعة لمواثيق المؤسسة وبنيتها القيادية وآليات عملها"، إذ إن هذه التطورات تعكس برأيه "أزمة عميقة في فاعلية المنظمة وقدرتها على الاستجابة للتحديات المتزايدة في المنطقة بعد انسحاب إريتريا، وتجميد السودان عضويته، وظهور بوادر واضحة لعدم التوافق داخل إيغاد". ولفت إلى أنه "من البديهي أن أي مسعى لإعادة تنشيط دور المنظمة، واستعادة فعاليتها يتطلب تفكيراً جاداً في كيفية تجاوز العقبات السابقة، ومعالجة الإشكالات المتراكمة التي واجهت قيادة المنظمة خلال الفترة الماضية، وهو ما يستدعي، بالضرورة، مراجعة شاملة لأجندة المنظمة، وجدوى مشروعاتها، وفاعلية برامجها، ومدى ارتباطها بالقضايا الحقيقية التي تواجه دول وشعوب منطقة القرن الأفريقي".
وأعرب الكاتب الإريتري عن اعتقاده بأن هذه المرحلة التي تمر بها إيغاد تفرض عليها إعادة ترتيب الأولويات بما يمكّنها من الاضطلاع بدور أكثر تأثيراً في معالجة الأزمات والصراعات التي تمر بها المنطقة، وعلى رأسها النزاعات السياسية والأمنية والإنسانية، بما يعيد لـ"إيغاد" مكانتها ودورها الإقليمي المفقود، كما أن عملية إعادة تنشيط المنظمة أو استعادة حضورها، تسبقها نقاشات عميقة حول كيفية تجاوز الإخفاقات السابقة ومعالجة الاختلالات المتراكمة التي صاحبت أداء قيادتها خلال السنوات الماضية.
عبد القادر محمد علي: طبعت حالة العجز وعدم الفاعلية أداء "إيغاد" في عدد من الملفات المفصلية وفي محطات إقليمية بالغة الحساسية
بدوره، توقع الباحث الإريتري عبد القادر محمد علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تمضي إريتريا لاحقاً إلى تجميد عضويتها في الاتحاد الأفريقي، إذا ما استمر نهج عدم الحيادية والفاعلية نفسه داخل الاتحاد واستمرت الظروف التي دفعتها للانسحاب من "إيغاد"، موضحاً أن ثمة جملة من الأسباب التي دفعت إريتريا إلى اتخاذ قرار الانسحاب، وفي مقدمتها حالة العجز وعدم الفاعلية التي طبعت أداء المنظمة في عدد من الملفات المفصلية وفي محطات إقليمية بالغة الحساسية. ويبرز في هذا السياق، وفق شرحه، ملف السودان، إلى جانب ما تعتبره أسمرة تجاهلاً ممنهجاً لتهديدات إثيوبية متكررة تمسّ أمنها القومي وسيادتها، بما في ذلك تهديدات باحتلال أراضٍ إريترية، والمساس باستقلال القرار الوطني.
وبحسب علي، فإن موقف إريتريا يثير أيضاً تساؤلات جدية حول مهنية "إيغاد" وآليات عملها، لا سيما لجهة اعتمادها على معلومات أو وساطات صادرة عن أطراف لا تتمتع بصفة رسمية، كما في حالة الأشخاص الذين وقعوا اتفاقاً مع مليشيا "فانو" (في إشارة إلى توقيع حكومة إقليم أمهرة في إثيوبيا اتفاقية "سلام" مع جبهة فانو الشعبية، إحدى الإثنيات المسلّحة الناشطة في أمهرة، خلال الشهر الحالي، بحضور مسؤولين من "إيغاد" في أديس أبابا). ويفتح ذلك برأيه الباب أمام سؤال مشروع: هل تملك "إيغاد" آليات تحقق دقيقة قبل الإقدام على خطوات من هذا النوع، أم أنها تتحرك دون تدقيق كافٍ في طبيعة الأطراف التي تتعامل معها؟ وتابع: "بالنسبة لإريتريا، فإن هذه المؤشرات مجتمعة تؤكد، من وجهة نظرها، أن المنظمة باتت واقعة تحت تأثير أطراف إقليمية بعينها، وعلى رأسها إثيوبيا، وأنها تُستخدم أداةً لخدمة أجندات سياسية محددة، لا بوصفها منصة محايدة لإدارة أزمات المنطقة". ومن هنا جاء قرار الانسحاب، باعتباره موقفاً سياسياً يعكس فقدان الثقة في حياد "إيغاد" وقدرتها على القيام بدورها الإقليمي المفترض، على حدّ اعتباره.
ورأى الباحث أن موقف السلطات الإريترية والرئيس أسياس أفورقي على وجه الخصوص، من المنظمات الجماعية، بات يعد تعبيراً راسخاً حول رؤية سياسية تقوم على الشكّ العميق في جدوى العمل الإقليمي المشترك بصيغته الحالية. فمنذ سنوات، ينظر النظام في أسمرة إلى هذه المنظمات بوصفها أطراً فضفاضة، غالباً ما تُخترق من قبل دول نافذة لتوظيفها في خدمة أجنداتها الخاصة، بدلاً من أن تكون منصات حقيقية للتعاون المتكافئ بين الدول الأعضاء.








Comments