إزاز وعافه أعظم قيادات تركوا بصمات في سماء إرتريا
جيل الثورة رجالاً من نوع خاص
حاوره أحمد رياض
في حوار الإسرار والصراحة نفض عبدالله سعيد علاج الغبار عن مذكرات الثائر التي ترحل بها أكثر من أربعة عقود وقرر أن يتحدث عن تجربته النضالية المليئة بالأحداث والإسرار وكشف عن
التحولات الكبرى التي واكبت الثورة الإرترية ، من خلال يومياته يتحدث عن دورة الصين العسكرية وتجارب المناطق ومؤتمر ادوبحا والمؤتمر الوطني الثاني ويتحدث عن معاناة السجن في كرن واسمرا التي بدأها بالسجن في المملكة العربية السعودية ويصف اللحظات الصعبة في حياته عندما سقط جريحا واعتقل , وعلاج يتحدث عن تجربة شعب ناضل من اجل الاستقلال ويصف لحظة خروج المناضلين من سجن اسمرا وعدي خالا وانتصارات جبهة التحرير ويعرج على انكسارات الجبهة حتى لحظة دخولها للسودان ويؤكد حقيقة وجود حزب العمل في جبهة التحرير , وتناول الحوار من خلال تجربة ثائر مجمل التطورات على الساحة الإرترية على مدى أربعة عقود مضت ، واعتبر الشهيد عمر إزاز وإبراهيم عافا أعظم قادة أنجبتهم إرتريا وتحدث عنهم وعن عبقريتهم ، وعلاج الذي تتمثل فيه بساطة وأصالة المواطن الإرتري والذي كتب له عمر جديد وكشف لنا المناضل حسن إيمان عن إحدى أهم الوثائق التي تضمنت نعي لعبدالله علاج في مجلة المؤتمر كتبه الراحل الزين يس الذي كتب عن استشهاد عبدالله علاج في معركة وكتب عنه كلمة التأبين في مجلة حيث وصفه بالشجاع كما كتب مقتطف عن سيرته الذاتية ويجمع رفقاء علاج الذين عرفوه عن قرب بأنه وطني من طراز متميز وصاحب مبدأ وارتفع من صراعات السلطة والعصبيات الإقليمية والقبلية وتمسك بقيم الجبهة ولازال في خط الدفاع الأول في مواجهة النظام الديكتاتوري الذي اغتصب نضالات الشعب الإرتري.
وعبد الله سعيد إدريس (علاج) تزوج في مدينة كسلا في عام 1977 وهو رب الأسرة تتكون من خمسة ولدين وثلاثة بنات ، واستقر بأسرته في أستراليا بعيدا عن الوطن الذي عشقه ووهبه كل عمره، ولا زال يواصل نضاله من أجل إقامة نظام ديمقراطي عادل في إرتريا بعد أن شارك في تحريرها من الاستعمار.
وحرص مركز الخليج بأن يجرى هذا الحوار مع أحد الجنود المجهولين الذين وهبوا كل ما يملكوا لهذا الوطن وأقل ما يمكن أن نقدمه لهذا الثائر أن ننفض الغبار من مذكراته ونملكها للقارئ . وأدار معه الحوار الزميل (أحمد رياض).والي مضابط الحوار
من انت ؟
عبدالله سعيد إدريس (علاج).من مواليد مدينة كرن حيث قضيت معظم طفولتي فيها حتى التحقت بصفوف الثورة
الدوافع وراء التحاقك بالثورة ؟
عوامل كثيرة ، وان جيلنا كان قد تجرع بالوطنية وان سياسة القمع والاعتقالات زاد من غضب شباب المدينة الذين كانوا في طليعة القوى الوطنية وان مدينة كرن كانت من اكثر المدن مناصرة للثورة الإرترية وكانت معقل لأنشطة الثوار .
كيف كنتم تسمعوا أخبار الثورة وأنشطتها ؟
اعتقد أن شباب المدينة الأغلبية منهم كانوا يتابعون أخبار الثورة بشكل مستمر وكان حديث المدينة أو الحكاوي في المقاهي كانت عن الجبهة وربما هذه دفع قوى الاستعمار إلى ممارسة القمع بكل قسوة ضد سكان المدينة التي صنفت بأنها معقل للجبهة ومعظم الشباب كانوا في خلايا سرية وكبار السن كانوا يدفعون الاشتراكات للجبهة .
ولكن حدثنا عمليا متى التحقت بالجبهة ؟
قبل خروجي الي الجبهة كنت أعمل ضمن الخلايا السرية داخل المدينة وكانت هناك مشكلة حيث أن عملية التوجيه كانت تأتينا عبر وسيط من مدينة اغوردات من القائد هناك وهو الشهيد صالح محمد سعيد,وابرز نشاطنا كان توزيع المنشورات والتوعية السياسية لفروع الجبهة السرية .
اذكر لنا حادثة طريفة ؟
استغل أحد زملائنا وهو "سليمان حد ووق" لاعب كرة القدم في الفريق القومي بالمدينة مناسبة رياضية ودعا إلي إجتماع لبحث هزيمة فريقه ووجد فرصة كبيرة لحضور عدد كبير وحول اللقاء إلى منتدى سياسي وقدم للحاضرين الوضع التي تعيشها المدينة المحاصرة من الاستعمار ، ووجه انتقادات للاحتلال وكانت المفاجئة أن أحد جواسيس الاحتلال كان وسط الحاضرين وكان مصير زميلنا السجن الذي وضع في ما بعض تحت المراقبة بعد أن افرج عنه .
وبعد ذالك كيف كان يستمر نشاطكم السري ؟
كنا قد اخترنا محل مزدحم من الصعب الشك فيه وهي محل لبيع الرغيف لصاحبها العم (علي لآت) التي يعمل بها زميلنا محمد جابر .ولكن الفرحة ما اكتملت البوليس السري اقترب من المكان بل قام بمداهمة المكان وبعد التفتيش الدقيق وجدوا قائمة أسماء طويلة وضمن هذه القائمة كان اسم العم بخيت محمد نور المعروف (ببخيت قر ووج) ، والعم الذي عرف بدهائه قد تمكن من الإفلات من البوليس السري الذي أجرى معه تحقيق وعلى ما اذكر اجري معه قبري كداني الذي كان في ذلك الوقت مسؤولا للنظام بالمدينة استدعاه على الفور ووجه إليه بعد الأسئلة ومنها لماذا أنت تقوم بمساعدة (الشفته) بتسجيلك الشباب لينضموا إليهم وعاد ساخرا منه، وقال أنا أعرف ما تقوم به من مساعدة الشفته ليأتوك بأرجل صناعية من روسيا وكانت آنذاك الثورة تسمى بالشفته, ولكن رد عليه العم بخيت بشجاعته المعروفة قائلا إذا كان هم وصلوا روسيا سيكونون بذلك بعيدين عني وعنك أما إذا كانت الأرجل تأتي من روسيا فأنت أولى بها مني لانك لا تعدم جد أو خال أو عم عديم الأرجل وبعدها يمكن يؤنبك شعورك وترسل لي جوز من تلك الأرجل لآني أعتبر في النهاية واحدا من رعاياك في المدينة ,ونجح العم في استفزازه وقام بطرده وقال له باللهجة التجرينية ( كد فرقي سب) وتعنى أخرج يا نصف رجل
بدأت متاعبك ماذا فعلت ؟
نشط البوليس السري واقترب من الخلايا السرية وقررت ترك المدينة وتوجهت الي مدينة كسلا وتعرفت على شباب في عمري واتفقنا للالتحاق بالثورة وبالفعل خرجنا من مدينة كسلا في مجموعة كبيرة ولأول مرة تخرج مجموعة إلى الميدان بهذه الطريقة. وكان ذلك عام1965 ووجدنا ترحيب ونزلنا في معسكر في الحدود ووجدنا به قوة صغيرة بقيادة الأخ صالح أبو بكر بزيهم العسكري المميز وكان ذلك هو أول مشهد أن نرى ما كنا نحلم به وارتفعت معنوياتنا وتم نقلنا إلي منطقة (يقارع)
من كان برفقتك في تلك المجموعة التي خرجت معك من كسلا؟
لقد سميت المجموعة باسم حركي بمجموعة (الكوم ندوس) أما من أبرز الشخصيات التي أتذكرها لك الآن إن لم تخوني الذاكرة ,عبدالله أفندي, عمر أبو شنب, يسن علي جامع,عبدالرحمن محمد علي,وعبد الرقيب محمد موسى, ومحمود قاش, وفاهم, محمود فائد, ويسن الحاج,وحسن صالح, ومحمود إدريس نور الملقب(ابوستل), ومحمد على عمر الملقب (بحيوت) وأغلب هؤلاء شهداء، ومعذرة لو سقط اسم من أسماء المناضلين في المجموعة.
احكي لنا عن الرحلة من كسلا الي الميدان؟
الانتقال الي الميدان أحيط بالسرية التامة وكانت الوسيلة المستخدمة سفينة الصحراء الجمل وان كان معظم وسائل والنقل التي كنا نعتمد عليها موصلات رقم 11 أرجلنا ، كنا شباب والعزيمة قوية والتحدي كان اكبر التذمر لم يكن في قاموسنا .وارتفعت معنوياتنا عندما شاهدنا طلائع جيش التحرير
كيف بدأ التدريب ؟
حينها لم يكن هنالك معسكرات خاصة للتدريب كنا نترحل من مكان الي مكان وفي لحظات التوقف وفي أوقات الاستراحة كنا نتلق التدريب ،وفجأة توقف علاج والتزم الصمت وعاود الحديث يعجز اللسان وصف قسوة الحياة وعندما أتذكر اليوم ما تحمله الرعيل من معاناة يمكن أن يسأل الإنسان فعلا الثوار كانوا أناسا يملكون العزيمة والقوة وصمدوا وتحملوا ما لم يتحمله الإنسان ، رغم عملية التدريب لم تكن منظمة مع ذلك كان هنالك قسم خاص للتدريب
من كان من المدربين وقتها في الميدان؟
أتذكر من المدربين المعروفين في ذلك الوقت الشهيد محمد أدم(شنكحاي) وإدريس حامد, وعلى رأسهم القائد عمر ضامر وبعدها تم نقلنا الي وحدة أخرى يقودها الشهيد حامد جمع لنكمل التدريب وبهذه الطريقة كان يتم تدريب الثوار .
ممكن تذكر لنا قيادات لفتت انتباهك في وقتها ؟
حقيقة في وقتها الجميع يمكن وصفهم بالأبطال والأغلبية كان يمتاز بميزات فريدة وقد لفت نظري الشهيد عمر ازاز حيث كان فعلا قائد شجاع ووطني وتأثرت به وكان له الفضل في إظهار منطقته بقوة وكان يجمع بين الحكمة والشجاعة وذات يوم أتذكر عندما سئل من الأخ محمد علي عمرو يا عمر مستقبل إرتريا قال له يا عمرو مستقبل إرتريا يحددها أبنائنا وأبنائك أما أنا وأنت علينا أن نشترك في هذه المعركة لنحرر إرتريا من الاستعمار والواقعة الثانية عندما أتت فرصة لاختيار أشخاص للدفعة الثانية للصين تم اختياري وشخص أخر من المنطقة الثانية وعادة عملية الاختيار في البعثات الخارجية كانت تخضع لمعايير ضيقة قبلية وإقليمية وخلاصة القول عمر ازاز كان يمثل قيم الثورة وأخلاقها .وإحقاقا للحق هناك مناضلين وقيادات شريفة ووطنية تركوا انطباعات في نفوس المناضلين أمثال أبو شنب, وعبد الكريم أحمد, وإبراهيم منجوس, وأيوب حجاج, وأبو الرجيلة, ومحمود ديناي, وقندفل..
فجأ نقلتنا الي المنطقة الثانية ، كيف وصلت اليها ؟
كما هو معلوم تم تقسيم الثوار الي أربعة مناطق الأولى بقيادة المناضل محمود ديناي والثانية بقيادة المناضل عمر إيزاذ والثالثة بقيادة المناضل عبدا الكريم أحمد والرابعة بقيادة المناضل محمد على عمرو , وأنا كنت ضمن المنطقة الثالثة في التوزيع بقيادة المناضل عبدالكريم أحمد وتحركنا الى اتجاه منطقة بركة لعال ومنها الي سراي التي وجدنا فيها مصاعب جمة من المواطنين المسلحين التابعين لنظام العدو في ذلك الوقت إضافة الي جيوش العدو المرابطة هناك باستمرار, واجهتنا صعوبات في المنطقة كنا أول طلائع للثورة في الإقليم وعملية الفتوحات دفعنا فيها ثمن باهظ وأول معركة لنا في هذه المنطقة هي معركة (ماي لام) التي فقدنا فيها الشهيد البطل والدكتور حسين دافر علي وتم أسر المناضل يوسف عمر وهكذا توالت المعارك في مواقع مختلفة من المنطقة, إلا أن المنطقة الثالثة اتبعت إستراتيجية معينة في إقناع الجماهير المسلحة في المنطقة لوقوفها بجانب الثورة وكانت العملية شاقة ومتعبة ولكن في نهاية الأمر بفضل الله وعونه تمكنا من إقناع بعض الشباب وتجنيدهم حتى سكان القرية بدأ يتعاطفون معنا سريا بمدنا ببعد المؤن والمعلومات, بهذه الطريقة صمدت وقاومت المنطقة الثالثة بكل السبل الممكنة, إلا أنها في حالة الشدة تنسحب قليلا الى بركة لعال وعلي هذا المنوال قضينا فترة
واستمرت المعارك في المنطقة السكان والعدو كانا ضدنا ولكن الطبيعة والجو كانت معانا ولهذا حققنا انتصارات وخاصة في المعركة التي قدناها في منطقة دلك حيث تم تقسيمنا الي مجموعتين الأولى بقيادة عبدالكريم احمد وكان معه الأخ عمر يحي قائد الفصيلة ومساعده (شنبل قيح) ثم اتجه إلى (عد قنات) وتمركزوا في الجبل, أما فصيلة حامد صالح وأنا كنت ضمن المجموعة بقيادة حامد جمع تمركزنا تحتهم في الصقيعية, إلا أن العدو كان متمركزا قبلنا في هذا المكان لتقع المعركة بيننا وبينهم وتمكن بقتل قائد العدو( قري كدان) ولكن في المقابل فقدنا فيها المناضل الجسور الشهيد حامد جمع نائب القائد وبعدها انسحبنا الي منطقة (ضقع تنسي) وهناك وجدنا مجموعتين الأولي بقيادة علي جامع والثانية بقيادة حاج موسى, وثم قمنا بهجوم واسع بعد حصولنا على المد البشري والسلاح من منطقة كركون, وبعدها مباشرة تم نقلي الي المنطقة الثانية لأعمل مع الفدائيين هناك لآني أعرف تلك المنطقة معرفة جيدة.
ماهو تقييمك لتجربة المناطق ؟
في تقديري من حيث توزيع المناطق المبدأ كان معقول لأنه يسهل عملية الانتشار الي جميع المناطق في إرتريا, لكن هذا غير كافي لان الجيش يحتاج دائما الي قيادة مركزية والقيادة العليا وزعت الجيش الي مناطق ولكن هذا التوزيع فاقد لقيادة مركزية تقود هذه المناطق التي لا تملك من المؤن شيء كافي لحوجتها بسبب النقص في الاحتياجات الأساسية ولكن تتحسن قليلا عندما نلتقي بالمناطق الثانية في طريقنا مثلا , وأنا كنت ضمن المنطقة الثانية فليست لنا من المؤن ما يكفي حاجة الجيش ولهذا تتفاوت الحوجة من منطقة الي منطقة أخري .أما في العمل العسكري لم تكن هناك عملية منسقة بين الجيش من منطقة الي منطقة أخرى في حالة هجوم العدو الي واحدة منها, لآن مهمة كل منطقة كانت محدودة في منطقتها فقط . ولم يكن هناك تنسيق عسكري أو سياسي أو أمنى وربما كان لذلك تأثير سلبي
إذن ما هو السبب في رأيك في فشل تجربة المناطق ؟
لا يمكن الحكم عليها بالفشل كانت تجربة وفي كل تجربة فيها فشل ونجاح ولكن أهم عامل سلبي كان فقدان قيادة مركزية تقود الجيش وعدم توجيه ضربات موحدة اضعف من عمليات العمل العسكري مثلا في بعض المناطق كانت تتحمل العبء العسكري عكس المناطق الأخرى
وهذا أفقدها مراكز قوة بالإضافة أن التوزيع الجقرافي للمناطق بدا يؤثر واضحا في المناطق من خلق مفاهيم ضيقة لا تخدم الثورة بشي, في هذه الظروف ولدت منطقة خامسة وهذه ليست أحسن من أخواتها بل كانت أسوا لآن مهامها محدود في إقليم حماسيين أي ضواحي أسمرا, كما أو نشأت حركة في الجنوب هدفها تصحيح الوضع في المناطق وأيضا لهذا القرض أنشأت حركة الإصلاح التي عول عليها كثيرا ولكن لم تأتي بجديد.في المقابل قامت القيادة السياسية بتشكيل لجنة ثورية مقرها كسلا السودانية وهذه ليست قيادة مباشرة تقود الجيش ولكن مهامها فقط عملية التنسيق ما بين الداخل والخارج .أما قادة المناطق كانوا الكل في الكل في مناطقهم وهم ويتولون حل المشاكل الصغيرة بحكم تواجدها مرارا مع الجيش أما التي تصعب عليها فترفعها الي القيادة العليا وهي بدورها أيضا ترفعها الي المجلس الأعلى وهذه تأخذ بالفعل فترة طويلة لذلك لم تكن سريعة الحل .
وكيف بدأت الرحلة الي الصين
بدأت الدفعة الثانية الي الصين بغرض التدريب وأنا اعتبر تحول مهم في حياتي بأن الدورة كانت مفيدة أحدثت نقلة في مفاهيمنا سواء العسكرية والسياسة والشكر موصول للقادة السياسية التي فتحت هذه الفرص في الصين وكوبا والعراق وهذا يكشف الوعي المبكر للقيادة السياسية بغض النظر عن بعض سلبياتها لان الدورات العسكرية أحدثت نقلة نوعية في العمل العسكري لجيش التحرير .رغم معايير الاختيار من الداخل لم تخضع لكثير من المواصفات .
من كان معكم في الدفعة ؟
سعيد صالح, وعيسى موسى, وصالح شوم, وصالح عبدين, وأحمد إبراهيم,وكنتباي,وعلي مجمد إبراهيم,وتسفاي, وبرخيت,وفسهاي, ورفاني, ومسفن, وحقوس,وإبراهيم برهان, ومحمد برهان, وحسنيت,ومحمود سبي, وأحمد فاقر,وحامد إدريس سعيد الملقب(شنيت) وأحمد هنيتي.
يمكن ان تصف لنا كيف كانت الدورة ؟
في الحقيقة كانت الدورة مكثفة وتشتمل علي دورات عسكرية وسياسية, أما العسكرية كانت تتركز علي فهم أنواع الأسلحة بداية من مدافع الهاون الي سلاح أبو مائة وثمانين وأخيرا الدبابة وكيفية تدميرها, في الحقيقة تلقينا الكثير من المعرفة وكانت لي نقطة تحول حقيقي, أما في الجانب السياسي اشتملت الدورة علي التوعية السياسية وكيفية بناء المليشيات في المناطق المحررة حتى تستطيع المحافظة عليها, وكيفية التغلب علي المفاهيم الخاطئة, بالإضافة الي كيف يدار الحوار وممارسة النقد والنقد الذاتي وهذه النقطة بالذات في البداية كان فهما صعب علينا جدا لان عملية الانتقاد كانت لها فهم خاطئ لدينا باعتبار النقد تقليل من شأن قدرت المتحدث ولكن بعد الفهم الصحيح لمعن النقد ومضمونها خلقت لنا إشكالية بين المجموعة في الدورة بسبب التراكمات السابقة في الميدان لدى بعد الشخصيات بالذات أخوان المسيحيين الذين بدوا يطرحون أسئلة ينتقدون فيها الثورة ويعتبرونها إسلامية خرجت لتصفية المسيحيين حتى تتفرد بالحكم في البلاد إلا أن البعض كان يرى دراسة النقد والنقد الذاتي تصحيح للمفاهيم الخاطئة التي كانت تمارس في الحوارات الداخلية للجيش,إلا أن في نهاية الدورة انقسمنا إلي مجموعتين الأولى ترى أن بعض فهمنا الحقيقي لبعد الحقائق التي يجب أن تتبعها القيادة في عملها الثوري يطالب إعادة النظر في نضالهم لذلك قرروا الجلوس مع القيادة في سوريا قبل عودتهم إلي الميدان وهم, تسفاي, زد نقل, بر يخت, وحلوف, مع أن القيادة بعض علمها طلبتهم بالتوجه معنا إلي عدن, أما التي كنت ضمنها توجهت الي عدن اليمنية, إلا أنها وجدانها حديثة الاستقلال من المستعمر الإنجليزي مما جعل التحرك فيها صعبا بسبب التنظيم الأمني من قبل جبهتين الجبهة القومية وجبهة التحرير بقيادة عبد القوي مكاوي, ونحن في هذه الظروف الصعبة علمت السفارة الأثيوبية بعودتنا من الصين مما ذادا الموقف تعقيدا وتحركنا محدودا, إلا أن قيادة الجبهة الإرترية في عدن بقيادة عثمان صالح سبي ومعه المناضل علي برحتو تداركت الموقف بسرعة وقامت باستئجار باخرة تنقلنا إلي جزيرة (كمران) التي بها قاربا يتبع لثورة الإرترية, وطلبنا من القيادة إرسال ممتلكاتنا الشخصية الي الخرطوم السودانية عن طريق الجو لآن ظروف البحر ليست معروفة وقبلت القيادة هذا المقترح أكتف بقوله هكذا بدأت رحلتنا من عدن اليمنية عبر البحر بالباخرة, وكانت بحوزتنا إمدادات تشتمل علي أدوية طبية وذخائر وألغام وبعض الاحتياجات الشخصية, وفور وصولنا جزيرة كمران نقلنا محتوياتنا إلي القارب (منصور) الذي كان في انتظارنا هناك وتوجهنا على الفور نحو المياه السعودية عبورا منها إلي مياه السودان, إلا أن القارب منصور تعطل عند وصولنا للمياه السعودية التي قضينا فيها سبعة أيام بلياليها, وصلت القوات السعودية المرابطة في المياه التي نقلتنا إلي قواربها واتجهت بنا نحو الجزيرة وتم استضافتنا في غرفة الضيافة الخاصة بهم وأكرمون كرما مبالغ فيه, وعندما حان الليل تغير الحال لتتحول غرفة الضيافة بأنوارها المزخرفة إلي سجن لهم في الجزيرة تنعدم فيه أبسط مقومات الحياة بعد أخذنا واحدا تلو الآخر وفتح بلاغا ضدنا يتهموننا فيه بفئة متسللة جاءت لتفجير المملكة لنقضي فيه شهرا كاملا وحجتهم كانت تلك الذخيرة والألغام التي قدمتها الحكومة اليمنية للثورة الإرترية,طيلة هذه الفترة كانت القيادة تبحث عنا في كل مكان إلا أنها لم تجد أثرا يذكر ولهذا اعتبرونا في أعداد المفقودين, ولكن لحسن حظنا كان هناك قارب يتبع إلي أفراد البحرية الذين يقومون بجلب (الكوكيان) من البحر تعرفوا علي القارب منصور الذي وجدوه مرابط في (قنفدة) لأنهم علي معرفة بأصحابه الإرتريين في جزيرة كمران ومسئولهم في البحرية محمد أحمد المتواجد بجدة, وعند وصولهم جدة على الفور أبلغوا هذا المسؤول بمكان وجود القارب منصور,وسرعان ما تحرك هذا المسؤول نحو الجهات المسؤولة في جدة يخبرهم بمكان وجود القارب منصور بعد احتجاز إدارة )قفندة( من كانوا على متنه وهم من جنودنا القادمين من عدن اليمنية, إلا أن الجهات المسؤولة في جدة كانت على علم من وجود محتجزين لدي إدارة (قنفدة) بأنهم مجموعة يمنية احتجزتهم بعد وجود أدوات تخريبية في حوزتهم, مع ذلك طلبوا من الأخ عثمان دندن أن يذهب بنفسه إلي )قنفدة( ويتأكد من هويتهم, وبالفعل حضر إلينا دندن في قنفدة الذي أطلعنا على أخر المستجدات في الساحة الإرترية من بينها الانقسام الداخلي لجيش التحرير الإرتري ومستقبلنا في هذه الجزيرة التي مكثنا فيها شهرا, وعاد في المساء إلي جدة بعد وعده بإفراجنا خلال الأربعة والعشرون ساعة من الآن.إلا أن السلطة طلبت من إدارة (القنفدة) نقلنا إلي جدة في سجن أخر يتبع للأمن العام السعودي لنقضي فيه أربعة شهور أخرى في سؤال وجواب حتى هذا كاد ينعدم في الشهور الأخيرة بدلا من إطلاق سراحنا ليختلف المكان في حين أن المسمى واحد,ونحن على هذه الحالة علمت السفارة الأثيوبية بوجودنا في السجن
كيف كان رد الفعل وماذا فعلتم ؟
بذل السفير الأثيوبي في السعودية حيينها جهود كبيرة حتى يتم تسليمنا له وقدم تبريرات للسعوديين بأننا نشكل خطر على الأمن السعودي وبأننا يساريين وكلام كثير عادة يصدر من الأعداء والغريب في الأمر الذي نقل إلينا نبأ الطلب الأثيوبي كان من المسؤولين في إدارة السجون وساعدنا في توصيل الرسالة الي ممثل الجبهة في السعودية وكانت قنوات الاتصال عن طريق فندق الحرمين الذي كان أحد نقاط الالتقاء لقيادة الجبهة وازدادت الأمور اكثر تعقيدا بعض سماعنا بسفر دندن الي القاهرة ولم يكن أمامنا سوى توصيل صوتنا الي المسؤولين السعوديين حيث قررنا أن نقوم بالإضراب عن الطعام وإستمرينا لمدة ثلاثة أيام وثم احضروا إلينا مسؤول الآمن السعودي الذي تحدث معنا وقدمنا له طلبات من أهمها الإفراج عننا ورفضنا لعملية التسليم الي إثيوبيا وقدمنا شرح لنضال الشعب الإرتري وتعاطف معنا المسؤول السعودي وطلب مننا تشكيل لجنة تطرح المشكلة الي المسؤولين السعوديين وفعلا قمنا بتشكيل لجنة ضمت كل من عبدالله سعيد, وسعيد صالح الذين تم نقلهم الي إدارة الآمن لمتابعة الأمر عن قرب وثم تراجعت عملية التسليم بعد وصول الأخ المناضل عثمان صالح سبي الى جدة وبدا بتحركات واسعة عبر السفارات المتعاطفة مع الثورة الإرترية قد لا يختلف الاثنين ان الراحل سبي كان واحد من ابرز معالم الثورة الإرترية لم يكرم التكريم الذي يليق به وبدوره في حياته ومماته ووصوله قلب الموازين أصبحنا اكثر ثباتا وقناعا بان السعوديين لن يسلموننا الي إثيوبيا وتدخل وزير الدفاع العراقي حرضان التريكي الذي طلب من الملك فيصل بالإفراج عنا وبعد خمسة أيام فقط من زيارة التريكي تم إفراجنا وأخبرنا بذلك الأخ المناضل عثمان دندن, وبعد الإفراج عبر قارب المنصور انتقلنا بحرا من المياه السعودية الي السودانية ومن ثم الإرترية ولابد الإشارة بأن القوات الخاصة البحرية الإرترية كانت تمتاز بالفهم العميق للبحر وهذا دليل الي فهم الإرتريين لبحورهم ولم يحدث يوما إن أخطأت القوات البحرية أهدافها أو طريقها والأخطاء النادرة التي حدثت معنا كانت نتيجة العطل الفني لان معظم الإمدادات والأسلحة في السنوات العجاف كانت تأتى عبر البحر وهذا يرجع الي الراحل سبي الذي أنش القوات البحرية منذ وقت مبكر ولعبت دور مهم في معركة حرب التحرير .
بعد العودة الي الميدان كيف وجدت الوضع ؟
الوضع كان سيئ والجبهة كانت مهددة بالانهيار والخلافات تطورت وكان لنا دور إيجابي رفضنا الخلافات دفعت الصين كنا ندعو الي توحيد الصف وان قادة المناطق لم يستطيعوا السيطرة على الوضع ورحيل عمر إيزاز ترك فراغا كبيرا وتعين المناضل محمد أدم خلفا له في القيادة, وبروز مراكز قوة في القيادة, وبدأت اتصالات وحوارات تطالب على وحدة الجيش خلصت بعقد مؤتمر تمهيدي في منطقة (أسمارذعداي) الذي تم فيه تكوين لجنة تقوم بالاتصالات المباشرة مع الوحدات في الثلاثية والمنطقة الأولى حتى يتم تحديد الزمان والمكان للمؤتمر القادم, ونحن في المنطقة الثانية عقدنا اجتماعنا في منطقة (حروياتات)في اتجاه هبروا وشرحت لنا اللجنة المكلفة بهذه المهمة بما توصلوا إليه في المؤتمر التمهيدي وتحديد العضوية المشاركة في المؤتمر العسكري القادم وفي هذا الخصوص تقدمت اللجنة بمقترح يقضي بمشاركة القيادة العسكرية فقط من كل وحدة وبعد العناصر من الجيش بالإضافة إلي الكوادر العسكرية والسياسية تحسبا لآي طارا في الميدان كي لا يحدث فراق, ولكن نحن رفضنا هذا المقترح وطلبنا بضرورة إشراك قيادة الفصائل وإضافة عدد من الكوادر التابعة لوحدة الثلاثية والمنطقة الأولى وأنا كنت ضمن المطالبين لهذه الفكرة , إلا أن اللجنة طلبت بعد وجود مقترحين بأن يكون الحسم بالتصويت وبالفعل صوتت له الأغلبية, إلا أننا كنا مصرين علي رفضنا لهذا المقترح الذي لا ينادي بالوحدة التي نطالب من أجلها وحسمه داخل المؤتمر العسكري بعد توجهنا الي مقر المؤتمر ولكن طلبت اللجنة حسمها في اجتماع لأعضاء المؤتمر وأعضاء المنطقة الأولى الذي اعتبرناه من جانبنا منطق غير سليم ومرفوضا جملة وتفصيلا وعليه توجهنا إلي المكان المقرر لانعقاد المؤتمر الذي حددت له منطقة أدوبحا.
وماذا حصل ؟
فوجئت بقرار القيادة باستبعادي من المؤتمر بحجة استلام الأسلحة وحاولت إقناعهم بأنني منتخب لحضور المؤتمر ومسالة استلام الأسلحة يمكن تأجيلها ولكن القيادة كانت مسرة علي قرارها بعدها مباشرة فهمت اللعبة أنها فقط تهدف لإبعادي من المؤتمر,وصراحة طلب مني ان أغادر مكان المؤتمر وكثير من أصدقائي نصحوني أن أغادر مكان المؤتمر وفعلا مع زميلي منصور توجهت إلي مدينة بورتسودان ، وانعقد المؤتمر وكانت بها جملة من الأخطاء أججت الأوضاع في الداخل وطورت من الخلاف وان الأساليب التي استخدمت في معايير المشاركة في المؤتمر وعدم مشاركة قادة المناطق ونوابها ومساعديها وقيادة هيئة التدريب كان خطأ وقرار جائر أما القرار الثاني كان خطأ تاريخي عندما تم انتخاب القيادة عن طريق التعيين وتم قتل اول تجربة ديمقراطية وكانت خطوة غير سليمة ونتائجها عانت منه الساحة الإرترية, صحيح كان هناك جانب إيجابي في اختيار قيادة شبابية ضمن القيادة الجديدة عملية خلط الجيش وتوزيعه من جديد في شكل وحدات وسرايا خلقت نوعية جديدة من الجيش ولكن هذا كله لم يشفع للقيادة بدليل قبل أن تخطو خطوة نحو الأمام حصل خلاف داخل القيادة العامة نفسها وهذا الخلاف أخذ طابعا جهوى. لدى بعض القيادة بحجة الأغلبية كانت تمثل أبناء سمهر وهذه بدوره شكلت مشكلة أخرى الناس في غن عنها لأنها جاءت باعتقال جماعي للقيادة لتزيد من حدة التوتر بينهما.بل اعتقالات شملت بصورة عشوائية بعض الأطراف وكانت لها آثار سلبية وأدت الي توسيع الفجوة .
أين تم توجيهك ما بعد المؤتمر؟
بعد المؤتمر مباشرة تم تكوين هيئة التدريب وهذه تعتبر أول هيئة أسست للتدريب في عهد القيادة العامة لأكون واحدا من هذه المجموعة التي كلفت للتدريب والتي تتكون من خمسة أفراد للهيئة وأول عمل قمنا به في الهيئة هو تجميع الفصائل والمجاميع واتجهنا بهم إلي منطقة (كرديبة) وهناك أسسنا معسكر وسميناه بمعسكر(عواتي) وبدان بتدريبهم ثم من بعدهم قادة الفصائل وأخيرا بالمجندين الجدد, إلا أن الجيش دخل في منعطف جديد بعد تمرد أسياس أفورقي وإعلان سلفي ناظنيت إرتريا وتوجه بها الي مرتفعات وثم أعلنت حركات أخرى تمردها على القيادة العامة .وبدأت مساعي قادها الدكتور الشهيد يحي جابر من أجل إعادة وحدة الصف وتقوية الجبهة وتجاوز الخلاف وعقد أول لقاء في منطقة عردايت ليمكث معنا يومين تقريبا وكان يحي شابا مثقفا ومشبعا بالمفاهيم الثورية التي استفدنا منها كثيرا في هذه الفترة القصيرة والتي ساهمت بدورها كثيرا في إنجاح مؤتمر عواتي العسكري الذي انعقد بعد تأزم الوضع في الساحة وخرجنا منه بتشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر الجامع الذي دعونا فيه حتى الفصائل المنشقة لإيجاد حل جمعهم في بوتقة واحدة , وبعد ثلاثة أشهر تقريبا اتجهنا إلي المؤتمر الوطني الذي شاركت فيه قاعد كبيرة من الداخل والخارج وعلي هذا الأساس لأول مرة تم إقرار البرنامج السياسي والتنظيمي بشكل واضح ومن ثم اتجهنا مباشرة بعد نهاية المؤتمر الي مواقعنا , أما أنا تم توجيه إلي منطقة (كرن) لأنضم إلي فرقة الفدائيين .
سمعنا انك مت وكتبت لك حياة جديدة ؟
نعم 12فبراير من عام 73 اعتبره يوم مماتي ويوم ميلادي في صباحية الجمعة في ذلك اليوم لاحظنا تحرك قوات إثيوبية كبيرة وبدأنا بتقسيم أنفسنا الي مجموعتين الأولى اتجهت عن طريق لانشا وارتكزت في جبل (أسمر أويت)وأنا ضمن المجموعة الثانية التي اتجهت عن طريق (قريش) الي (قدانا) ومع إرسال الشمس خيوط النور الأولي وكانت المواجهة الأولى في منطقة قلاس وشاتيرة لتقع معركة بيننا وبعدها حاولنا الصعود إلي الجبل حتي نرتكز هناك إلا أن العدو سبقنا إليه لنقع في كمين جاهز ولكن حاولنا مهاجمة القوة التي في أمامنا حتي تفتح لنا الطريق و في هذه اللحظة أصبت في يدي ورجلي معا وكان وقتها الأخ بخيت قريبا مني وحاول إنقاذي حتى لا أقع أسيرا لدى العدو ولكن سبق سيف العزل وعليه طلبت منه الفرار بجلده بعد أن سلمته سلاحي
وثم ماذا بعد؟
نتيجة نزيف الدم من يدي ورجلي اعتقد أنني فقدت الوعي وبعدها نقلوني من مكاني إلي الشارع الرئيسي الذي يؤدي إلي منطقة (فردغي) القريب من ساحة المعركة وبعدها لم أشعر بنفسي إلا وأن أسيرا لديهم عندما وجدت نفسي مكبل الرجلين في سرير المستشفي التابع للعدو في منطقة (فرتو) ويبدوا انهم اجروا لي بعض الإسعافات أعادت الي الوعي لكن تركوني أتألم وكان جزء من التعذيب بعد ثلاثة ساعات تقريبا جاءني إلي ثلاث أشخاص واحدا منهم القائد الكنولير (ولا) مسؤول من منطقة كرن أما الثاني كان يتحدث باللغة التجرينية أظنه إرتري وقاموا بتوجيه بعد الأسئلة منها هل تعرف الشيخ أحمد زائد ولكن قلت لا أعرف .
واستمرت رحلة الألم لمدة خمسة أيام دون علاج وثم تم نقلي بطائرة الهيلكوبتر إلي أسمرا حيث أدخلت المستشفي العسكري (ستانتأتو) وجمعني القدر أن أجد نفسي وسط ضباط الجيش الإثيوبي المجروحين برصاصات أبطال إرتريا وحيينها شعرت بعظمة الشعب الإرتري وان رسالتنا شاهدتها في المستشفي العسكري ونظراتهم كانت متفاوتة بين ساخط ومنتقد بين الفضول الذي يريد أن يتعرف علي الشفتة التي كان يقاتلها أصبحت الآن أمام أعينهم وكانت هناك أقاويل كثيرة لدي طور سروايت بأننا عرب وليسوا إرتريين وكثير من المزاعم التي كانت تروج وأنا من حضي أسبوع من المعاناة بشرتي و لوني اتجهت نحو الاسمرار والترحل في أودية وجبال إرتريا قد احدث تغيير في بشرتي وهذا ساعدني فيما بعد في السجن حتى من كانوا يعرفوني في كرن قد شكوا في إذا أنا أم غيري .
ولكن كيف كانت نظرة الأطباء إليك
اعتقد أن ربي أكرمني لأنني كنت صاحب قضية حيث كان في المستشفي طبيبين أحدهما أثيوبي والثاني يوغسلافي ومن حسن حظي في ذلك اليوم الذي وصلت فيه المستشفي كان المناوب الطبيب اليوغسلافي الذي تولى عملية الكشف الطبي وكان لهذا الطبيب البعد الإنساني أكرمني بقطعة لباس أغطي به عورتي بعد أن تمزقت ملابسي وكنت عاري الصدر حيث لم يتبقى من لبسي سوى السروال ،وفي اليوم الثاني ابلغني الدكتور بقرار إجراء عملية جراحية وقال لي هل أنت جاهز غدا قلت له نعم اليوم قبل الغد لآن الألم يشتد يوما بعض يوم وفي اليوم الثالث طلب إحضاري في غرفة العمليات وأجرا لي عملية التي شعرت بعدها براحة تامة, وفي اليوم الرابع بدا التحقيق معي الذي قاده (حلقي براهني) وهو من الاستخبارات وتركزت أسئلته عن الدول الداعمة للثورة واللجان الداعمة للثورة من الداخل واقتصرت الكلام أنا جندي مقاتل وحديث العهد لا اعلم بأي نشاط تقوم بها الثورة في الداخل والخارج أنا مهمتي حمل البندقية وكما ترى وقعت أسيرا ولاحظت أن الرجل بدأ يتعاطف معي وقال لي انك محظوظ حيث كتب لك عمر جديد وأنا مستعد مساعدتك لعلاجك في أسمرا حتى في أمريكا إذا تجاوبت معي ولكن كان ردي دوما لا أعرف أما إذا رفضت فلنا أسلوب أخر نستطيع عبره أن تخبرنا بكل ما تعرف هكذا قالها بالحرف الواحد وخرج ,
وماذا حدث بعد ذالك ؟
في اليوم الثاني حدثت كارثة حيث حضر المحقق ومعه صور كثيرة أغلبها كانت لي مع المجموعة في الصين وأخرى في عدن اليمنية وكان واضعا في صوري علامة (x ) وبدا يسألني منها واحدة تلو الأخرى هذه لمن وأين هم الآن وكان مركز دائما علي صورتي وصور المناضل سعيد صالح وأحمد إبراهيم, وحجاج إباي, وصلاح الدين بعد إحضار الصور لم يكن أمامي سوى الدفاع وقلت له هؤلاء نعم اعرفهم لكن منذ فترة طويلة تفرقنا في الأدغال وليس لي علم من منهم ميت ومن منهم حي وثم تدخل قال عدد منهم قد وقعوا مثلك في الأسر والبقية تم تصفيتها ، الجبهة خلال الشهور القادمة لن يكون لها اثر وليس أمامك خيار أما تتعاون معنا أو تموت فابتسمت وقلت له نحن ولدنا لنموت ونحن أصحاب قضية وليس افضل أن تتفاهموا مع شعبنا ونحل المشكلة وحيينها فقد المحقق أعصابه وانهال علي بالضرب وتدخل الممرضات و أوقفوه وبسرعة خرج وقال قوي قوى أي ستري سترى .
ماذا فعل بعد ان أغضبته ؟
بعد أسبوع تم نقلي الي السجن الموجود في منطقة (فورت) في اسمرا في زنزانة انفرادية الداخل فيها ميت والخارج منها محظوظ و 21 يوم قضيتها في غرفة مترx متر تحت الأرض وفي برد اسمرا كل شوي حمام بارد وفي إطار التعذيب عدم النوم بجانب الآلام الجرح الذي لم يلتئم في رجلي ويدي وحالتي هي حالة الآلاف من أبناء هذا الوطن الذين تحملوا عذاب يعجز اللسان عن وصفه , كما هو جميل عندما نتحدث عنه اليوم وحقيقة جييلنا جيل المعاناة الذي تحدى اكثر الأنظمة تخلفا كانت تمارس أنواع التعذيب قد يصعب الإنسان أن يصدقه وتكمن مأساتنا أن بعض الذين كانوا معنا في السجن إبان معارك حرب التحرير قد تم سجنهم في عهد الاستقلال واذكر على سبيل المثال لا الحصر احمد شيخ فرس وهيلي ود تنسائي .
حتى لا نخرج من الموضوع دعنا نعود الي زنزانتك الفردية ؟
بدأ أسلوب جديد في التعذيب ومارسوا الضرب وتقليص وجبة الأكل الي وجبة وحدة , طبعا الرجل الذي وجه الي اللكمات في المستشفي تولي التحقيق وفيما بد عرفت انه يسمى نفيه ملك الموت , أسبوع ضرب بكل أنواعه وكانت هي المرحلة الأخيرة في التعذيب لانتزاع الاعترافات وفشلوا في استنطاقي بكلمة يستفيدون منها وبعد ذلك أحضروا شخصية جديدة في جواري يتقاسمن المعانات وقد شكيت حتى لا يكون شخص مدسوس من المخابرات وان كنت قد لمحته للدقائق التي نطل بها أترأسنا لتقبل وجبة الأكل بأنه شخص تظهر علامات النعمة وأول أصوات اسمعها منذ ثلاثة أسابيع في السجن .وبصوت عالي يطالب بأن يعطى الماء حتى يتوضأ ويقول يا ناس اليوم الجمعة ولاحظت وجود فتحة يصلني منها صوته وقلت له يا رجل في هذا المكان لا يعطوا الماء حتى لسد الرمق اصبر واصمد وتيمم وأقم الصلاة وارفع صوتك وسأصلي معك صلاة الجماعة عسى ربنا يجعل لنا مخرجا ويضئ لنا هذه الغرفة المظلمة ودعوته أن لا يرفع صوته حتى لا يأتوا ويعاقبوك إذا صرخت أكثر من هذا .
ثم كيف واصلت مع جارك الجديد ؟
يبدوا أن الذين سبقونا في الزنزانات صنعوا المعجزات حيث فتحوا ثقوب كبيرة بين الزنازين وفي الليل يتم تمرير كل المعلومات الي الزنازين الانفرادية وأنا بحثت عن الأماكن التي يأتينا منها الصوت ثم قلت "هوي سامع " نعم نعم سامعك قلت له أنا جارك أنا جارك وقلت له من أنت وبعد سكوته لفترة ليست بقصيرة بدأت أصله من أنت ومن أين جاءوا بك هنا إلا أنه رد علي قائلا أنا من أبناء كرن واسمي محمد موسى جابوني من مدينة تسني التي وصلتها قادما من القاهرة في إجازة سنوية من الدراسة وبعد تفتيشي وجدوا معي بطاقة الاتحاد العام لطلاب الإرتريين بالقاهرة اعتبروها جريمة وتم حبسي في سجن تسني حتى أخرجني منهم العم ياقوت بضمانته ، وكان يتحدث بحسرة تم اعتقالي للمرة الثانية قبل أن اصل أهلي في كرن وهاء أنا اقضي إجازتي في هذه الزنزانة الملعونة , ومن خلال كلامه شعرت انه شاب وانفعالاته كانت قوية وتعاطفت معه وهو فعلا بريء ولكن هكذا تعامل المحتلين لا يميز بين الناس فهم يستعدون كل من ينتمي الي إرتريا
لقد عرفت محمد موسى قاضي لآن أبوه كان معروف في مدينة كرن ، وازداد تعاطفي معه وقلت هذا الشبل من ذاك الأسد ,بدأت أتحدث معه بصراحة اكثر ونشأت بيننا علاقات متينة وكنا دائما نلتقي عندما يسمح لنا بالخروج الي الحمام وفي بعض المرات للتشمس .
وتعرض محمد للتحقيق والضرب والتعذيب والأسئلة التي وجهت له علاقات الطلبة بالجبهة وعن الزعماء الإرتريين في مصر .
وعانى محمد من التعذيب حتى أغمى عليه ولم يتحمل , وذات يوم حاول الهروب ولكنه القي القبض عليه وزادوا العيار في تعذيبه اكثر حتى تركوه جثة هامدة أمام زنزانته .
كيف كانت محاولة الهروب والنجاة من الموت ؟
فكرة الهروب كانت دائما تراودني ولكنني لم أتمكن من تنفيذها وان محاولة هروب محمد لفتت نظري الي القوى الكبيرة التي تحرس السجن بعد عملية إطلاق النار امتلأ بعد قليل السجن بالعربات العسكرية واستبعدت فكرة الخروج وكنت قد فكرت في أن انفذ عملية الهروب بالعربات التي تأتي بالتموين ونحن نقوم بتفريغها ونجحت كذا عملية للهروب ولكن تم نقلي برا الي كرن والأخ محمد وسط حراسة مشددة وبدأت أعيد بعد خروجنا من اسمرا شريط الذكريات وبصورة مفاجئة أنزلوني من العربة التي كنت في داخلها لدواعي أمنية الي عربة جيب التي بها ضابط وحدثت كارثة إنسانية في منطقة (عدي تكلزان ) في طريق أسمرا كرن، عندما انقلبت الشاحنة التي كنت قد نقلت منها قبل قليل ومات جميع من كانوا فيها، وأنا كانسان كنت متأسف للحادث المأساوي وللمرة الثانية كتب الله لي عمر جديد ونجوت من موت مؤكد قبل أن يفيق من الصدمة وجدت نفسي في مدينة كرن للمرة الثانية.
حيث نقلت الي سجن فرتو وبدأت رحلة العذاب وكانت كل أمنيتي أن لا يتعرف علي أحد حتى لا اسبب معاناة لأسرتي أخواني الصغار ووالدتي والأصدقاء والأحباء وقبلت بالقدر، وتذكرت المثل العربي (المكتوب على الجبين لازم تشوفوا العين) وسلمت أمري لله وقلت في نفسي يبدوا ان كرن التي شهدت ميلادي واعتقالي يبدوا أنها ستشهد مماتي .وسلمت أمري لرب العالمين .
*- كيف كان الإستقبال في سجن كرن ؟
في البداية للذين استقبلوني في السجن قلت لهم اسمي محمد ومن منطقة "حليب منتل" واتهمت بالتعاون مع الجبهة، وكنت أقوم بالاحتياطات حتى لا يكون في داخلهم جاسوسا ورد علي أحدهم نحن مثلك يا أخي أيضا اتهمونا بمساعدة الثوار ومدهم بالمعلومات إلا أن ذلك الصوت الآخر لم يكن قريبا عندي وسرعان ما خمنته وسألته علي الفور أنت أحمد شيخ زائد إلا أنه سكت قليلا وقال نعم أنا أحمد ولكن لم أعرفك من اسمك وبعد هدوء نسبي بدأت أتحرك نحوه بعد أن حددت موقعه إلي أن وصلته وأخبرته أنا عبد الله سعيد علاج لكن حذار ألا تناديني بعبد الله في هذا المكان لآني عرفت نفسي (بمحمد) وفي صباح اليوم الثاني الذي صادف الأحد وهو يوم عطلة رسمية أيضا تعرفت علي ذلك الشخص الذي كان يحدثني في الليل مع أحمد شيخ زائد وهو عمر مسلم ووجدت بجانبه أيضا في الصباح الأخ (كبريت) من أبناء كيلوا عشرة الذي تم اعتقاله بعد قتل أحد أبناء عمومته، أما البقية فكانت تهمتهم سياسية وكنت أشاهد دوما يركزون علي عمر مسلم ويعاقبونه باستمرار حتى أحدثوا له كسر في يده اليمنى ,إلا أن عمر مسلم بدأ يسألني عن عبدالله سعيد علاج قائلا هو من أبناء كرن سمعنا عن أسره في الحرب ولكن لا نعرف عنه شيء حتى هذه اللحظة, ولكن قلت له علي الفور أعرفه بعد ما ذكرت له أوصافه إلا أنه لا يعرفنا بل سمع عني فقط , وفي صباح اليوم الثاني حضر شخصان أحدهما ذلك النفر الذي كان يتحدث باللغة التجرينية والذي كنت أظنه دائما من حديثه أنه إرتري الجنسية وبرفقته زميله الأثيوبي بزيه العسكري إلا أن الأول احمر وجه عند ما وجدني وسط هؤلاء السجناء إلا أن الأثيوبي رد عليه بالتجرينية ( شقر يلم) وتعني ما في مشكلة.
وكان مقرر لنا الخروج إلي الحمامات كل شخصين مع بعد وعليه اتفقت مع الأخ أحمد شيخ زائد علي أن أكون معه أنا وعمر مسلم ليكون بدوره مع كبريت حتى أجد حريتي في الحديث معه,وكان أحمد قد تمكن من التعرف علي أحد الحراس (السر حلقا) من خلال معاملته له حتى كان يأتيه بالرسائل من السوق بعد ما وصف له أحمد مكان وجود أحد أصحابه عبده صاحب حانوت في ذلك السوق, وفي اليوم الرابع خرجت جثة مجهولة الهوية من المستشفي القريب من السجن الذي نحن فيه لينتشر الخبر في أرجاء مدينة كرن بوفاة عبدالله سعيد حتى وصل الخبر القيادة في الميدان وخارج الميدان, ولكن سرعان ما بادرت بإرسال رسالة عن طريق هذا الحرس ليوصلها إلي الأخ عبده بعد أن وضحت له مكاني تواجدي ليبلغ بدوره بأي وسيلة القيادة بهذا الخبر مع نفي موتي بها, وبعدها قررنا أن نخرج من السجن أنا وأحمد بطريقة هذا الحرس وصلتنا دفعة جديدة من السجناء وهي لجنة مدينة كرن التي أعرفها جيدا إلا أنهم لم يستطيعوا من التعرف علي بسبب التغيرات علي شكلي, هكذا مر شهرا بأكمله دون أن يعرفني أحد ولكن بعد يوم أو يومين حضرت إلينا إدارة السجن بقرار إعادتي إلي أسمرا ضمن مجموعة وفي هذه اللحظة ذكرت اسمي كاملا لتصبح مفاجأة لدى الجميع بالذات الأخ عمر مسلم الذي سألني عن عبدالله فور وصولي عندهم مما جعل ينظر لي بنظرة شديدة دون أن يتحدث بكلمة, أما أنا لم يبقى لي سوى تمنياتي أن تبتلعني الأرض قبل أن يتحدث عمر بكلمة واحدة بعد ما عرف الحقيقة ولكن بعدها تمالكت أعصابي وذكرت لهم السبب الذي لم أتمكن فيه من تمليكهم الحقيقة حتى بعد ما سألني عمر مسلم وعليه تفهم الجميع وتقبلوا عذري حتى غادرتها اليوم الثاني إلي أسمرا في عربة الجيش التي مرت بسوق كرن الذي بدأت ألاحظ فيه أثناء مرورا حتى أتمكن من التعرف علي أحد في الطرقات التي بدأت العربة تمر بها من (شييتا) و(جيرافيوري) إلا أني شاهدت واحدا أعرفه عند ما وصلنا (بارموريوت) وكان هذا الشخص هو (صالح فلآت) وبعدها لم أشاهد أحدا حتى وصلنا مدينة أسمرا إلي نفس السجن ونفس الزنزانة، إلا هذه المرة فقط وجدتها مليئة من السجناء الذين زجهم العدو ومن بينهم كان العم (بلاتا جابر) والجديد أيضا هذه المرة عزلي في زنزانة منفردة وبعيدة عن الزنزانات الأخرى وبعد ساعة تقريبا وصلني عدد كبير من الحراس الذين كانوا متواجدين أثناء مغادرتي من هذا السجن ليسلونني كيف نجيت من الحادث الذي أودى بحيات عدد كبير من الجنود وحاملينا معهم الشاي والقراريص ولكن بعد يومين بالتحديد انتهزت هذه الفرصة وبدأت أسلهم عن السجين الطالب محمد الذي كان معي في هذا السجن وأخبروني علي الفور بأنه موجود في تلك المجموعة التي شاهدتها في الزنزانة الأولى ولكن عندما شاهدته لم أتمكن من التعرف عليه بعد التغير الذي حدث عليه من الثياب البالية والقديمة بعد ما كنت شبهته في اليوم الأول الذي وصل فيه السجن بأحد تجار أسمرا من ثيابه الفاخرة, وبعد ستة أيام تقريبا تم تقديمي إلي المحكمة العسكرية بعد ما حددوا لي محامي من الضباط المتواجدين في المحكمة.
*- حدثنا عن وقائع الجلسات في المحكمة ؟
- وجهت إلي تهمة الانتماء إلى تنظيم محظور وقدمت الأدلة من قبل المدعي العام وتم أسري متلبساً في المعركة وجريح ولم يكن أمامي سوى أن أقول نعم كنت جندي عادي ولكن لم يتم أسري بحوزتي قطعة سلاح، وأدلى جندي من الجيش الإثيوبي شارك في المعركة بشهادته وأكد اتهامات المدعي بأنني كنت أحارب وشاركت وأسرت فيها
وطالب الشاهد والمدعي بإصدار حكم الإعدام وثم أصدر القاضي قراره نظراً لصغر سنه حكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد. وأثناء خروجي من قاعة المحكمة سألوني عن رأي في الحكم وقلت لهم ليس لي رأى في ذلك وبعدها توجهوا بي هذه المرة إلي سجن (سنبل) وهو السجن المركزي الذي ينقل فيه بعد صدور الحكم على أي سجين،
ووجدت الوضع هنا فيه نوع من الانضباط من الناحية الأمنية وخصصت لي غرفة في العنبر الخامس لأنها الغرفة الوحيدة التي بها أعداد كبيرة من السياسيين والجنود الإرتريين حتى أصبح العدد الكلي بعد انضمام إليه أربعون شخص، وهنا بعد دخولي بقليل شعرت بالراحة والاطمئنان عند ما وجدت أشخاص أعرفهم من قبل وعلي رأسهم المناضل عافه محمد إدريس , وإبراهيم سعيد, وعثمان حسبوا, وهيلي تنسائي "دروع" والقائمة طويلة لا تسعفني الذاكرة لذكر أسمائهم جميعا, وكان هذا السجن يتكون من ستة عنابر بالإضافة للجناح السابع والمخصص للمحكوم عليهم بالإعدام وكنت أكثر انسجاما من غيري ببعض العناصر المدنية بالإضافة للجنود ومن بينهم أتذكر لك العم عبدالله يوسف( الصائغ) ومحمود سبي وأحمد فرس وهؤلاء أغلبهم من أبناء مصوع, في الحقيقة كنت أكثر الناس حظا عند ما عملت علاقة مع بعد الحراس من بينهم عبدالله وصالح سعد الذين كانوا يأتونني بأخبار الوضع السياسي في الساحة وأيضا لا يمكن أنسي دور تلك المرأة الحديدية عرفات سعد زوجة محمود "حنقل" التي كانت تمدنا في السجن بالأكل والمشروبات كل يوم السبت المخصص للزيارة وهذه الزيارة كانت لها دوافع معنوية وحسية في داخلنا, أتذكر ذات مرة من الأخبار التي وصلتنا عبر أحد هؤلاء الحراس كانت إسقاط الطائرة الأمريكية التي أسقطتها القوات الإرترية التي كانت تقل جنود أمريكيين وأثيوبيين دون أن يصب أحد منهم بأذى, وفي هذه الفترة أيضا كانت تصلنا بعد المعلومات عن بوادر التغييرات في حكم هيلي سلاسي بأثيوبيا ولكن أيضا بدأت جبهة التحرير في تحركات تهدف إلي تبادل الأسرى مع المسؤولين في القوات الأثيوبية مقابل الطائرة بمن فيها من الأسرى الأميركيين والأثيوبيين لديهم, وفي أحد أيام السبت التي تصلنا فيه الأخت عرفات أحضرت رسالة مع الأكل، وكانت تعملها بطريقة بالغة التعقيد من الصعب اكتشافها، وطلبت من الحراس بحضوري لاستلامها ولكن في ذلك اليوم من سو حظنا كان الحرس قد تغير في البوابة ليقوم هذا الجديد بتفتيش السلطانية حتى وجد بداخلها رسالة التي أوقفت عرفات في الباب حتى ينظر في أمرها القائد المشرف علي السجن بعد أن قام بتسليمها هذا الحارس إلي نائب السجن المتواجد في ذلك اليوم وهو خليفة علي (إرتري الجنسية) الذي طلب بإحضار الأخت عرفات التي قام بتهديدها وطردها بعد أن قال لها نحن نعرف كيف الحصول عليك متى ما احتجنا في ذلك, وبعدها طلب في إحضاري مباشرة إلا أن في هذه اللحظة وصل رئيس السجن (تخلاي هيماني)ليتولى مهمتي بعد أن أبلغه النائب بسبب تواجدي في المكتب وهو إرتري الجنسية أيضا وقام بتهديدي أمام هذا الحارس ووعدني بأن أنال أشد العقاب لما أقوم به من الحصول علي المعلومات من طرف عرفات التي ستنال هي أيضا من العقاب حتى لا تكرر فعلتها هذه وطلب بعدها من الحرس إعادتي إلي زنزانتي , ولكن يبدو لي قد أنها المسؤولان هذه المشكلة في ما بينهم بدليل أنهم لم يطلبوني أنا ولا عرفات بعد ذلك. ورئيس السجن ونائبه كانوا وطنيين وفي النهاية أشرفوا على إخراجنا من السجن.
*- كيف وصل النبأ إلى أسرتك؟
بعد فترة من التعتيم وصل الخبر إلى والدي الذي كان لاجئ في السودان بوقوعي أسيرا لدى العدو ومن ثم معتقل معهم في السجن بأسمرا بعد أن علم ذلك من الكلولنير علي فرج في أسمرا الذي علم بدوره من عرفات سعد ليصل علي الفور إلي أسمرا ويتصل بالعم علي فرج الذي قام باتصاله للمسؤولين في السجن طالبا منهم السماح لوالدي بمقابلتي وبالفعل قابلت والدي الذي خفت عليه كثيرا عند ما وجدته أمامي لأني بدأت أعيد شريط الذكريات للوراء قليلا زمن اعتقاله وهروبه من السجن لكي لا يعيدوه مرة أخرى في المعتقل بعد أن جاءهم بنفسه حتى عندهم وبسبب هذه وتلك لم أسطع بسوائله عن الآهل والأحباب هناك, ولكن بحمد الله وشكره عاد سالم من السجن والبلاد ليعود إلي السودان سليما دون أن يسأله أحدا في طريق عودته إلي أن وصل بيته. وكانت تلك اللحظات صعبة جداً أن أجدد نفسي مقيداً وأن أحمل والدي معاناة ومخاطر وازداد قلقي في طريقة العودة إلى السودان.
*- كيف كنتم تتابعون الوضع السياسي داخل السجن؟
- وجدنا قنوات واسعة للمتابعة في السجن المركزي وحقيقة كان هناك شخصيات وطنية عاملة في البوليس، بالإضافة إلي الجديد من التحول في إثيوبيا بعد أن مسك الحكم في أثيوبيا ( أمان عندوم) وسقوط نظام هيلي سلاسي شهد خلالها السجن سياسة غير مسبوقة، وارتفعت نسبة التفاؤل لإطلاق سراحنا بعملية التبادل مع الأمريكان المعتقلين لدى الجبهة، وكان عندوم قد تعهد بإطلاق المعتقلين السياسيين
- ونحن كنا مجموعة كبيرة من الجنود التابعين للتنظيمات السياسية في الساحة في تلك الوقت وأذكر منهم جنود قوات التحرير الشعبية علي رأسهم ( المناضل هيلى دروع) الذي قام بجمع مجموعته في داخل الزنزانة ليطرح عليهم مقترح العفو العام ويقوم بعدها بتقديم الورقة التي تحمل توقيعاتهم إلي إدارة السجن حسب ما قاله رئيس الوزراء الأثيوبي أثناء زيارته لنا في السجن , أما نحن رفضنا تماما مقترح العفو العام الذي يؤيدونه الجنود التابعين لقوات التحرير الشعبية لأننا ليسو مذنبين بل نحن أسرى حرب فقط وهم أيضا يمنون بذلك ويقرون في حديثه المتكرر في المناسبات بأن إرتريا مظلومة من قبل الحكومة الإثيوبية, مما جعلنا بعد ذلك أن ننقسم داخل السجن إلي مجموعتين وحتى بعد استلامهم للمذكرة طلب منا المسؤول في السجن بأن نحضر إليه في مكتبه ويعرف سبب رفضنا لطلب العفو الذي تقدموا بها السجناء, وكان عددن كبير أكبر من قوات التحرير الشعبية، وطالبتنا بأن يطلق سراحنا كسجناء سياسيين، وتقدمنا ببعض المطالب، ويحضروا لنا الجرائد اليومية حتى نتعرف علي ما يجرى في البلاد من الأحداث والسماح لنا أيضا بكتابة تعليقاتنا عن الأوضاع في المنطقة, إلا أن العفو لم يحصل لقوات التحرير الشعبية لان القائد الذي كان وعدهم بالعفو قد تغير ليأتي من بعده (ولدهيمانوت) الذي كانت تتهمه القوات الإثيوبية بالمتعاطف مع الإرتريين ليكون مسؤولا عن السجن بعده، وكان بهذا السجن غرابة الـ 20 ألف سجين من سياسي إلي أسرى حرب من الجنود, ووجود هذا القائد في إدارة السجن قد غير من حالنا حتى في طريقة معاملة الحراس للسجناء, بل بدأت اتصالات سرية بين الجبهة ورئيس السجن نتج عنه إلى عملية إفراج عن المعتقلين وتحول الحلم إلى الحقيقية، وكان من طرف الجبهة المناضل (شنبل) هو الذي يلتقي بهذا القائد وينسق معه عملية الإفراج في سجننا هذا وسجن (عدي خولا), وفي يوم 12/2/1975 تمكن الفدائيون الأرتريين بقيادة المناضل الشهيد سعيد صالح من اقتحام سجن (عدي خولا) وإخراج السجناء منه بموجب الاتفاقية فيما بينهم وبين القائد ولد هيما نوت إلا أن في سجن سنبل حصل خطا في عملية الترتيب والزمن بعد أن خطط من قبل الفدائيين في زمن واحد لسجني عدي خولا وسنبل لذلك لم يتمكنوا من إخراجنا في ذلك اليوم لتصل تعزيزات من قبل القوات الأثيوبية إلي سجن سنبل برفقة عدد كبير من الضباط تحسبا لوقوع حدث مماثل في سجن سنبل من قبل الفدائيين الإرتريين نسبة لوجود عدد كبير من السجناء التابعين للجيش الإرتري في هذا السجن, ولكن القائد ولد هيما نوت طمئنهم علي اختلاف هذا السجن من سجن عدي خولا بأنه تتواجد فيه أعداد كبيرة من الحراس, بالإضافة للحشود الكبيرة من الجنود الذين يقومون بحفر الآبار في المناطق المجاورة للسجن بعد دفن الآبار القديمة بسبب تسمم الجنود منها لآن أقلب الضباط كانوا من قبل يشربون منها وهذا الحشود أيضا ستساعد في عملية الحراسة حول السجن,حتى المسؤولين الكبار أكدوا أن الفدائيين لا يمكن أن يقتحموا لإطلاق سراح هؤلاء السجناء وبعدها رجعوا إلي أماكنهم, ولكن سرعان ما بادر ولد هيما نوت بتغير الحراس الذين يمكن أن يشكل عقبة في الخطة بحراس أكثر وطنية وولاء له, حتى يستطيع تنفيذ عمليته وتمت العملية التي تعتبر من أخطر العلميات من نوعها في مسيرة الثورة بالتنسيق مع فدائي الجبهة في تمام الساعة السادسة مساء خرجنا من العنابر ومعنا أمتعتنا بالاتجاه المعاكس للباب الرئيسي حيث توجد السنتريلا لنضع فيها أمتعتنا إلي حين تأتينا إشارة جديدة, وفي الجانب الأمامي قام القائد (ولد هيما نوت) باستقلال العربة المخصصة لشرطة التأمينات للهيئات الدبلوماسية في ترحيل المعوقين فيها بالإضافة إلي الأسلحة التي كانت في السجن لتخرج بهم من الباب الرئيسي أمام الحراس الأثيوبيين المرابطين في البوابة لتتجه بهم نحو السوق الكبير للمنطقة ومنها إلي اتجاه مقر تواجد( هزقي) أما نحن خرجن من أمام السنتريلا حيث تواجدنا في الاتجاه المعاكس ليقوموا باستقبالنا جنود من جبهة التحرير الإرترية حسب الاتفاق السابق ليتوجهوا بنا إلي المكان المتفق عليه بعد وقوع معركة وهمية بين قواتنا في ما بينها حتى ينشغل الحراس ومن حولها من الجنود المرابطين أمام السجن وقبلها بنصف ساعة تحرك أحد الجواسيس المزروعة وسط السجناء داخل الزنزانات ليقوم بتبليغ طورسراويت المرابطين خارج السجن إلا أنهم أردوه قتيل متخيلين أحد الهاربين من السجن وعند وصولهم إليه تعرفوا عليه ليقوم باستنفار سريع داخل السجن وخارجه إلا أنهم وجدوا السجن خاليا من السجناء جميعا مما أدهش الكثيرين منهم, ووصلنا بعدها عند أحد المواطنين المتعاطفين مع الجبهة وهو المناضل (هزقي) ليستضيفنا ليلته بكرم لا يوصف, وفي الصباح الباكر جمعتنا القيادة التي أشرفت في إطلاق سراحنا برئاسة (حري تلابايرو) الذي كان وقتها نائب الرئيس والشهيد المناضل عبد القادر رمضان المخطط لهذه العملية ومهم المناضل (توتييل) ليتحدث في الاجتماع حروي قائلا هنئيا لكم هذه الحرية وبعده توجه بكلمة خص بها المعتقلين التابعين لقوات التحرير الشعبية أنتم الآن يمكن أن تذهبوا إلي حزبكم دون أي شروط بعد أن أطلقناكم من السجن مع إخوانكم حتى لا يظن أحد في إطلاقكم مأربا أخرى وفي نهاية اللقاء عين بنفسه ثلاثة جنود ليقوموا بتوصيلهم إلي مقر قوات التحرير الشعبية, ليطلب مني وزميلي عمر محمد بأن نذهب برفقة القائد ولد هيما نوت ونائبه علي خليفة في إدارة السجن إلي السودان لمقابلة القيادة هناك, وبالفعل تحركنا عبر طريق المنصورة المحاذية بجبل حماسيين ومنها إلي منطقة (حشحش) التي وجدنا فيها القيادة الميدانية برئاسة الشهيد إدريس محمد أدم ومعه مجموعة من أعضاء المجلس ليرحبوا بنا ترحيبا يعجز اللسان عن وصفه وبعدها أخبرناهم بالأخوة ودورهم البارز في إطلاق سراحنا وما قدموه لنا من معاملة داخل السجن ليعانقوهم بعد ما أثنوا عليهم دورهم المتميز الفعال في إطلاق سراح إخوانهم من سجن العدو ليسمحوا لنا بعدها مغادرة المنطقة إلي مدينة كسلا السودانية لننزل في طريقنا بمنطقة (رده) التي بها جيش كبير بالإضافة للمجندين الجدد الذين يتم تدريبهم هناك وأذكر منهم المناضل حسن بشير, ومحمود حسن الذي قابلنا بتحية عسكرية وبعدها ليعانقنا واحدا تلو الأخر
وقاموا بإكرامنا وتوجهنا إلي كسلا، حيث استقبلنا فيها بحفاوة بالغة يعجز الإنسان وصفها.
*- ولكن لم تحدثنا سبب تخلف سعيد حسين من الخروج معكم ؟
بالتحديد عندما كنا في العنبر الخامس وصل إلينا من أديس أبابا المناضل الشهيد سعيد حسن لينضم إلينا في السجن الذي وللمعلومة سعيد تم اعتقاله في العملية الفدائية للجيش التحرير الإرتري لسجن (ألم بقا) وكان سعيد في الأيام الأخيرة من إطلاقي سراحنا بالطريقة التي تمت بها العملية في حديثي لك ضمن اللقاء مريضا ومعه أيضا المناضل (قبرهيوت) ليتم تحويلهم إلي المستشفي التي مكثوا بها حتى خروجنا من السجن مما جعلني أتأثر كثيرا من عدم خروجهم معنا, إلا أن الجبهة استطاعت إخراجهم من المستشفي بواسطة أفراد من الجنود تسللوا ليلا لاختطافهم من المستشفي لتكتمل فرحتنا بقدوم الأخويين ويعودوا سالمين إلي مواقعهم في الميدان.
*- اكتملت الأفراح وبدأ المؤتمر الثاني؟
- نعم المؤتمر الثاني أتى بعد انتصارات كبرى وتحولات هامة في إثيوبيا، وكانت الجبهة قد أحدثت نقلة في برامجها السياسية والاجتماعية، وتعرض المؤتمر للهجوم لنفقد فيها المناضل عثمان حنطا لينال شرف الشهادة وبعدها تم استبدال الموقع ليواصل المؤتمرون جلستهم في جو سادته الهدن لحد ما ويعتبر هذا المؤتمر أجيزت فيه المسودتين التنظيمية والسياسية بالإجماع إذا قارناها بالمؤتمر الأول ليخرج المؤتمرون باختيار المجلس الثوري من داخل القيادة التي انبثقت منه اللجنة التنفيذية.
· أين تم توجيهك بعد المؤتمر؟
تم توجيهي بعد المؤتمر إلي بغداد ضمن إدارة المكتب وعملت بها ممثل العلاقات الخارجية، وتوليت مناصب عديدة في إطار التكليف بالمهمة. ونقلت إلى سوريا، وثم استدعيت إلى الميدان وتم تعييني في هيئة التدريب إلي أن وقعت معركة بيننا وبين الجبهة الشعبية المدعومة من قوات جبهة التحرير لشعب تجراي التي دخلت جبهة التحرير الإرترية علي أثرها السودان لتجد حشود كبيرة من القوات السودانية التي طلبت من الجبهة بتسليم السلاح دون أي مقاومة حتى لا يتأذى أي من الجانبين وهذه كانت أول رد فعل من قبل حكومة جعفر نميرى في السودان التي سبقتنا إليه قوات التحرير الشعبية وهذه كانت واحدة من المؤامرات الخارجية ضد الجبهة بالإضافة للمؤامرة الداخلية التي قامت به الجبهة الشعبية بتحالفها مع المعارضة الإثيوبية لإبعاد الجبهة من الساحة السياسية كليا ليحصل الانكسار الكبير للجبهة وهذا يقودنا إلي سؤال مهم وهو.
*- إنكسارات وانتصارات الجبهة؟
- حقيقة الكثيرين يتساءلون بسبب الانهيار الذي حصل في الجبهة البعض حتى الآن لم يصدق والبعض الأخر تتملكه الحيرة. نعم كانت هناك مؤامرة داخلية قادتها الجبهة الشعبية وإقليمية شاركت فيها أجهزة مخابرات عربية وأجنبية، وتولى نظام نميري بتنظيمها وعسكرياً الجبهة الشعبية وجبهة تجراي نفذوا إبعاد الجبهة من الداخل ولكن المسئولية الحقيقية على قيادة الجبهة التي لعبت دور رئيسي في تفتيت الجبهة من الداخل وإن القيادات كان دورها سلبي، واعتقد نحن في حاجة إلى الوقوف مع الذات لتقيم تجريبة انهيار الجبهة لأن المسئولية أصبحت في ذمة التاريخ ويجب تقييم التجربة صحيح الجبهة حصلت لها انتكاسة وهزيمة بسبب المؤامرات الداخلية والخارجية التي يمكن أن نلخصها في المعسكرين معسكر يضم الدول الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي ومعسكر الدول الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وهذا الخيرة كانت معروفا عالميا بدعمه للدول الاستعمارية التي يمارس فيها قادتها الدكتاتورية تجاه الثورات التحررية المقاومة للاستعمار, أما المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي كان غير واضح في تعاملها مع الحركات التحررية إلا أنه كان يدعمها بطريقة أو بأخرى لتخلص شعوبها من المستعمر ودكتاتورية القيادة الأحادية الجانب في العالم ,أيضا للدول العربية مثل السودان ومصر والسعودية كان لها دور كبير في انهيار الجبهة من مؤامراتها في الحلف الثلاثي الذي كان يرى أن للجبهة إتجاه فكري يساري وهو امتداد للمد الشيوعي في المنطقة.
*- حزب العمل حقيقة أم وهم شبح نسمع به ولا نراه؟
حزب العمل كان حقيقة داخل الجبهة وكانت له قيادات والمكتب السياسي، وكان مشرفاً على نشاط التنظيم في السنوات الأخيرة قبل انهيار الجبهة كنت أتمنى أن تتحدث القيادة التي كانت تتولى رئاسة حزب العمل إلا أنها التزمت الصمت ولم تتحدث حتى يومنا هذا رغم هذه الحقيقة معروفة لدى قادة الصف الأول والثاني وهلما جرا، ولا أعرف سبب عدم التحدث في هذه التجربة وخاصة من تولوا مناصب الأمين العام وأغلبهم على قيد الحياة، وربما عدم التحدث في حزب العمل كثر من الكلام فيه ودعوة للمسئولين عن الحزب للتحدث عنه، سمعت إن تجربة مماثلة في قوات تحرير الشعبية تم حله في عام 1992 بعد الاستقلال ليس من حقنا أن نعرف إذا كان الحزب قائم أم حل يظهر في الخلافات السياسية كمادة لتشويه البعض في إطار مكايدات سياسية واعتقد في ظل العولمة أصبح مطلوباً أن نملك التجربة للشعب الإرتري وأنا شخصياً لا أرى عيباً في أي تجربة في بداية الستينات والسبعينات وكانت التجربة اليسارية رائدة وقبلت كل التقدميين، وكانت مسألة طبيعية بأن يتبنى إرتريين ذلك التوجه للخروج من العصبيات القبلية التي كانت من أبرز أزمات الثورة في الستينات التي تمثلت في الوحدة الثلاثية والمناطق.
ولهذا لجأ البعض إلى التجارب اليسارية سواء في جبهة التحرير أو قوات التحرير الشعبية للاستفادة من هذه التجارب كان ينبغي أن نتحدث عن تجربة التحولات السياسية بدلاً أن نترك تلك التجارب تنقل عبر الأقاويل.
*- يقال كانت لك علاقة مع إبراهيم عافه؟
- نعم كانت تربطني به علاقة وثيقة وتعرفت معه عندما كنت في معسكر عواتي حينما تم توجيهه بعد مؤتمر أدوبحا في إدارة قسم التصنيع الحربي، وحقيقة لم تكن تملك الجبهة أي إمكانيات للتصنيع الحربي وتوجيه إبراهيم كان في غير محله إلا أنها كانت فرصة طيبة وكنت أقضي معه وقت أكبر وهذا ساعدني للتعرف عليه أكثر وكمان أقدر أقول قرصنا في شجرة ولكن لم نحصد ثمارها، ويعتبر إبراهيم عبقريةً نادرة في إرتريا وبرحيله خسرت إرتريا عامل مهم للتوازن خاصة في الجبهة الشعبية، اعتقد الجبهة لم تستفيد من عبقرية عافه الذي كان يمتلك مواصفات قيادية فريدة سواء اتفق معي البعض أو اختلف ، إن عافه صاحب مدرسة عسكرية حققت انتصارات عسكرية بالجيش الإثيوبي وشهد له خصومه قبل أعدائه ولهذا يقال تم التخلص منه في وقت مبكر.
*- هل تعتقد إن القيادة لم تكن تعرف إمكانية عافه حتى يتم إبعاده؟
- أولا كان إبراهيم شخصية وطنية بعيدة عن العصبيات القبلية والجهوية، بالإضافة إلي مؤهلاته العالية أكاديميا إلا أن ظهوره في موقع أخر حال دون ذلك وهذا يعتبر سببا حقيقيا في عدم الاستفادة منه، حيث عمل في البحرية الإثيوبية برفقة زميله الشهيد علي إدريس قبل انتقاله إلي الجبهة لأنه أخذ العلوم العسكرية في إسرائيل والسياسية في سوريا، وأثناء عمله في المنطقة الرابعة نفذ عدة عمليات عسكرية أصابت بنجاح أهداف العدو في مدينة مصوع.
*- لكن كيف تفسر اعتقاله رغم أنه لم يكن عضوا في القيادة العامة؟
- كانت تلك الإعتقالات تعسفية واستهدفت فئة بعينها مثلاً إبراهيم عافه لم يكن عضوا في القيادة ولم يشارك في أي نشاط، وعافه كان صاحب رسالة وطنية، وكان متواضعاً رغم ما يحمله من الإمكانيات كان يقبل بأي توجيهات تأتيه من قيادي أقل منه إمكانية وخبرة في بعض الأحيان، نحن استنكرنا عملية اعتقال عافة بالأخص ولكن أطلق سراحه سريعا مما أثبت برأته ومنه توجه إلى السودان ليشارك في تأسيس قوات التحرير الشعبية وكان العمود الفقري لها وهو صاحب الفتوحات العسكرية التي حققته قوات تحرير الشعبية في كل من المرتفعات وسمهر وساحل، وكانت له شعبية واسعة في المؤسسة العسكرية و أوساط المواطنين ولهذا أفورقي تخلص منه.
*- كيف عرفت باستشهاد عافه؟
- وجدت فرصة لزيارة الميدان في عام 1986 ضمن وفد المجلس الثوري أنا والأخ محمد برهان بلاتا بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لانطلاقة الثورة، وكنت سعيد بهذه الرحلة لأنني سألتقي بـ عافه بعد 15 عاماً، ووصلنا إلى الميدان ودخلنا الساحل عن طريق مدينة بورتسودان وقبل مغادرتها سمعنا إشاعة بوفاة إبراهيم عافه, إلا أنه ظهر بعدها بقليل في مدينة كسلا ورافقنا من مدينة بور تسودان عيسى أحمد عيسى سفير إرتريا الحالي في السودان عن طريق سواكن ووصلنا إلى مكان الاحتفالات في أدوبحا علي ما أظن وعند ما وصلنا مقر قيادة الجبهة الشعبية في منطقة (عنبريد ) استقبلنا سكرتيرها وفور وصلنا توجه محمد برهان إلي رمضان محمد نور ووجدت نفسي وحيد فخرجت على شرفية المكان ووجدت مفاجئة سارة لأشاهد أخ عزيز كان معي في هيئة التدريب وهو( سليمان هندي ) وتعانقنا بحرارة شديدة، وكان السلام من قلب إلى قلب واستغرق العناق لدقائق مما لفت المرافقين لي وسكرتير الجبهة الشعبية الذي انزعج من علاقتي مع سليمان هندي وعرفت فيما بعد كان مغضوب عليه من القيادة وهو ما اتضح بعد أن اختلف وهرب للسودان والقصة معروفة محاولة قتله في بورتسودان وتدخل عثمان صالح سبي والقصة مشهورة مطاردة الجبهة الشعبية لـ سليمان هندي.
*- حتى لا نخرج من الموضوع أخبرنا عن زيارتك؟
- كان الشغل الشاغل البحث عن إبراهيم عافه كنت أحمل أفكار كثيرة وأرغب التحدث معه وسألت عنه مراراً وتكراراً لـكن سليمان هندي قال لي يا عبدالله لن تجد من يجيب على سؤالك بخصوص إبراهيم عافه فعليك ألا تسأل عنه مجدد ً. هنا بدأت أصدق الإشاعات بمقتل عافه وأصبت بحالة الإحباط والتوتر، وحدثت مشادات كلامية مع زميلي محمد برهان بلاتا الذي أصبح سفير للجبهة الشعبية في داخل التنظيم، وكانت ملاحظاتي إنه كان يتنقل من مسئول إلى مسئول وكان يعامل كقيادي في تنظيم الشعبية، وحدث خلاف بيني وبينه وأنا بدوري رفعت تقرير للقيادة واتهمت فيه صراحة بلاتا بالعمل لصالح الشعبية في داخل التنظيم.
*- لكن ما ذا حدث؟
- يبدو إن محمد برهان كان مدعوم من قيادات تعمل لصالح الجبهة الشعبية، وللأسف حتى يومنا هذا لم أجد الرد وإن كانت القيادات المتخاذلة للبعض منها هرولة إلى نظام أسمرا والبعض الأخر يموت بحسرته بعد أن أخضعتهم الشعبية وطلبت منه العودة كأفراد إلى إرتريا حتى الذين عادوا لم يقبضوا الثمن بل ماتوا بغيظهم.
*ـ أين كنت لحظة الاستقلال؟
- كنت في مدينة كسلا
*- كيف كان شعورك؟
كان شعوري بالفرحة الكاملة لا يوصف ولم يكن أمامنا سوى الانحناء أمام عظمة الشعب الإرتري، المهم تحققت الأمنية سواء كان الاستقلال في يد الجبهة أو الشعبية. تعلمت في حياتي أن أتعامل مع الواقع الهدف تحقق وإرتريا استقلت
*ـ ماذا تعني لك كلمة الحرية؟
- الحرية كلمة يعشقها الوطنيين وآلاف من شعبنا وهبوا حياتهم من أجل الحرية التي تنعم بها إرترية اليوم.
*- من هم الأبطال في رأيك في إرتريا؟
- الذين استشهدوا في معركة حرب التحرير هم الأبطال الحقيقيين و من ثم أبناءهم وزوجاتهم الذين تحملوا المعاناة بعد رحيل الأباء، واعتقد كل مواطن شرد ودمر وتقاسم اللقمة مع الثوار هؤلاء هم الأبطال الحقيقيين للثورة.
*- يمكن أن تصف لنا ما هو جاري في إرتريا الآن؟
- الوضع في الداخل لا يوصف وهو حرج وخطير للقاءيه وأما وصفي للنظام يمكن أقدر أقول عبارة عن الشيطان الرجيم.
*- متى سيرحل هذا الشيطان؟
- المهم هو في أيامه الأخيرة ومن تابع الأيام الأخيرة لنظامي منجستو وزياد بري هي شبيهة بأيام نظام أفورقي من اعتقال النساء والشيوخ والهروب الجماعي والصفوف من أجل الحصول على الرقيف هي من علامات رحيل النظام.
*- ما هو دورك في تغيير هذا الظلم الواقع على الشعب الإرتري؟
- منذ وقت مبكر أعلنت معارضتي لهذا النظام وأنا في معسكر المعارضة ومن خلال إحدى فصائل المعارضة جبهة الإنقاذ أناضل من أجل إسقاط هذا النظام وليس خيار أمامنا سوى مواجهة هذا النظام.
*ـ ماذا تعني كلمة الحب عندك؟
والله هذه الكلمة تعني لي الكثير لأني أحب وطني إرتريا ومازلت أحبها مهما بعدت المسافات بيننا.
*ـ ماذا تعني لك السلطة؟
- السلطة لا تعني لي شيء في حياتي .
*ـ ما هو تقيمك للوضع الحالي في إرتريا؟
الوضع في إرتريا سيئ، لأن النظام أوصله إلى حافة الانهيار, وفي تقديري لو كانت المعارضة موحدة كان يتفاعل معها الجميع في الداخل والخارج والدعوة مفتوحة للمعارضة للخروج من أزمتها، وتجاوز الخلافات فيما بينهم أوجه نداء للمعارضة أن يتجاوزا السلبيات من أجل العمل الوحدوي الذي يصبوا إليه الجميع. وأن يقدموا تنازلات لمصلحة الشعب في سبيل توحيد قوى المعارضة وتوجيهها لضرب الدكتاتور في أسمرا.
*- ما ذا تعني لك كلمة الوحدة؟
- يعشقها الإرتريون وفشلت القيادة في تحقيقها.
*- ما هو تقييمك لانشقاقات التحالف في فبراير الماضي؟
- لعنة تطارد القوى السياسية الأنانية وشهوة السلطة وعدم المسئولية كانت وراء الأزمة والدعوة للاستفادة من الدروس.
*- ما ذا تقول عن الاجتماع المرتقب؟
- التجربة كانت قاسية على الشعب وقيادة التحالف كسرت القاعدة وإعادة المظلة ستعزز من شعبيتها وتعجل من سقوط النظام، إذا أخفقوا لن يجدوا من يتقبل العزاء عليهم.
*- التغيير في إرتريا؟
- أمر حتمي عاجلاً أم آجلاً.
*- الكلمة الأخيرة؟
- الشكر موصول للمواقع الإعلامية الوطنية، واعتقد إنني تحدثت وعرجت على كل أحداث بصدق وصراحة واعتذر إذا حدث أي خطأ بدون قصد ولكنني تحدثت عن تجربتي والدعوة مفتوحة لتمليك تجربة الثورة للشعب. وأقول إن الجالية الإرترية في استراليا تمثل نموذج للشعب الإرتري، حيث يتمثل فيه بساطة وقيم الشعب وهي في طليعة الجاليات الإرترية التي تنادي من أجل التغيير الديمقراطي. من أرشيف عونا
مركز "الخليج" GIC 20/ مارس 2008
Comentarios