top of page
tvawna1

وقفات في ذكرى معركة تقوربا الخالدة

بقلم مهندس/ سليمان دارشح

15/3/2023م

مرت الثورة الإرترية المسلحة في بداية مراحلها الأولى بظروف غاية من القسوة والخطورة ،

فقد واجهت قوات أكثر عدداً وأفضل تسليحاً ، وكان ينقصها آنذاك العتـاد والسلاح ، وبالرغم من ذلك أستمر الكفاح المسلح الذي أشعل أوار باكورة أيامه القائد الشهيد حامد إدريس عواتي فتحولت الصعاب والتحديات إلى طاقات لا تعرف اليأس والكلل، فكثيرة هي معارك البطولة والصمود التي خاضها جيش التحرير الإرتري في مواجهة مستميتة للتسلط الاستعماري الاثيوبي ، حتى تبدو كل معارك التحرير قمماً شامخة ، جسدت أسمى معاني الثبات والتضحية في سبيل الحرية والكرامة ، إلا إن معركة تقوربا تتميز بكونها حلقة ذهبية ترصع سلسلة الأمجاد والملاحم البطولية ، إنها معركة المواجه الأولي والاصطدام المباشر مع العدو الأثيوبي ، وهنا تجدر الإشارة إلي أن المعارك قبل معركة تقوربا التاريخية ، كانت معارك كرّ وفرّ مع قوات الاحتلال الاثيوبي، بينما في معركة تقوربا قد أختلف الأمر ، فالمعركة حدثت وجهاً لوجه مع الجيش الأثيوبي النظامي المدجج بأحدث الأسلحة الفتاكة.


وجاءت هذه المعركة الخالدة لتجسد تصميم أرادة التحرير التي لا تعرف المستحيل ، ولتعزز من القدرات النضالية والعطاء المتواصل للمقاتل الإرتري ، ولتؤكد أيضاً بأن إرادة الشعوب وتصميمها علي انتزاع النصر لا يمكن ان تقهر ، كما ساهمت هذه المعركة إلي حد كبير في تغيير فكرة أن جيش الإمبراطور الأثيوبي (طورسراويت) لا يقهر وحطمت – تقوربا – اسطورته وغروره ونقشت بطولة جيش التحرير الإرتري على صفحات التاريخ.

وحدثوني بعض القادة العسكريين الأوائل للثورة الإرترية المسلحة قائلين : ( تعتبر معركة تقوربا الخالدة من اعنف المعارك وأكثرها ضراوة في تاريخ الثورة الإرترية ، حيث كبدت المستعمر الأثيوبي خسائر مادية ومعنوية ، ومكنت هذه المعركة التاريخية من تعزيز ثقة الثوار في أنفسهم في ذلك الظرف الصعب والشاق ومن ناحية أخري عكست معركة تقوربا التنسيق المحُكم بين المقاتلين ومدى انسجامهم مع قادة المعركة والإمتثال الصارم لأوامرهم ، وكان هذا الإنضباط والإلتزام العسكري عاملاً رئيسياً في نجاح المعركة ) إنتهي حديث القادة العسكريين.

جرت حوادث هذه المعركة في اليوم الخامس عشر من مارس عام 1964م على نهار كامل في منطقة تقوربا الواقعة غرب مدينة أغردات ، وشمال مدينة تسني ، وشمال غرب مدينة بارنتو ، حيث قرر الجيش الأثيوبي النظامي (طور سراويت ) المسلح تسليحاً حديثاً ومدرباً تدريباً عالياً أن يجعل من هذه المعركة ، معركة فاصلة لكي يخمد لهيب الثورة الإرترية المصاعد في مهده ، ويكسر إرادة الثوار ويقتل في قلوبهم الرغبة في الاستمرار في درب الثورة ، فبطش البطشة الكبرى يوم تقوربا ، وظن أنها القاضية ، ولكن الثوار في سحابة تقوربا صبروا وصمدوا وإنتصروا ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.

ويقول حول ملحمة تقوربا قائدها البطل الشهيد محمد علي إدريس (أبورجيلة) وهو – رحمة الله – مخطط عسكري بارع وقائد جسور يتقدم جنوده في صولاتهم نحو العدو : ( شهدت الأرض الإرترية العديد من المعارك البطولية النادرة ، حتى تبدو كل معارك التحرير ملاحم بطولية نادرة ، إلا أن معركة تقوربا لها ما يميزها في سجل معارك التحرير ، وذلك لأنها أول معركة هجومية عسكرية مع قوات العدو الأثيوبي الخاصة ، الحمد لله استطاع جيش التحرير الإرتري أن ينتزع النصر المؤزر من هذه القوات التي كانت تفوقه تجهيزاً وتسليحاً وعدداً ، وايضاً كان لمعركة تقوربا الدور الكبير في رفع الروح المعنوية لمقاتلي الثورة في الاستمرار والصمود والصبر في ذلك

الوقت الصعب والشاق ، ولم تكن هذه المعركة إلا عنواناً للصناديد الذين جسدوا ملاحم البسالة القتالية للثورة الإرترية ، إنبهر جيش الإمبراطور الأثيوبي في هذه المعركة بإرادة الثوار القوية والذين لقنوه أشد انواع الهزيمة والحقوا به هزيمة ساحقة في الأرواح والعتاد ، وخسر الجيش الأثيوبي في هذه المعركة (64) ضابطاً وجندياً وجرح منه (22) واخرين بجروح بالغة واستطعنا رد العدو على أعقابه يجر وراءه أزيال الهزيمة النكراء إلي مدينة هيكوته التي تحرك منها لشن هجماته على الثوار ، فقدنا في هذه المعركة سبعة عشر شهيداً من خير مقاتلينا ستظل ذكراهم راسخة في وجدان شعبنا الإرتري، وقد حاول الجيش الأثيوبي المهزوم بالتمثيل بجثامين هؤلاء الشهداء من خلال وضعها في مقدمة ناقلات الجنود المدرعة وتعليقها في الساحات العامة علي امتداد المدن الإرترية من أجل خلق حالة من الرعب الفزع ، إلا أن هذا الأمر زاد من إرادة ، وحماس الشباب الإرتري للالتحاق بالثورة ، دفعة بعد دفعة وفوج بعد فوج ، وبذلك مكنت تلك المعركة من تأجيج الحماس الوطني وتعظيم العنفوان الثوري لمواصلة المسيرة الكفاحية التي بدأها القائد الشهيد عواتي حتى التحرير ) إنتهي حديث القائد الشهيد (أبورجيلة).

ويضيف قائد معركة تقوربا قائلاً: ( الثورة قدمت في يوم تقوربا مهراً لتراب الوطن الغالي الشهداء التالية أسماءهم: (عثمان عافة إدريس همد ، و آدم إدريس فوجاج ، و الحسن حريراي حاج همد ، و شريف شربوت ، و إسماعيل كنا عثمان محمد حسن ، و إدريس محمد علي دافوت ، و لباب محمد ، و أحمد محمد عبدالله عنتر ، و عثمان محمد نور ، و عثمان على أفاددا ، و علي إدريس جمع خير صالح محمد أكد، والحسن إدريس محمد شريف ، و صالح نور محمد عمر محمود ، إدريس محمد) إنتهي حديث القائد الشهيد ( أبورجيلة).

ومن المحزن للغاية وكرد فعل علقت سلطات الاحتلال الهمجية جثمانين هؤلاء الشهداء الأبرار في الساحات العامة في المدن الإرترية ( ستة شهداء في مدينة

أغردات ، وستة شهداء في مدينة كرن ، وثلاثة شهداء في مدينة بارنتو ، وأثنين شهداء في مدينة هيكوتا).

وتركتها تتعفن وتتمزق ، كانت تستهدف من خلال هذه الأساليب الاستفزازية الوحشية والمنافية للمبادئ والقيم الإنسانية ، أن تكسر إرادة الشعب الإرتري وإظهارها أنها القوي والمنتصر في المعركة ، وبالرغم من هذا المصاب وهذه الخسارة الكبيرة لفقدان أولئك الأبطال في زمن كانت الثورة في أمس الحاجة لنضالاتهم المتواصلة والرائدة ، وبالرغم من أحزان وآلام الأمهات والزوجات ودموع أسر الشهداء وهم يشاهدون جثامين أبنائهم يعبث ويمثل بها بهذه الصورة البشعة ، ازداد الشعب الإرتري التصاقاً بثورته وازدادت الثورة لهيباً، وتدفق الشباب من أسر الشهداء بوجه خاص ، والشباب الإرتري بوجه عام لحمل السلاح والسير علي الطريق الذي اختطه شهداء تقوربا ، لتحقيق الأهداف النبيلة التي سقطوا في سبيلها في ساحات الفداء ، وإلتحاق الشباب زرافات ووحداناً بصفوف الثورة بهذه الصورة الرائعة ، أدَّي إلي زيادة أعداد جيش التحرير الإرتري ، وعندها أنشئت الجبهة هيئة تدريب عامة بقيادة أحد قاداتها العسكريين خبرة بعلم وفنون العمل العسكري الشهيد البطل عمر محمد علي دامر وهو- رحمة الله- قائد عسكري شجاع بارع في كل مفاصل النضال ، ساهم من خلال التدريب العسكري في رفع الكفاءة والمقدرة القتالية لجيش التحرير الإرتري.

وفي ذلك الوقت وصلت دفعات السلاح من سوريا الشقيقة ، وقد أحدث هذا الدعم تطوراً واضحاً في العمليات العسكرية ، حيث شهدت البلاد في تلك الفترة سلسلة من المعارك الهجومية الناجحة والعمليات الفدائية الجريئة.

كما سار الركبان بأخبار جيش التحرير الإرترية ، لتصل إنتصارات معركة تقوربا وغيرها من المعارك الي دول الإقليم وتذيعها إذاعة صوت العرب في القاهرة.

وبذلك رسخت الثورة الإرترية المسلحة أقدامها واسمعت صوتها ، ولم يعد الحصار الإعلامي الذي فرضه عليها العدو الإثيوبي وحلفائه قادراً علي الصمود أمام ضرباتها.

وإننا ونحن نستذكر معركة تقوربا فإننا نستذكر بذلك الصور العظيمة التي زهت بها أرض المعركة ، وصور النصر والبلاء الحسن ، صور الشهادة والشهداء الذين رووا بنجيع دمائهم الذكية ثري الوطن الغالي ، في هذا اليوم الأغر ونحن نحتفل بالذكري (59) لمعركة تقوربا ، نستطيع ان نقول بكل فخر واعتزاز : أن المقاتلين من الرعيل الأول الذين خاضوا معارك التحرير الأولى أنهم كانوا مقاتلين أوفياء مخلصين ، لبلدهم ولشعبهم مهدوا بدمائهم الذكية الطاهرة طريق الثورة ، وأناروا الطريق في ظلمات الليل الحالك ، وتركوا وراءهم جيلاً من المناضلين الشرفاء ، يواصلون المسيرة وينقلون بندقية عواتي من كتف إلي كتف ، ويرفعون راية معركة تقوريا الخالدة شهيداً وراء شهيد ، حتى تحقق النصر في صبيحة الرابع والعشرين من مايو في العام 1991م لترفرف رايات النصر العظيم فوق سماء البلاد ويخرج المستعمر الغاصب مهزوماً مدحوراً ، وقامت دولة إرتريا التي أخذت مكانها الطبيعي بين الأمم والشعوب في العالم ، نعم لقد قامت دولة إرتريا المعترف بها دولياً ، ولكن من المؤسف للغاية عندما تسلمت الجبهة الشعبية دفة الحُكم في الدولة نصبت نفسها عدواً جديداً للشعب الأرتري ، وانفردت بحُكم البلاد لأكثر من (32) عاماً أذاقت خلالها الشعب الإرتري أقسي أنواع الظلم والاضطهاد والتعذيب ، كما وضعت كافة مؤسسات الدولة في أيدي الذين يوالونها ويناصرونها ، بينما أبعدت كل من لا يتفق معها في الرأي والتوجه السياسي والأسوأ من ذلك أنها زجت بهم في السجون والمعتقلات ، وألقت أشر أنواع العقوبات الجسدية والنفسية عليهم ، كما انها – الجبهة الشعبية – سلبت الإرتريين كافة حرياتهم وحقوقهم المدنية ، كحرية التفكير والتعبير وحق تغيير النظام وحق التظاهر السلمي ، هذه الممارسات الدكتاتورية بدون

ادني شك هي التنكر لدماء شهداء الثورة الإرترية ، كما أنها خيانة واضحة لأهداف الثورة ومبادئها السامية ، وهي أيضاً تحدي سامر للشعب الإرتري بجميع مكوناته الاجتماعية والسياسية ، ورغم هذه الإبتلاءات والمآسي شعب إرتريا الأصيل لم يفقد الأمل وسوف يحقق بإذن الله تعالى أحلامه وتطلعاته وأمانيه ، وفق شروطه الوطنية دون ركوع أو إذلال ، أو استسلام للأمر الواقع السيئ والخضوع له.

تحيه في يوم تقوريا العظيم لكل شهداء الثورة الإرترية الذين سكبوا دمائهم الطاهرة الذكية من أجل إيلاج الفجر الجديد في ربوع إرتريا.. تحيه لشهداء تقوربا الذين لبّو نداء الحق حين هتف لهم فزرعوا في أرض تقوربا نصراً ورفعوا رايات المجد عالياً .. تحية لأسر شهداء تقوربا الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والصبر على استشهاد ابنائهم .. وتحية للمناضلين الإرتريين الشرفاء الذين يمشون علي الشوك في سبيل إظهار الحق والحقيقة ، ويعملون بجد بلا كلل أو ملل لإذكاء روح التغيير والمطالبة بالحقوق الديموقراطية والحياة الحرة الكريمة.

53 views0 comments

Commentaires


bottom of page