top of page
tvawna1

هل يطوي السلام الإثيوبي صفحة حرب "اللا انتصار"؟

ينتظر إتمام شموله لبقية الحركات المسلحة ويمثل التحدي الحقيقي للمرحلة المقبلة


هاشم علي حامد محمد كاتب وباحث في شؤون القرن الأفريقي الثلاثاء 20 ديسمبر 2022 20:40

مثل ما شغلت الحرب الإثيوبية بين الحكومة وجبهة تحرير شعب تيغراي العالم بتطوراتها المتلاحقة، فاجأته باتفاق سلام شهدته عاصمة جنوب أفريقيا بريتوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ليشكل الاتفاق الحدث الأبرز الذي تشهده إثيوبيا عام 2022، بعد ثلاثة أعوام من معارك مستعرة، رافقتها انتهاكات إنسانية خطرة.


وكانت منظمات إنسانية اتهمت الحكومة الإثيوبية والجبهة بتجاوزات تسببت في مقتل عشرات الآلاف إلى جانب ممارسات التجويع، وما أدى إليه الحصار المفروض على الإقليم وعاصمته مقلي طوال عامين من آثار خطرة جلبت انتقادات دولية من جانب الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية فرضت عقوبات على الحكومة الإثيوبية، بينما اتهمت أديس أبابا تلك الدول بالانحياز والتدخل في الشأن الداخلي.

وتلاحقت تطورات الحرب بين الجانبين من دون أن يحرز أي طرف نصراً فاصلاً، حتى جاء اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة الإثيوبية والجبهة في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد مواجهة الطرفين ضغوطاً دولية أثناء بلوغ الحرب درجة مستعرة من المعارك وفشل الهدنة التي أعلنها الطرفان مراراً.

وبذل الاتحاد الأفريقي عبر لجنته الخاصة بالقرن الأفريقي بقيادة الرئيس النيجيري السابق أولوسيجون أوباسانجو الجهود لإيقاف الحرب، وإقناع الطرفين للجلوس للحوار. وتبع موافقة الطرفين على مبادرة الاتحاد التي أطلقها في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لعقد مفاوضات سلام في جنوب أفريقيا، جهوداً مستمرة من جميع الأطراف الدولية، مما دفع الطرفين أخيراً للجلوس إلى مائدة التفاوض والوصول إلى اتفاق السلام.

كان اتفاق بريتوريا سريعاً ومفاجئاً للأوساط المراقبة، لكن لم يكن هناك مفر من إقراره بعد خسائر في الأرواح بلغت مئات الآلاف في أوساط كل الأطراف بما فيها الجيش الإريتري المشارك في الحرب، حتى إنه استدعى الاحتياطي وكبار السن من العسكريين المتقاعدين، وفق جهات مراقبة.

ويربط مراقبون سرعة الاتفاق الذي تم توقيعه بين الطرفين، إلى جانب الظروف الميدانية والضغوط الدولية، ببلوغ معاناة السكان في إقليم تيغراي والمناطق الأخرى المتأثرة درجات من المعاناة بالغة السوء.

الواقع الإقليمي

وضمن المتغيرات على الواقع الإقليمي كان النجاح الذي حققته الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في تحقيق مصالحة بين إثيوبيا والسودان وتحييد حكومة الخرطوم مما أثر إيجاباً في عدم انتشار الصراع.

وكان لقاء جمع بين رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بنيروبي في الخامس من يوليو (تموز) الماضي، على هامش القمة الاستثنائية لقادة مجموعة شرق ووسط أفريقيا (إيغاد)، بعد اتهام إثيوبيا بمسؤولية إعدام سبعة من العسكريين السودانيين داخل الحدود الإثيوبية في منطقة الفشقة في يونيو (حزيران) الماضي، وأدت الحادثة إلى توتر علاقات البلدين قبل أن ينزع الجهد الدبلوماسي الذي قادته "إيغاد" فتيل الأزمة.

دواع أمنية واقتصادية

ويرجح المراقبون الاستجابة السريعة لحكومة أديس أبابا لمشروع السلام لدواع أمنية واقتصادية ظلت تعانيها في ظل تأثر النشاط الاقتصادي وانعكاساته على المواطن، وكان التردي الكبير الذي بلغته العملة المحلية (البر) نظير الدولار نتيجة ضعف الدخل الحكومي مما انعكس على الواقع وأثر في حياة السكان، حتى أعلن رئيس الوزراء آبي أحمد أن "الحرب في شمال إثيوبيا ستنتهي ويسود السلام، لن نواصل القتال إلى أجل غير مسمى، أعتقد أنه في فترة قصيرة من الزمن سنقف مع إخواننا في تيغراي من أجل السلام والتنمية".

وقال الوسيط الأفريقي أوباسانجو إن اتفاق السلام من شأنه أن يفتح صفحة جديدة للسلام والاستقرار المستدامين في إثيوبيا"، بينما قال برهانو جولا رئيس أركان الجيش الإثيوبي إنهم "سيلتزمون بالاتفاق الذي وقع مع جبهة تيغراي"، وكذلك أكد قائد الجبهة الجنرال تادسي وردي "التزامه الاتفاق من أجل شعب تيغراي".

ومن أهم بنود اتفاق السلام "الالتزام بالحفاظ على سيادة إثيوبيا وسلامتها الإقليمية، والتمسك بدستور جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفيدرالية". كما اتفق الجانبان "على برنامج مفصل لنزع السلاح والتسريح، وإعادة الإدماج لمقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، مع مراعاة الوضع الأمني على الأرض". ووقع الطرفان لاحقاً اتفاقاً إضافياً بنيروبي تحددت بموجبه خريطة طريق لتنفيذ بنود السلام، وهو الاتفاق الرسمي الثاني ضمن اتفاق السلام.

ويصف بعضهم اتفاق بريتوريا بكونه انتصاراً لرئيس الوزراء آبي أحمد لتوحيده إثيوبيا، أرضاً وجيشاً وطنياً وقيادة سياسية، في حين يرى آخرون أنه حقق كذلك للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعض مراميها في تثبيت الدستور الذي صاغه النظام السابق المحسوب على الجبهة، فضلاً عن الاعتراف بها كقيادة للإقليم (بعد أن كان تم تصنيفها كمنظمة إرهابية). وكون الاتفاق وقع بواسطة الجبهة وليس حكومة إقليم تيغراي يعطي بعداً أقوى للحزب في نفوذه السياسي المستمر. وانعكس اتفاق السلام على تدفق المعونات الإغاثية والإنسانية على إقليم تيغراي وبعض مناطق أمهرا والشمال الإثيوبي، وفتح جميع معابر الإقليم بما فيها مطارات مدن بلدات شيري ولاليبيلا. وكانت الحكومة الإثيوبية أعلنت في وقت سابق استعادتها مدينة شيري ولغرب تيغراي ضمن بسط نفوذها على جميع المناطق التي لم تكن تحت سيطرتها تسهيلاً لوصول المساعدات الإنسانية، وكتوجه سياسي في مواجهه الانتقادات الدولية في الشأن الإنساني.

وعلى رغم تشكيك بعضهم من جدية الطرفين في اتفاق السلام الذي تصفه بعض الدوائر بـ"الهدنة الموقتة"، جاء الاتفاق ليعبر عن مرحلة جديدة من الهدوء السياسي، انتظرتها المنظمات الدولية العاملة في الإغاثة التي تولي إقليم تيغراي والشمال الإثيوبي عناية كبيرة في ظل مراقبتها المستمرة للأوضاع الإنسانية هناك، بعد أن شهدت تلك المناطق تهجيراً للملايين من أهل تيغراي وسكان المناطق الأخرى في أمهرة وعفر، وتدمير منازل وحرق محاصيل، وتطهير عرقي لمناطق واسعة، إلى جانب حالات الاغتصاب التي شهدتها عديد من المدن.

استكمال مشروع السلام

اتفاق السلام الإثيوبي بقدر ما جمعه من جهد دولي وإقليمي، وما تبعه من تغير إيجابي ينتظر استكمال مشروعه مع الحركات المسلحة الأخرى، سواء في إقليم أروميا مع جبهة تحرير أرومو أو غيرها من حركات، إلى جانب بعض جماعات فانو الأمهرية التي تتخوف من استئثار تيغراي بصلح منفرد مع الحكومة تكون ضحيته الأراضي المتنازع عليها بين القوميتين (تيغراي وأمهرا) في الشمال على حدود الإقليميين.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قالت في نوفمبر الماضي ببيان عبر وزير خارجيتها أنتوني بلينكن "نرحب بالخطوة المهمة التي اتخذت في بريتوريا للدفع قدماً بمبادرة الاتحاد الأفريقي لإسكات المدافع، ونرحب بإيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق وحماية المدنيين، وهما أمران يجب أن ينجما عن تنفيذ هذا الاتفاق".

ويظل السلام الإثيوبي خاتمة العام الماضي، والموجه للعام الجديد، والتحدي الحقيقي للمرحلة المقبلة تحت إصرار الحكومة نشر راياته، ودعوات رئيس الوزراء آبي أحمد لوحدة الصف الإثيوبي وتحقيق التنمية التي تبشر بها قيادته.

وكان مجلس الوزراء الإثيوبي قد أجاز مسبقاً إنشاء لجنة (الحوار الوطني للسلام) كاستجابة لدعوة الحوار الشامل الذي وعدت به الحكومة إبان الانتخابات البرلمانية في يونيو (حزيران) 2021، وكان آبي أحمد قال إن "الطريق نحو المستقبل هو تعزيز الوحدة الوطنية". وأجاز البرلمان الإثيوبي لاحقاً تكوين لجنة الحوار الوطني كمؤسسة مستقلة، بينما تبنى حزب الازدهار في مؤتمره خلال الأول من مارس (آذار) 2022 شعار السلام. وقال رئيس العلاقات الدولية بالحزب بقلى هوريسا، "السلام والأمن يمثلان الأولوية الرئيسة للحزب". المصدر >>>>

80 views0 comments

Comments


bottom of page