نشر بتاريخ : 03/04/2024 على متن سفينة البحث والإنقاذ التابعة لمنظمة الطوارئ يوجد الكثير من الإريتريين المحتجزين، نسلط الضوء في هذا التقرير على ما مرت به شابتان من معاناة منذ انطلاقتهما وخلال عبورهما ليبيا، حيث عاشتا لأكثر من ثلاث سنوات قبل أن تتمكنا من عبور البحر الأبيض المتوسط نحو إيطاليا.
قضت مهرتاب، البالغة من العمر 27 عامًا من إريتريا، السنوات الست الماضية في محاولة الوصول إلى أوروبا، وقت يكفي شخصا في عمرها ومستواها التعليمي للحصول على درجة الدكتوراه. الشابة الإيريتيرية كانت قد أنهت دراستها في مجال الإلكترونيات في سن 21 عامًا، ثم غادرت بلادها خوفا من إلزامها بالخدمة العسكرية.
فعلى الرغم من أن القانون الإريتري يتضمن بنوداً واضحة تقتصر فيها مدة التجنيد العسكري على 18 شهرًا، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، إلا أنه غالبًا ما تصير المدة غير محددة، ويكاد يكون من المستحيل تجنب تأدية الخدمة العسكرية ما دام الشخص في البلد.
انطلقت مهرتاب أولا إلى إثيوبيا، حيث عملت لمدة ستة أشهر تقريبا في متجر لألعاب الفيديو وكانت تحصل على حوالي 50 دولارا (46 يورو) شهريا. هذا المبلغ لم يكن يكفيها لشيء، فقررت السفر إلى ليبيا رغبة منها في الهجرة بحراً نحو أوروبا. فاتصلت بأصدقائها الإريتريين الذين غادروا نحو ليبيا قبلها ليسهلوا مهمة لقائها بمهرب يوصلها إلى ليبيا.
مهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يتجهون إلى ليبيا على أمل الوصول إلى أوروبا
الوصول إلى ليبيا
وبعد عبور السودان نحو ليبيا سيرًا على الأقدام واستعانة بالسيارة أحيانا، وصلت مهرتاب أخيرًا إلى مدينة صبراتة الساحلية الليبية، الواقعة على بعد حوالي ساعة بالسيارة من العاصمة طرابلس. هناك استقرت لمدة تسعة أشهر، ثم انطلقت في رحلتها الأولى عبر البحر الأبيض المتوسط، بعدما دفعت لأحد المهربين مبلغ 6000 دولار، مبلغ شمل التوجيه الذي قادها عبر الصحراء إلى ليبيا.
خلال المرة الأولى التي حاولت فيها مهرتاب عبور البحر الأبيض المتوسط عام 2021، تحكي أنها تعرضت لاعتراض خفر السواحل الليبي ثم سُجِنت. وقالت إن حراس السجن مارسوا العنف على المهاجرين الذين يعيشون هناك، ولم يمنحوهم سوى وجبة صغيرة مرة واحدة في اليوم.
ظلت الشابة الإيريتيرية هناك لمدة أسبوع قبل أن تتمكن من جمع المال اللازم لدفع ثمن خروجها من ذلك المعتقل، أي حوالي 700 دولار (حوالي 651 يورو).
قالت مهرتاب في حديثها لمهاجر نيوز "أنا محظوظة للغاية لأني تمكنت من الخروج بسرعة. أصدقائي بقوا هناك لمدة شهر أو شهرين. إذا لم تتمكن من دفع المال، فلن تتمكن من الخروج". كان من حظ الشابة الإيريتيرية، أنها حصلت على الأموال بمساعدة والديها وأصدقائها المتواجدين في مناطق متفرقة من ليبيا.
قامت مهرتاب بمحاولتين فاشلتين بعد ذلك لعبور البحر، وخلالهما أيضا تم القبض عليها من قبل خفر السواحل الليبي قبل أن تطأ قدماها القارب الذي كان من المفترض أن يوصلها إلى أوروبا. في المرة الأولى، تمكنت من الفرار قبل أن يُزج بها في السجن، لكن خلال المحاولة التي تليها، تم القبض عليها قبل أن يبحر القارب وسُجِنَت لمدة شهر قبل أن تحصل على مبلغ 1000 دولار (حوالي 930.20 يورو) لدفع ثمن خروجها.
كان حينها الفصل شتاء، توضح الشابة أن السجن كان باردا للغاية والتعامل فيه لا يطاق حسب تعبيرها. وذكرت المهاجرة أنه مقابل هاتين المحاولتين الفاشلتين و"مبالغ كفالتها" غير القانونية، دفعت مهرتاب حوالي 4300 دولار (حوالي 4000 يورو).
فشلت المحاولة الثالثة، لكن مهرتاب نجحت في محاولتها الرابعة، بعد أن دفعت مبلغ 3000 دولار (حوالي 2790 يورو) للمهرب، وجدت مهرتاب نفسها على متن قارب أنقذت سفينة البحث والإغاثة Life Support المهاجرين الذين كانوا على متنه، وهي سفينة تابعة لمنظمة الطوارئ الإيطالية غير الحكومية. لكن العديد من أصدقاءها ما زالوا عالقين في ليبيا، وبعضهم في السجن حسب تأكيدها.
تم عزل المهاجرين المصابين بالجرب عبر إلباسهم بدلات زرقاء قبل مغادرة السفينة في رافينا
تقول الشابة الإيريتيرية "لدي الكثير من الأصدقاء مازالوا عالقين في ليبيا"، موضحة أن هذا هو السبب وراء رغبتها في سرد قصتها لمهاجر نيوز. "أحكي قصتي لأوصل معاناة أصدقاء مثل إخوتي مايزالون عالقين هناك في ليبيا".
مراهقة مهاجرة وحيدة بدون مال!
تم إنقاذ مهرتاب بعد 20 ساعة في البحر على متن قارب بمحرك مكسور. وكان إلى جانبها، من بين المهاجرين الآخرين الذين تم إنقاذهم، نحو 10 إريتريين. إحداهن، فتاة تبلغ من العمر 19 عامًا، أمضت أيضًا سنوات في محاولة الوصول إلى أوروبا.
إليزابيث (اسم مستعار)، تختلف قصتها عن قصة مهرتاب لأنها لم تتمكن من الحصول على المال من العائلة أو الأصدقاء طوال رحلتها. فبينما يجد أشخاص من عائلات مثل عائلة مهرتاب طرقًا للحصول على المال لدعم أقاربهم في ليبيا عن طريق بيع ممتلكاتهم أو جزء من مزارعهم أو منازلهم، لم يكن لدى عائلة إليزابيث ما تقدمه لمساعدتها.
أصيب والدا إليزابيث، وهي طفلة في الخامسة من عمرها، بجروح خطيرة في النزاع الحدودي الذي شهدته كل من إريتريا وإثيوبيا، والذي انتهى عام 2018. أصيبت والدتها برصاصة في صدرها وأصيب والدها في ساقه، مما جعل من المستحيل على أي منهما العثور على عمل لإعالة الأسرة. في سن الخامسة عشرة، قررت إليزابيث مغادرة إريتريا والسفر إلى السودان بمفردها.
ومن الحدود الإريترية، حيث عاشت مع عائلتها، سارت لمدة ثلاثة أيام نحو السودان. وهناك، تواصلت بالمهربين الذين أحضروها إلى الخرطوم وقالوا إنهم سيأخذونها إلى ليبيا لعبور البحر.
سافرت من الخرطوم إلى ليبيا حيث عاشت في طرابلس لمدة ثلاث سنوات. كانت تنام في مأوى يملكه المهربون، مخصص للمهاجرين الإريتريين المثقلين بالديون والذين يأملون في عبور البحر إلى أوروبا لكنهم لا يستطيعون دفع الرسوم المطلوبة لركوب القارب.
ظلت الشابة عالقة في المنزل طوال اليوم دون أن تتمكن من المغادرة، أما الليبيون الذين هربوها إلى البلاد فقاموا بالحراسة دائما لضمان عدم مغادرة أحد، مما جعل كسب المال مستحيلا بالنسبة لإيليزابيث.
في مرحلة ما خلال فترة وجودها في ليبيا، وجدت إليزابيث نفسها في السجن، حيث شهدت انتهاكات مروعة. وقالت لمهاجر نيوز إنها شاهدت أشخاصاً يتعرضون لإطلاق النار والتعذيب على يد الحراس الليبيين، وذكرت أنها شاهدت ذات مرة امرأة حامل، أثناء الولادة، تصرخ طلباً للمساعدة، وقالت إليزابيث إن السيدة كانت بحاجة إلى رعاية طبية، لكن لم يأت أحد لنجدتها، وتوفيت.
بعد مضي سنوات في منزل المهرب، تمكنت إليزابيث من إقناعه بالسماح لها بالانضمام إلى قارب ومحاولة الوصول إلى أوروبا. تقول إليزابيث إنها تريد أن تصبح ممرضة لمساعدة الناس. "إذا كنت لا تساعد الناس في الحياة، فلا فائدة منك".
تعاني النساء بشكل خاص بسبب لتجنيد الإجباري في إريتريا، حيث أبلغت العديد منهن عن تعرضهن لانتهاكات جنسية اقرأ أيضا: تقارير: العثور على جثث 65 مهاجراً في مقبرة جماعية غربي ليبيا
رحلة باهظة الثمن!
في تصريح خص به مهاجر نيوز، قال يوهانس، وهو وسيط ثقافي إيريتيري في منظمة طوارئ تقدم المساعدة للمهاجرين الذين عبروا البحر، إن قصة إليزابيث تتكرر كثيرا، إذ يسمح المهربون لامرأة واحدة في مجموعة من عشرات وعشرات الرجال بالعبور دون دفع المال.
وقال يوهانس، الذي غادر إريتريا أيضاً عام 2008، إن المهربين في ليبيا يدركون مقدار ما يمكنهم الحصول عليه من أشخاص مثل مهرتاب، التي كان بقاؤها في بلدها يعني الموت في الصراع أو الموت جوعاً.
وقال "في بعض الأحيان، يتقاضى المهربون من الإيريتيريين مبالغ كبيرة مقارنة بجنسيات أخرى، لأنهم يعرفون أنه لا بديل أمامهم، فالرحلة التي تكلف 6000 يورو للمصريين قد تكلف 20000 يورو للإريتريين".
لم تفتح إريتريا حدودها مع إثيوبيا إلا عام 2018، لكن قبل ذلك كانت مغادرة البلاد مغامرة محفوفة بالمخاطر، كما أصبح عبور الحدود الإريترية السودانية أكثر صعوبة في السنوات الأخيرة، لكن هدف هؤلاء المهاجرين هو أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وهو ما لا يتراجعون عنه بسهولة.
يحصل الإريتريون بشكل عام على حق اللجوء بمجرد وصولهم إلى دول الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2023، تمت الموافقة على حوالي 83 بالمائة من طلبات اللجوء التي قدمها الإريتريون، وفقًا لوكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي.
Comments