تريد إيطاليا وقف وصول المهاجرين والمهاجرات إلى سواحلها، من خلال برنامج مالي بقيمة 5.5 مليار يورو. Copyright 2020 The Associated Press. All Rights Reserved.
تدعم سويسرا منذ العام 1917، مشاريع تنموية سياسية في إريتريا، لتعزيز الحوار مع السلطات هناك، لكن لم تستجب الحكومة الإريترية بحال من الأحوال، لدعوات السماح بالعودة القسرية لرعاياها، رغم الجهود الدبلوماسيّة والإنسانيّة المبذولة. تدعو أصواتٌ سياسيّة سويسرية الآن، إلى تغيير في الاستراتيجية.
تم نشر هذا المحتوى على19 أغسطس 2024 أنظر 4 لغات أخرى
سافر هانز فورّر، معلّم مدرسة مهنية، ومتخصّص في تعليم الكبار كخبير، كثيرا إلى إريتريا، في الأربعين عامًا الماضية. وسافر المرّة الأخيرة في مارس 2024، ليرافق هناك مبادرات تعاونية، وتنموية مختلفة. ويُعدّ “مركز التدريب المهني لعملة مصوّع”رابط خارجي، المشروع الأهمّ، الذي يُنفَّذ بالتعاون مع اللجنة السويسرية لدعم إريتريا (SUKE)، واتحاد النقابات العمالية الإريتري (NCEW)، في مدينة مصوّع الساحلية.
ويقول فورّر: “يقدّم هذا المشروع أملًا للشبيبة في أرتيريا. فبتلقّي تدريب مهنيّ، أو إضافيّ في مدرستنا، لا حاجة لمغادرة البلاد نحو أوروبا”. إذ تشهد المدرسة المهنيّة منذ افتتاحها عام 2017، نموّا مستمرّا، وتستقبل الآن من الطلبة 300 كل عام، وتعلّم سبع مهنٍ مختلفة.
ثمّ يستطرد قائلًا: “كانت الشراكة مع اتحاد النقابات العمالية مفتاح نجاحنا، ومهمّ جدا في إريتريا كما في كل بلدان الجنوب العالمي، أن لا نتصرّف كمستعمرين جدد، فنعتقد أنّنا نعرف ما لا يَعمل، أو لا ينجح، وما يجب أن يُغيَّر”.
ويُرجع فورّر الفضل في إقامة اتصالات سريعة مع الشركات المحلية، وتحرّي احتياجات التعليم المهني للطلبة، إلى التعاون مع الهيئة النقابيّة. كما يؤكّد أن المشروع في إريتريا هو أكثر المشاريع الكثيرة في أفريقيا استدامةً. فيقول: “بينما لم نتمكّن خلال الجائحة، من السفر إلى إريتريا، طوّر تلامذتها مشاريع جديدة، باستقلاليّة تامّة. فافتُتحت في مدينتي كرن و بارنتو، مدرستان مهنيتان جديدتان”.
الشتات الإريتري في سويسرا
استئناف التعاون
انسحبت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (DEZA) من إريتريا عام 2006، لشدّة صعوبة العلاقات مع السلطات، ولعدم إمكانيّة استمرار تنفيذ المشاريع المستدامة هناك. لكن في بداية أكتوبر عام 2017، استُؤنف دعمُ مشاريع التعاونرابط خارجي، من خلال المساهمة المالية في مشروع “مركز التدريب المهني لعملة مصوّع، تحديدا”.
ويتحقّق بذلك هدفان مترابطان؛ أوّلهما تقوية مهارات الشبيبة الإريترية في بلادها، لتحسين منافذها للعمل، وتحسين الإمكانيات لآفاقٍ حياتية أفضل؛ وثانيهما، تقوية الثقة المتبادلة بين الحكومتين، وتوسيع الحوار الثنائي، خصوصًا في ما يتعلق بمسائل الهجرة.
وأوضحت الوكالة السويسريّة للتنمية والتعاون، في ردّها على استفهام من سويس إنفو (SWI swissinfo.ch)، أنّ وزارة الخارجيّة السويسريّة (EDA)، أرادت مواصلة التعاون مع إريتريا، بعد مرحلة تجريبية أولى دامت سنتين، وانتهت عام 2019، وانتهاء مرحلة ثانيةرابط خارجي بنهاية سبتمبر 2024رابط خارجي، ومرحلة ثالثة لم يُخطَّط لها بعدُ.
“لا أهداف سياسية داخلية لسويسرا”
ترى بعض الأصوات أنّ العودة إلى إريتريا بعد انقطاع دام عشر سنوات، كانت لأسباب سياسية داخلية، أكثر مما هي رغبة في مساعدة إنسانية وتنموية. لكن يرى يوناس مونتاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية، عكس ذلك قائلًا: “لا يسعى هذا المشروع وراء أهدافٍ سياسية داخلية محددة تتعلق بالهجرة، بل يسعى إلى تحسين الآفاق الحياتية للشبيبة الإريتريّة، والعلاقات الثنائية بين البلدين”. غير أنه يشير إلى أن جهد الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، قد يؤثر إيجابيًّا بلا شك، في أهداف سويسرا السياسية المتعلقة بالهجرة.
ويعود هذا الجدل إلى رفض إريتريا الإعادة القسريّة لرعاياها رفضا قاطعا، بعد رفض سويسرا مطالب اللجوء. وقد أُثير الموضوع، في البرلمان، ونوقش في الآونة الأخيرة بانتظام. وهذا ما تعكسه المقترحات البرلمانية الكثيرة، المقدّمة من الأطياف السياسيّة جميعها. ووافقت الغرفة البرلمانية الكبرى، في الموسم التشريعي الصيفي الأخير، على مقترح بيترا جوسي،رابط خارجي العضوة الليبرالية للغرفة البرلمانيّة الصغرى، التي وافقت عليه. ويكلّف هذا المقترح الحكومة بإيجاد نهجٍ جديد لإعادة رعايا إيريتريا، بعد رفض مطالب اللجوء.
يتمثّل المقترح في إرسال هؤلاء إلى بلدٍ ثالث توقَع سويسرا معه اتفاقية مرور أوّلا، ومنه يجب أن يصل الرعايا إلى إريتريا. لكنّه لاقى معارضة من اليسار، والوسط لما يسبّبه من تكاليف غير ضرورية لا أكثر. في حين بدا وزير العدل والشرطة، بيت يانس من جهته، مقتنعا برفض إريتريا استعادة رعاياها، حتى لو كان ذلك عبر دولة أفريقية أخرى.
“الحصول على موطئ قدم”
جاء في تقريررابط خارجي رابط خارجيختاميرابط خارجي حول المرحلة الأولى لاستئناف جهود الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في إريتريا، أنّ وضع سويسرا هناك قد تغيّر كثيرًا مقارنة بالعام 2017، فقد جمّعت معلومات أكثر عن الوضع المحلي، مع اختلاف كبير عمّا كان عليه آنذاك، وأصبح بإمكانها الوصول إلى الدوائر الحكومية، كما بنَت قاعدة ثابتة للثقة، فضمنت بذلك “الحصول على موطئ قدم”، في ما يتعلق بالتطورات المقبلة.
وأصدرت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، تكليفًا لإجراء تقييم خارجي للمرحلة الثانية، ستَظهر نتائجه قريبًا. لكن يعتبر داميان مولر، عضو لجنة الشؤون الخارجيّة في غرفة البرلمان الكبرى، عن الحزب الليبرالي الديمقراطي (FDP) ، أنّ النتائج المتوفّرة إلى حدّ الآن، غير كافية، ويقترح تغييرًا في الاستراتيجية، لأن النهج المتّبع فاشل حسب رأيه. فيقول: “تبرهن حقيقة استمرار إريتريا في رفض العودة القسرية، على ذلك”. كما لا يرى لها اهتماما، بما تقدّمه سويسرا من مساعدة التنمية، قطّ.
وترى سيبيل أرسلان، ممثلة حزب الخضر في غرفة البرلمان الكبرى، رأيٌا آخر، إذ تعتبر أنّ المشاريع في إريتريا مهمّة، وعلى سويسرا أن تدعمها في المستقبل أيضًا. فتقول: “التضامن ودعم الناس عند الحاجة، والكفاح ضد الفقر، أمورٌ راسخةٌ في دستورنا، ولطالما عارض الخضر الخلط بين التعاون الدولي، وسياسة الهجرة”.
وتلمّح أرسلان، بوصفها نائبة رئيس لجنة الشؤوون الخارجية، إلى نهج الحكومة في الربط استراتيجيًّا بين التعاون الدولي وسياسة الهجرةرابط خارجي، فتقول: ” قد فشل هذا الربط”، مشيرة إلى ضرورة إيجاد الحلول بالحوار، وأن سويسرا تستطيع أن تبني على تقليدٍ طويل، في هذا الخصوص.
ويؤيد داميان مولّر، هذه الفكرة أيضا، فيقول: “أقترح التركيز على الحوار السياسي، كما تفعل إيطاليا الآن”. والتقت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني في يناير من هذا العام، الرئيس الإريتري إسياس أفورقي، في روما”. وسافر في نهاية يونيو، وزير المشاريع والصناعة في إيطاليا أدولفو أورسو، مع وفد كبير من إدارات الشركات الإيطالية الكبيرة، إلى العاصمة الإريترية أسمرا، وتبعه وفدٌ من لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في مجلس الشيوخ.
تشكّل هذه البعثات إلى إريتريا جزءًا مما يُسمّى خطة ماتي. وإلى جانب تقوية التعاون الإنمائي، والشراكة مع دول أفريقية مختلفة، فإن إيطاليا تريد من خلال برنامج تمويلي يبلغ 5،5 مليار يورو وقف تدفق الهجرة إلى سواحلها.
عودةٌ قسرية من الاتحاد الأوروبي
لا أحد يريد العودة طوعًا
يمكن أن نقرأ على موقع الحكومة الفدرالية، أنّ العلاقات الدبلوماسية بين سويسرا وإريتريا، ليست عميقة جدًّا، وذلك رغم بعض التحسن في الأعوام الأخيرة. يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية، يوناس مونتاني، لسويس إنفو: “لقد تحسّن التعاون مع السلطات الإريترية، في مجال تحديد الهوية مثلا”. كما صرّحت أمينة الدولة لشؤون الهجرة، كريستين شرانر برغنر، لصحيفة سونتاغ بْلِك، بأن سويسرا سترسل وسيطا، يستقرّ في نيروبي، ويسافر إلى إريتريا باستمرار لتعزيز الحوار مع أسمَرا.
ويقول هانز فورّر في هذه الأثناء: “لا يمكن لأيّ شخص، من أيّ وظيفة، أن يحقّق شيئا وحده”. ويرى أنه لا يمكن أن يتقدّم بالمفاوضات فعليّا، غير لقاء متكافئ الصلاحيات بين وزير العدل والشرطة السويسري، ونظيره الإريتري.
لكن فشلت جميع الجهود الدبلوماسية لحل المسألة الإريترية، حتى الآن. والتقى وزير الخارجية الإريتري، الوزير ديدييه بوركهالتر، والوزيرة سيمونيتا سوماروجا، عام 2016. وزار وزير الخارجية السويسري الحالي إينياتسيو كاسيس أيضًا، أسمرة مرتين، وذلك في العامين 2018 و2019. ولم تؤد المحادثات بين يماني جبر آب، المستشار الخاص للرئيس الإريتري، وأمينة الدولة السويسرية، ليفيا لوي، وأمين الدولة، ماريو غاتِّكر عام 2021، إلى نتائج ملموسة.
تمسكت إريتريا بموقفها، ورفضت رفضا قاطعا، أية إعادة قسرية لرعاياها، من سويسرا، أو من غيرها، معتبرة أنّ العودة إلى الوطن يجب أن تكون عن طواعيّة. وهو عين ما يسعى إليه هانس فورّر بمشروعه. فينبغي أن يحقق “مركز التدريب المهني لعملة مصوّع” أيضًا، آفاقًا حياتية للشعب الأريتري في الشتات.
ويوضح فورر ذلك قائلا: “تتمثّل الفكرة في تمكين من طلب اللجوء من الشعب الإريتري من قضاء سنة تعليمية في سويسرا، ثمَّ مواصلة الدراسة في مدرستنا المهنية في مصوّع. لكن لم تتحقّق هذه النية أبدا، لأنه لا أحد ممّن طلب اللجوء، يريد العودة طوعا إلى إريتريا، خوفًا من ابتزاز السلطات “.
ولا مفاجأة في هذه النتيجة، إذ يتحدّث أحدث تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان في إريتريارابط خارجي، عن قمعٍ منهجي للحريات، ووضع مأساوي لحقوق الإنسان؛ من اعتقالات تعسفية، وحبس انفرادي، وخدمة وطنية مفتوحة الأجل تقارَن بأعمال السخرة.
ترجمة: جواد الساعدي
تدقيق لغوي: لمياء الواد
مراجعة: أمل المكي المصدر >>>>>
Comments