top of page
tvawna1

محمود لوبينت أيقونة الشعر الاريتري

07-03-2024 عبدالجليل الشيخ


مما ورد في قصيدة " عيون العصفورة "، منشورة في مجلة النهضة الاريترية - احتجبت -، مؤرخة في لندن 2001.02.29م :


( عيناكِ شَفَقْ…


عيناكِ غَسَقْ


وبينهما…يمتّـدُّ أُفُقْ


بلونِ الَيَمْ.....


عيناكِ " لا " وعيناك " نـَعـَمْ "


وبينهما..يمتدُّ نـَفَقْ....


" من يمشي فيه ؟ "


- أفتيت ُ..


وقـلـتُ..


" لا أعلمْ " ! ).


السؤال ما هذا الألم و القهر الذي يجعل العين تذرف دماً بلون الشفق؟. ما العلاقة بين الشفق و الغسق عند الشاعر ؟.. لماذا مأزق الخوف من النـَفَقْ ؟.. حتى قال:"- أفتيت ُ.. وقـلـتُ.. " لا أعلمْ "!). حقاً أتقن الشاعر اللعبة بان يقول ما يريد ، و يترك القارئ في حيرة من أمره في قصيدة تفوح بالرمزية السياسية و الخوف من الرقيب أي كان لأن ظاهرها عشق بالسحر معقود ، أو عشق لإمرأة مسلوبة رمزيتها العصفورة .


و من ثمّ اختفاء الشاعر خلف القناع للحديث عن وطن مفقود بلونِ الَيَمْ / النهر، البحر، و الأفق بلا حدود كمن ينظر الى السماء. و في كلا الحالتين - العشق للمرأة أو الوطن -، فإنهما يلتقيان في رمزية العلم الاريتري.


(1)


هذه تجربة شاعر غنائي، يكتب الشعر بالحرف العربي . حيث يُتقن اكثر من لغة حية و محلية ، و منها العربية، و التجري، و التجرنية. هو صاحب معرفة لغوية في عدد من اللغات المحلية مع قدرة للتواصل و الانفتاح على التجارب الشعرية . و مع هذا لا يمارس ترجمة الشعر بين لغتين، أو اللغة العربية التي يُتقنها في مستوياتها العليا مع مخزون ثقافي عربي.


هو محمود بن أحمد لوبينت ، أديب ، لغوي، سياسي اريتري. ولد في 29 فبراير 1944م في حرقيقو، جنوب مدينة مصوّع المرفأ الرئيس لدولة اريتريا. و فيها نشأ و درس في خلوتها القرأنية، و اتم الابتدائية و جزء من المتوسطة في مدارس اوقاف حرقيقو الأسلامية التي أسسها صالح باشا احمد كيكيا (1904 – 1957م).


و هي مدارس ذات منهج عربي بريادة أساتذة سودانيين من خريجي معهد بخت الرضا، و معهد أم درمان الإسلامي. و من هؤلاء معلم اللغة العربية الشاعر طيفور بن أبي بكر الدقوني (1922- 2017م) صاحب ديوان "لهب و ثلوج".


كانت اريتريا - آنذاك - في حالة التوهج السياسي و الحراك الوطني نحو الحرية و الاستقلال خلال فترة الانتداب البريطاني. كما شهدت توهجاً ثقافياً مع الصحافة الوافدة من المستعمرات البريطانية (مصر، السودان، عدن)، التي أنعشت الصحافة المحلية سياسياً و ادبياً ، و منها المساجلات الأدبية على صفحات مجلة المنار الاريترية، بين الأديبيّن ياسين باطوق، و محمد سرور، و الشيخ غوث الدين الأفغاني مدير المعهد الديني في حرقيقو .


نجد اثر هذه الفترة في ذاكرة لوبينت ، حيث كتب في احدى مقالاته عن أول قصيدة عربية عن اريتريا بقوله:


(" في نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم ، وجدت في بيت عمي في حرقيقو ديوناً عنوانه " من السماء " لأحمد زكي أبوشادي. و على الغلاف الداخلي كتب الشاعر بخط يده:"إهداء للأديب الكبير الأستاذ ياسين محمود باطوق ". جذبني الإهداء ، و دفعني الى أن "أسرق" الديوان من بيت عمي . و بدات أقرأ القصائد بنهم (قراءة سطحية و سريعة طبعاً)، و كنت آمل أن انتهي في فترة قصيرة لكي أعيده الى مكانه قبل أن يكتشف عمي أختفاؤه . و فجأة بالديوان قصيدة بعنوان "ارتريا الجديدة ، تحية و نشيد "، و كانت فرحتي بها لا توصف مما دفعني الى الاحتفاظ بالديوان الى أجل غير مسمى").


انتقل إلى عالم أوسع نسبيًا ، حيث أستقر به المقام في عاصمة الضياء أسمرة في عهدها الفيدرالي - أواخر الخمسينيات -، و أتم فيها المرحلة المتوسطة في مدرستها الخيرية الإسلامية. و فيها قرض الشعر، و شارك في الأنشطة المدرسية. و منها مسابقة "مطارحات شعرية" التي تقام بين الطلبة. و كانت منافسته المصونة ابنة مفتي الديار الاريترية إبراهيم المختار أحمد عمر .

(2)


تفتقت نبتة الشعر بتجربة عاطفية ، فكان ميلاد أول قصيدة بالتجرنية :(فقري حسوم/الحب القاسي)، بالاشتراك مع صديقه الفنان عثمان عبدالرحيم، المولود في أسمرة 1948م، المقيم في السويد. و لسبب ما ، فقد كلمات القصيدة ، لكن عثمان عبدالرحيم، أقتيس مطلع القصيدة، و أضاف اليها كلمات حتى أصبحت مقطوعة غنائية عنوانها (فقري عور أمًنْي/ الحب أعمى)، و شارك بها ضمن فرقة أسمرا الفنية في حفل اديس بابا 1964م المنقول على الهواء مباشرة .


شكّلت هذه الأغنية نقلة نوعية و ثورة لحنية قلبت موازين قواعد الغناء الذي كان سائدا وقتها و لروعة كلماتها العاطفية مع الارتقاء باللحن الإريتري. و كانت نواة التعاون بين الصديقين حتى اليوم. و أشهر علامات التعاون بينهما القصيدة الغنائية " منى"، لحن و أداء عثمان عبدالرحيم من كلمات لوبينت.


الجدير بالذكر أن الصداقة جمعت بينهما مع صديق ثالث، هو الأديب أحمد سعد، رفيق لوبينت منذ مسقط رأسيهما حرقيقو حتى استقرارهما في اسمرة. و الذي درس مع عثمان عبدالرحيم في مدرسة الجالية العربية.


و من ثمرات هذه الصداقة غنائية " يا شعبنا المغوار " للشاعر أحمد سعد ، لحن و غناء عثمان عبدالرحيم ، التي سُجلت في الإذاعة الصومالية في سبعينيات القرن الماضي. و كان لوبينت مشاركاً في هذا العمل بتغير احدى مفردات القصيدة مما أغضب أحمد سعد .


كانت التجربة الثانية مع الفنان الأمين عبداللطيف ( 1939-2017م) في أغنية:" اي افقركون بزيكاخي"، التي كتبها لوبينت في سنة 1966م. و استمر التعاون بينهما حتى منتصف الثمانينيات ، حيث جمعت الأيام بينهما في مدينة جدة في عدد من الأغنيات بلغة التجري من كلمات لوبينت ، لحن و الأداء الأمين عبداللطيف.


اغترب لوبينت الى لندن، و عاد الأمين الى اريتريا بعد التحرير ، و لسان حاله:" أتمنى أن اقابل الشاعر محمود لوبينت ، هو الشاعر الوحيد الذي يعبر عن دواخلي، و يكتب بكلماته كل الذي ارغب في قوله شعراً و غناءً ".


كانت هذه الأمنية واحدة من أمنيات الراحل الأمين عبداللطيف أفصح عنها في حوار مع الإعلامي أبوبكر صائغ (الأمين عبداللطيف، أيقونة الفن الأرتري)، و منشورة في عدد من المواقع ، و منها مدونة الأمبن عبداللطيف.


و قد تعاون لوبينت مع الكثير من الأدباء و الفنانين، و لديه قصائد مغناة باللغات العربية و التجرية و التجرنية من كلماته أو الحانه بأداء الفنانين دون الإشارة اليه.


(3)


القاهرة ليست مكان للتحصيل العلمي فقط، وإنما مكان الصدمات الحضارية، فقد كانت الخلافات الاريترية وأمواجها المتلاطمة بين انصار الجبهة، و أنصار الحركة في أوجها حين وصل اليها. حيث التحق بالأزهر الشريف في ظل تلك الأحداث. و كان الطلبة يسجلون في الأزهر للحصول علي المنحة ثم يلتحقون بالمدارس الثانوية التي تؤهلهم للالتحاق بالجامعات المصرية. أيضاً اكتشف الكثير من مدهشات العصر وأسس لنفسه أفقًا مختلفًا بعيدًا عن أفقه - بين اسمرا و حرقيقو -، الضيق واكتسى بنزعة معرفية ووجدانية وسياسية جديدة .


درس الثانوية مع ممارسة الأنشطة الثقافية، حيث ساهم مع أقرانه بتأسيس الفرقة الفنية التي تأثرت بالخلافات لدرجة أن كل طرف لا يتنازل للآخر. مما أدى الى أن يكون أعضاء الفرقة متساوية الأعضاء بين الطرفين (الجبهة / الحركة)، فكأن مغن الفرقة بلغة التجرنية حتى توقف عن المشاركة بعد التحاقه بجامعة القاهرة، قسم الصحافة بكلية الآداب في أكتوبر 1965م، و حصل على درجتها العلمية ليسانس صحافة في يونيو 1969م .


كانت فترة الجامعية خصبة بالعطاء ، حيث بدأ يحتك بالآخر وينشغل بالأوضاع السياسية والفكرية ويقرأ لرواد الشعر الحديث من أمثال السياب وصلاح عبدالصبور وأمل دنقل ، أبو القاسم الشابي ، و البيات . و يعود ذلك الى علاقاته المتميزة مع الجميع خصوصاً مع الشاعر عبد الرحمن سكاب (1939- 2003م)، الذي مارس كتابة الشعر و النشر منذ أواخر الستينيات. و الثاني الشاعر و المسرحي أحمد سعد (1945-1978م)، الذي برزت موهبته في مطلع السبعينيات. و الاثنان رمزان من الرموز الأدبية الاريترية في القاهرة.


كتب لوبينت عن علاقته بسكاب بقوله:" تعرفت على الصديق عبدالرحمن في بداية عام 1964م في مدينة البعوث الإسلامية التابعة للأزهر الشريف بالقاهرة. كنا من القادمين الجدد، فارق العمر بيينا كبير، والمستوى العلمي واللغوي لا يشجع على إقامة علاقة متوازنة بيننا، لكن حبنا للشعر العربي كان السبب في أن تربطنا علاقة وطيدة لتصبح رابطة تلميذ بأستاذه وطالب علم بشيخه". ويقول:"كنت أهرع إليه كلما كتبت قصيدة جديدة، ليستقبلني دائماً برحابة صدر وابتسامة عريضة، ثم يطلب مني أن أقرأ عليه ما كتبت وبصوت عال.. وبعدها تبدأ دروس التصحيح والتنقيح والتعديل والتبديل مسبوقة –طبعاً- بالثناء والتقريظ" .


تأثر بالشاعر أحمد سعد، صديق العمر، حيث مضى بهما القطار من حرقيقو، الى اسمرة ، القاهرة ، و جـدة المحطة الأخيرة التي غادرها أحمد سعد الى ليبيا ليعمل مهندساً في مشروع تاجورة الزراعي. و فيها تعرض لحادثة سير ، توفي على أثرها ، و دفن في العاصمة طرابلس الغرب 1978م.


هو الصديق الذي تأثر بقصائده الوطنية في السبعينيات ، فكانت نقلة نوعية حتى يكتب لوبينت القصيدة الوطنية منذ 1976م . و تُعتبر قصيدة " و نضالي ملحمة "، منشورة في مجلة الثورة ، العدد 176 السنة (20) فبراير 1982م، من القصائد الوطنية حيث تناول فيه هويته الذاتية المتناغمة مع المكان الاريتري ليشكّل في نهاية المطاف القصيدة الثورية:(" لست يا صاح بشاعر /برموز يحشو بيتا /وبلولا أثر ليت / وبلوركا أو بكافكا /إنما رمزي الوضوح/ رفيق الدرب أنت/ ذكرياتي حية/ غرست في ” وادي بركة”/ ولقد أحببت ” نارو”/مثلما أحببت “لبكا”. لست والله بشاعر/ شعره علم الفلك/ أن عصاه اللفظ أعطى ما ملك/ أو أضاع الوزن خلي المعترك/ أنما لفظي رصاصة / من أصابته هلك /وموازيني كمين /وزناد.. وشرك ").


كما تُعتبر مرثية أحمد سعد من أجمل قصائد الرثاء من شاعر الى شاعر اريتري بعد رثائية سكاب لأستاذه الأديب محمد سرور . و سطرها بعنوان "مرثية للشاعر المقيم أحمد محمد سعد":(" تفرقنا يمزقنا / وصوتُ الحبِّ يجمعنا / وكنتَ النبضَ والاحساسَ / والماساة ترهقنا / وتسحقنا ./ وكنتَ الشاعرَ الثائر/ تحذرنا وتنصحنا / ونحنُ الزيفُ يملأنا / ويحكمنا / أقمنا بيننا سدًا / وألوانًا تميزنا / وأحقادا تفتتنا / نعمقها لتسحقنا. وعانيا كما عانيتَ يا صاحِ/ وكم عانتْ مسيرتـُنـا / وكنت الصادقَ الواعي / وكنت الصادقَ الواعي / بأخطاءٍ تُبَصِّرُنا / وتُشْجينا وتُبكينا ./ وكنا يا صديقَ العمرِ والغربةْ / بلا هدفٍ / وأحيانًا بلا موقفْ / بلا وعىٍ سدًى نهتفْ/ تفرقنا يُمزقنا دمًا ننزفْ / وأنتَ تصارعُ الأهوالَ من زمنٍ / بلا كللٍ ولا مللِ / ولم نَـدْرِ / بانك قد تفارقنا / على عجلِ / وتتركنا على أعتابِ إشراقةْ.../ صديقَ العمرِ يا أحمد/ وشاعرَ زحفنا الأوحدْ/ وعصفورا بأيكنا طالما غَرَّدْ ").


(4)


كتب الأديب و الإعلامي مصطفى محمد كردي، مقالاً منشور في موقع فرجت نت الاريتري تحت عنوان:" محمود لوبينت " كتبت فاجدت .. فهلا نوعت". حيث وصفه بالشاعر و الأديب البحاثة مع احتفاؤه بقصائده:" اول ماقرأت للاستاذ لوبيـنت بعض قصائده الرائعة فى مجلة الثورة التى كان يصدرها الاعلام الخارجى لقوات التحرير الشعبية، وكان ذلك منذ سنوات طويلة مضت، ولا زلت حتى الآن اذكر احتفائى بقصائده الرائعة وعلى رأسها ,,نظارتى السوداء،، واذكر اننى نقلت له اعجابى ذلك، خلال لقاء فنى جمعنى به فى منزل الصديق الفنان عبد الله اندول فى حى الشرفية بجدة، وضم اللقاء العديد من المبدعين منهم الاستاذ الفنان الكبير محمد باعيسى رائد الاغنية الوطنية والعاطفية بلغة التقرى، والاستاذ الفنان الصديق ادريس محمد على أحد قممنا الفنية السامقة، والاستاذ الفنان الصديق العاشق ابراهيم محمد علي قورت صاحب الاغنيات الطويلة والمعانى المترادفة، والصديق العزيز حسين ادريس شيخ، والاخ الاكبر ابوبكر محمد علي الممثل الارترى البارع الذى جسد دور الحاجب الشخصى للامبراطور الاثيوبي هيلى سلاسي، فى المسرحية الـرائعة التى كتبها الراحل المبدع الشاعر رمضان عثمان قبري، وادى فيها دور الامبراطور، والتى كانت تعرض فى مختلف مدن السودان فى مطلع السبعينيات". و لم يقف كردي عند هذه النقطة ، و إتما أوضح رغبته في روية لوبينت في الفضاء العربي .


لوبينت مُغرم بتراث التجري حتى الثمالة، و ليس أدل من ذلك فرحته برموز قصيدة التجري ادريس ود أمير حين وجد صورته حيث كتب:"صورة الفنان إدريس ود أمير كانت مختفية.وجدتها اليوم.. وفرحت بها كثيرا..في بداية عام ١٩٨٧ كنت بصدد توزيع شريط لأغاني المرحوم إدريس ود أمير . و بحثت عن صورة له ولم أوفق.


والتقيت في جدة - لأول مرة وبالصدفة المحضة - مع الأخ عثمان حاج محمد الذي أعطاني صورة فوتوغرافية لادريس ود أمير مع بعض أصدقائه.. فأخذت الصورة لرسام فليبيتي أبدع في نقلها فبدت وكأنها صورة فوتوغرافية ملونة وحديثة... ووزع شريط أغاني إدريس ود أمير وعلى غلافه صورة الفنان الراحل في جدة بتاريخ ١٧- ١٢- ١٩٨٧ م).


هذه الثمالة ليست عاطفية بل منطقية فقد طلب كردي هجرة الكتابة بلغة التجري:" أذكر اننى طلبت من العزيز لوبينت ان يهجر الكتابة بلغة التجرى لأنه اكثر تطريبا كشاعر بالعربية، وذلك بعد ان استمعت الى قصائده الجيدة بالتقري، ولكنى والحق يقال، تفاعلت اكثر مع ابداعه المكتوب باللغة العربية، قد يكون ذلك ناتجا عن تذوقى الافضل للقصائد العربية ".


رؤية مصطفى كردي بعد تجربة سماعية لكن لوبينت له رأي اخر، ليس فنياً، و إنما رسالة/ موقف، و الحديث لكردي:(" اذكر ان العزيز لوبينت لم ترقه وجهة نظرى فى مسألة مايمكن ان نسميه المفاضلة بين شعره المكتوب بالعربية والتجرى، وقال لى مامعناه انه يريد ان يتلمس ويعكس المشكلات للعامة الذين لا يجيد معظمهم القراءة ولكنهم يستطيعون بالطبع التسمع لقصائده بالتقرى، بعد ان جرب كتابة الشعر بالتقرينية والعربية وربما الامهرية، وزاد بأن قال لي مانصه:ـ بأنه لا يكتب للمثقفين واشبابههم انما للجماهير القابعة لأسباب عديدة كل او جل وقتها فى قهوة ,, عرتت،، بجدة ").


-: عرتت ، مفردها عرات بلغة التجري، و المقصود السرير/ قعادة، حيث تنتشر المقاعد في المقاهي الشعبية بمدينة جدة . و كأن أشهرها مقهى الغامدي بجوار مستشفى باب شريف. و كان رواده من الاريتريين خصوصاً أهل مدينة مصوّع .


و من ثمّ شرع أبوابه من أجل الجماهير القابعة ليمنحهم ارث التجري من ذاكرة مفعمة بأجمل المعاني، وهو ذات العنوان الذي نمق الحكايات الأولى وصاغته القوافي وتغنى به المنشدون، إنه الغناء الشعبي من تراث التجري في اريتريا . و هو سادن الهوية وقنديل يستمد نوره من التراث المحلي بدليل جمع مختارات من أشعار ادريس ود امير واصداره في البوم عام 1984م بعنوان"أغاني و أشعار التيغري، الكلمة و اللحن من التراث".


كما وثق مسقط رأسه عام 1983م في قصيدة غنائية بلغة التجري:" دخنو عباي"/ دخنو الكبرى،حيث أن" دخنو " اسم أخر لحرقيقو . حيث اللون الأزرق بحراً ، مصدر الرزق لأهلها و مراكبهم البحرية- سنابيك-، و قصص الأهالي عن التأريخ و الغزاة ، و ذكرياته عن المكان و الدكاكين العتيقة.

(5)


تحدث لوبينت عن تجربته الفنية في حوار مع الإعلامي أحمد الحاج في مارس 2003م أثناء زيارته لمدينة ملبورن الاسترالية و أحيا فيها أمسية غنائية بلغة التغرينية . حيث اكد في اجاباته على أهمية مخاطبة الجموع بلغتها - لغة التجري- او بما يتوافق مع ارثها. و هو اختار شريحة يتوجه اليها بلغتها و ارثها مع مشاركة الاخرين في مشاعرهم بما لديه من احاسيس ترجمها باللغتين العربية و التجرنية. و من ثمّ نجد علاقته بالقصيدة العربية أشبه ما تكون بقصة حب من طرف واحد لأن القصيدة عصية حسب المقطع الرابع من قصيدة :"أنتِ القصيدةُ فأكتبيني ".. مجلة النهضة الاريترية، مؤرخة في لندن أكتوبر 2013م


أنتِ القصيدةُ يا عصيةُ


فأكتبيني ....


وقَسِّمِيني إلى مقاطعْ


وعندما ينداحُ بوحكْ


يصبحُ الشَّدْوُ مباحاً


ومشاعاً


وأنا كلِّي مَسامعْ .


قَلْبي المتيم ُ مزهرٌ


وشغافُهُ الأوتارُ تَهفُو


لدوزنةٍ وتحنانِ


وشدوكِ مثلَ عزفُكِ


رائعٌ .... رائعْ....

أشار اليه أبو المعالي علي ،في مقاله:"الحنين الى الوطن في الشعر الارتري"، مجلة الرسالة، العدد(20) مارس 2016م صفحة(31). حيث أعتبره من فئة الرمزيين:" ومن شعراء هذه الفئة الشاعر الكبير محمود لوبينت الذي يخاطب الوطن في عيون العصفورة و يقول :


" عيناك سفر ....بدون إياب


عيناك محن وبقايا ألم


وشظايا حلم ورفات وطن


بمناف ترفع أعلاما لأي وطن


وتعدلنا كشوف حساب


وتمنحنا.. جواز سفر


وأمنية بحسن مآب


إلى أن يقول


عيناك أفق


عيناك قفص


فإلام ستبقى العصفورة


تحلق دوما مقهورة


في أفق أضيق من أي قفص ").

و لا يتوقف عند هذه القصيدة بل يذهب الى قصيدة أخرى:( هاهو الشاعر لوبينت في قصيدة أخرى بعنوان " كل شيء جائز"، يستنطق الأشياء والأشياء في صور رمزية عذبة، كأنه يصور لنا كيفقامت الثورة الإرترية بعنفوان وثبات رجالها ، حتى كادت أن تحقق الحرية في وقت مبكر من عمر الثورة ، ثم كيف اندثرت الثورة وتلاشى معها حلم الاستقلال بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى ؛ بسبب الانشقاقات التي تاهت بالثورة عن مسارها الصحيح :( " ربما كانت سحابة / أمطرت من غير قصد / دون برق أو رعود / فجرت في الأرض أشواق الوجود / وتوارت ... / بعد أن أحيت ما أمات الصيف فينا / وتلاشت في الأفق /كل شيء جائز ").



صدق أبو المعالي، لوبينت شاعر حالم ، يهرب من الواقع بالرمزية التي وجدها في الطيف / المرأة ، و حاول التواصل معها لتكون القناع الخادع للقارئ ، فسقط في شباكها مثلما سقط في شباك مدرسة "أبولو" بعد قراءة ديوان " من السماء ". و بعد سنوات و سنوات من الكتابة باللغتين التجري و التجرنية يعود الى اللغة العربية مع عيون العصورة التي يخاطبها :(" سيدتي: جربت التواصل معك بلغة العيون واخفقت , فشرعت في قراءة عينيك, لا كفك..فماذا وجدت ؟ في عينيك بريق يسحر الألباب، وأمان عذاب، وأحلام يصعب تفسيرها – حتى لو استعنت بأبن سيرين وسيجموند فرويد - وفي عينيك آمال يستحيل تحقيقها، وأعاصير عاتية لا يصدها زيف أو يخفف من حدتها باطل.. أنت الأصل وأنت الصورة ، وأنت الحل وأنت الفزورة ، وأنت المتواضعة والمغرورة .. ومن وحى عينيك- يا عصفورتي الطليقة والسجينة-والمنصورة والمقهورة- كتبت ما كتبت ,, و بفضلك عدت لقرض الشعر المكتوب من اليمين الى اليسار بعد طول غياب... ")



و نحن نقول الحمدالله على العودة الى كتابة القصيدة العربية آملين أن يتم جمع القصائد بين دفتي كتاب . المصدر >>>>>

59 views0 comments

Comentarios


bottom of page