تبحث سبل تطوير آليات فعالة من شأنها المساهمة في إيقاف نزف الحرب في الخرطوم
محمود أبو بكر صحافي مختص في شؤون القرن الافريقي الخميس 13 يوليو 2023
بعد أيام من رفضه للمبادرات الدولية والإقليمية لحل الحرب المستمرة في السودان، توجه الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى العاصمة المصرية القاهرة، للمشاركة في قمة دول جوار السودان التي انطلقت اليوم الخميس.
وقال وزير الإعلام الإريتري يماني جبر مسقل على "تويتر" إن أفورقي لبى دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى حضور قمة قادة الدول المجاورة للسودان، ويضم الوفد الرئاسي وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح والمستشار السياسي للرئاسية الإريترية يماني جبرآب.
وتأتي مشاركة أفورقي في قمة القاهرة بعد أيام قليلة من رفضه للمبادرات الدولية والإقليمية لحل الصراع في السودان، وذلك خلال اجتماعه مع نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار والوفد المرافق له أثناء زيارتهم للعاصمة الإريترية أسمرة.
ونقل عن مالك عقار قوله "إن الرئيس الإريتري أبلغني رفضه لجملة من المبادرات الدولية المطروحة لحل أزمة السودان"، وأضاف أن أفورقي وصف تلك المبادرات بـ"بازارات سياسية لا تقبل بلاده الانخراط فيها"، مؤكداً أن "الوضع في السودان هو شأن داخلي يخص الشعب السوداني".
وأوضح أن التدخل الخارجي المفرط في أزمات الخرطوم لن يؤدي إلا إلى تفاقم التعقيدات"، داعياً في الوقت نفسه السودانيين إلى حل مشكلاتهم بأنفسهم، لإبطال التدخلات الخارجية السلبية في شؤون بلادهم.
وكانت القاهرة دعت لقمة عاجلة لدول جوار السودان، لبحث سبل "تطوير آليات فعالة" من شأنها المساهمة في إيقاف نزف الحرب في الخرطوم.
وأثارت مشاركة أفورقي في المبادرة التي دعت إليها القاهرة جدلاً في الأوساط السياسية الإريترية والسودانية، باعتبار أنها "لا تعكس الموقف الذي نقل عنه على لسان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني خلال زيارته لأسمرة"، في حين رجح بعض المراقبون أن تكون إشارة أفورقي تخص مبادرات أخرى، من بينها "مبادرة الرباعية لمجموعة إيغاد التي دعت أول من أمس الإثنين من أديس أبابا، إلى عقد قمة إقليمية لبحث نشر قوات لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات، بعد نحو ثلاثة أشهر من القتال بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع".
وهي المبادرة التي رفضتها الحكومة السودانية، وقالت في بيان رسمي "إن مطلب نشر قوات لحماية المدنيين داخل السودان يتنافى مع مبدأ السيادة، مؤكدة أنها تعتبرها قوات أجنبية"، علاوة على تحفظها على الرئيس الكيني وليام روتو كرئيس للجنة التي تقود المحادثات، متهمة إياه بـ"الانحياز" لقوات "الدعم السريع"، التي تحارب الجيش السوداني.
تباين في "إيغاد"
بدوره رأى المحلل السياسي المتخصص بشؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن أبو هاشم، أن موقف أفورقي من المبادرات الدولية المطروحة مفهوم تماماً، ذلك لجهة تعارضها مع نظرته لأزمات السودان والقائمة أساساً على المحافظة على وحدة الجيش السوداني ومركزيته.
ويعتقد "هناك تباين بين مواقف الدول الأعضاء في منظمة ’إيغاد‘ بشأن الحلول المقترحة للأزمة السودانية"، مشيراً إلى "غياب الرئيس الإريتري عن المشاركة في قمة ’إيغاد‘ في جيبوتي، ثم عن المداولات الخاصة بالسودان في أديس أبابا".
ويرجح أن تكون الانتقادات التي وجهها للمساعي الدولية ذات علاقة بالاقتراح الأخير الذي أطلقته قمة "إيغاد" المصغرة في إثيوبيا، والخاصة بنشر قوات أفريقية في السودان بغرض حماية المدنيين. وفي رده على سؤال "اندبندنت عربية" حول مشاركة أفورقي في قمة جوار السودان بالقاهرة، أجاب بالقول "ويبدو أن موقف إريتريا ينسجم مع الموقفين السوداني الرسمي بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان والمصري" ويحدد نقاط الاتفاق، على "ضرورة الحفاظ على تماسك الجيش السوداني، باعتباره يمثل اللبنة الأساسية للمحافظة على كيان الدولة السودانية من الانهيار التام"، علاوة على الفهم المشترك حول المحافظة على السيادة السودانية، متوقعاً أن ينتج من قمة القاهرة "تفاهمات بين رؤساء مصر وإريتريا وجنوب السودان، وقد يتطور إلى تحالف قوي بين الدول الثلاث التي ترى نفسها الأكثر تضرراً في حال انهيار الدولة السودانية، لما لهذه الدول من تداخل جغرافي وديمغرافي كبير"، ولعل استباق أفورقي لانطلاق أعمال القمة بقمة ثنائية مع نظيره الجنوب سوداني سيلفا كير ميارديت في القاهرة يشير إلى بداية التنسيق المشترك.
دعم مساعي القاهرة
وقرأ أبو هاشم العوامل التي تدفع أفورقي للتوجه نحو القاهرة بدلاً من أديس أبابا، إضافة إلى وحدة رؤيتهما في ملامح الحل في السودان يتمثل في الفتور النسبي الذي تشهده العلاقات بين أسمرة وأديس أبابا، خصوصاً بعد اتفاق بريتوريا للسلام، إذ يبدو أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي آحمد استجاب للضغوط الأميركية والأوروبية، في إيقاف الحرب على رغم انتصاره على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ثم انقلابه على حلفاء الأمس أمهرا والجيش الإريتري، اللذين كانا سنداً قوياً له في حربه لعامين في تيغراي.
وأكد أن أفورقي قد يدعم أية مبادرة مصرية تحافظ على سيادة السودان وتماسك جيشه النظامي على حساب قوات "الدعم السريع"، لأن ذلك ينسجم مع طبيعة النظام الإريتري، الذي يعد شديد المركزية في تعاطيه مع الأزمات الداخلية والخارجية.
كما أنه من المرجح أن تقف القاهرة ضد أية محاولة للتدخل الخارجي، لا سيما في الشق العسكري بالسودان، إذ يعد الأخير الخلفية الاستراتيجية للأمن القومي المصري، الأمر الذي يتماشى مع الحساسية الإريترية تجاه التدخلات الخارجية.
مبادرة مرتقبة
من جهة أخرى علق المحلل المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، على تصريحات أفورقي التي نقلت على لسان مالك عقار، والخاصة بدعوة السودانيين إلى حل مشكلاتهم بعيداً من التأثيرات الخارجية، معتبراً "الحديث عن ترك السودان يحل مشكلاته بنفسه، لا يبدو وجيهاً في هذا الظرف الصعب الذي تعيشه الخرطوم"، لا سيما "وأن ثمة تداخل للأزمة الراهنة مع قوى إقليمية وربما أبعد من الإقليم، إذا أخذنا في الاعتبار الاتهامات التي تشير إلى وجود مرتزقة من روسيا ودول الساحل والصحراء".
ليخلص بالقول "سيكون من الضروري على دول الإقليم بقيادة مصر القيام بحملة دبلوماسية واستراتيجية وأمنية تفضي إلى استعادة الأمن والاستقرار في السودان، كي لا يتحول إلى دويلات قبلية متصارعة تقاتل بعضها بعضاً"، وهذا ربما ما دفع القاهرة نحو الدعوة إلى هذه القمة الاستثنائية لدول جوار السودان.
من جهته قال المحلل السياسي الإريتري إبراهيم إدريس إنه من "الواضح أن فشل المساعي الدولية إلى حل الأزمة السودانية منذ اندلاعها، رسخ حقائق جديدة تتمثل في ضرورة أن تتحرك الدول المجاورة"، باعتبارها المتضرر الأول بشكل مباشر من استمرار الأزمة، فضلاً عن "رصيد العلاقات التاريخية بينها وبين الخرطوم، إذا ما أخذنا في الاعتبار أبعاداً كثيرة من بينها التداخلات الثقافية والعرقية والتجارية بين شعوبها والشعب السوداني، كل ذلك ظل يرشح دول الجوار للعب أدوار مهمة في مسار تلمس الحلول".
وأضاف "في اعتقادي أن دول الجوار السوداني هي المستفيد الأول من إيجاد حل سلمي للأزمة"، منوهاً "ليس ثمة غلو في الاعتقاد إن اعتبرنا أنها الأكثر قدرة على حلها، لجهة أنها تملك إدراكاً جيداً لأبعادها، فضلاً عن أنها أسهمت في وقت سابق في حلحلة جزء من الأزمات التي شهدتها الخرطوم تاريخياً، سواء في قضية جنوب السودان، أو أزمتي دارفور وشرق السودان، إضافة إلى علاقة النظام السابق مع معارضيه في الشمال".
وكشف عن "أن أسمرة كانت قدمت مبادرتها قبل وبعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات ’الدعم السريع‘، وتم إيفاد مبعوثين بهذا الخصوص للخرطوم"، مؤكداً أن تلك المبادرة لم يكتب لها النجاح حينها.
ورجح أن تكون أسمرة وجدت بعضاً من الفهم المشترك بين مبادرتها السابقة ودعوة القاهرة إلى التفاوض حول سبل إيقاف الحرب، من خلال إشراك الدول التي ترتبط بحدود مشتركة مع السودان. ورأى "أن القاهرة بعلاقاتها التاريخية مع السودان، فضلاً عن إمكاناتها الدبلوماسية، قد تنجح في طرح مبادرة فاعلة، لا سيما إذا ما حظيت بتأييد دول الجوار".
ويقدر أن إريتريا وتشاد وإثيوبيا تمتلك علاقات جيدة مع طرفي النزاع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، وبالتالي فإن ذلك قد يسهم بشكل فاعل في تدعيم الموقف المصري الساعي إلى إيقاف الحرب، من خلال تضافر جهود دول الجوار بقيادة القاهرة.
الحساسية من التدخل الخارجي
ويعتقد المحلل السياسي الإريتري، أن أسمرة لديها حساسية بالغة من أي تدخل خارجي، وذلك عائد لتاريخ هذه التدخلات في إريتريا، بخاصة بعد النزاع الحدودي مع إثيوبيا وتداعياته السليبة، لا سيما بعد طلب أسمرة من قوات حفظ السلام الدولية مغادرة أراضيها بشكل منفرد، وما تبع ذلك من عقوبات وعزلة دولية، مما يدفع إريتريا إلى الجنوح نحو دعم "الحلول الداخلية، بمساعدة الدول المجاورة ذات المصلحة المباشرة لاستتاب الأمن والسلام في المنطقة".
ويبرر الترحيب الإريتري بمبادرة القاهرة في الدعوة إلى قمة دول جوار السودان ضمن هذا الفهم المشترك، الذي يسعى إلى استبعاد أي تدخل مباشر في شؤون السودان الداخلية، مذكراً بتصريحات الرئيس الإريتري بعد اندلاع الحرب، إذ أكد "أن التدخلات الخارجية لا تساهم إلا في تعقيد الأزمة"، معدداً جملة من التجارب الأفريقية التي تفاقمت فيها الأوضاع نتيجة العامل الخارجي. المصدر ..>>>>>>
Comments