أفورقي التقى بوتين في موسكو اليوم وأجرى قبلها بأسبوعين محادثات مع بكين
محمود أبو بكر صحافي مختص في شؤون القرن الافريقي
التقى الرئيس الإريتري أسياس أفورقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي استقبله اليوم الخميس في قصر الكرملين، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس الدولة الأفريقية للعاصمة الروسية منذ استقلال بلاده عام 1993، والتي تستمر أربعة أيام، وقبلها بنحو أسبوعين زار بكين للقاء رئيس الصين شي جينبينغ، فما هي الأهداف الرئيسة التي تحاول إريتريا تحقيقها من خلال اندماجها في المحور الروسي - الصيني.
المكتب الصحافي للكرملين قال في بيان "إن بوتين ناقش مع نظيره الإريتري "آفاق تطوير العلاقات الثنائية بين روسيا وإريتريا في مختلف المجالات، فضلاً عن مناقشة مجموعة من القضايا ذات الصلة على الأجندة الإقليمية والدولية".
وأضاف مكتب الكرملين "أن محادثات الرئيسين تركزت على تفعيل ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لأسمرة في يناير (كانون الثاني) الماضي، والتي تضمنت تعميق التعاون الثنائي في المجالات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والتعليمية، فضلاً عن مناقشة الوضع الدولي الراهن، لا سيما ما يتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية وتنسيق المواقف الدبلوماسية في المنظمات الدولية.
بدوره قال وزير الإعلام الإريتري يماني قبري مسقل عبر حسابه على موقع "تويتر" إن "محادثات أفورقي مع بوتين تركزت حول تعزيز العلاقات الثنائية والقضايا الدولية والتطورات ذات الاهتمام المشترك".
محور صيني - روسي
وتأتي زيارة أفورقي لموسكو بعد أسبوعين من زيارة رسمية إلى بكين في الـ 15 من مايو (أيار) الماضي، التقى خلالها نظيره الصيني شي جينبينغ، والذي أشار إلى أنها ذات "أهمية كبيرة للحفاظ على السلام الإقليمي والإنصاف والعدالة الدوليين"، مضيفاً أن بلاده مستعدة لمواصلة تطوير الشراكة الإستراتيجية مع إريتريا، وتعزيز التعاون بشكل مشترك من خلال بناء أطر ومنصات، بما في ذلك مبادرة "الحزام والطريق" ومنتدى التعاون الصيني الأفريقي ورؤية السلام والتنمية في القرن الأفريقي.
وشدد شي خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب المحادثات على أن بلاده "تقدر التزام إريتريا بسياسة خارجية مستقلة على المدى الطويل، وأنه مستعد للعمل المشترك مع أسمرة لمعارضة الأحادية وحماية المصالح الدول النامية"، لافتاً إلى الدور الإريتري في المساعدة على "إجلاء المواطنين الصينيين من السودان".
بدوره قال أفورقي خلال لقاء تلفزيوني أجراه مع محطة "سي جي تي إن" الصينية، إن بلاده تدعم مواقف بكين الهادفة إلى إنهاء الأحادية القطبية على المستوى الدولي"، مشيداً بالاستثمارات الصينية الكبرى في أفريقيا ومؤكداً أن "القارة السمراء تعاني سياسات الهيمنة واستنزاف الثروات من قبل القوى العظمى"، داعياً إلى "نظام دولي يتصف بالإنصاف والعدالة الدوليين".
كسر العزلة
ويسعى أفورقي إلى توسيع مجالات التعاون مع موسكو، لا سيما وأن نظامه يعاني آثار الحظر الاقتصادي الذي تفرضه عليه الولايات المتحدة الأميركية، مما أسهم في تعثر كثير من مشاريع التنمية في البلاد، فضلاً عن العزلة الدولية لأسمرة منذ ما يقارب العقد من الزمن. وتستهدف زيارة أفورقي موسكو إيجاد بدائل روسية في مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والتعدين والتعليم، إضافة إلى الاستفادة من التكنولوجيا العسكرية الروسية لإعادة تحديث وبناء الجيش الإريتري الخارج من حرب طاحنة بإقليم تيغراي الأثيوبي، لا سيما وأن الاتفاقات التي وقعها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أسمرة في يناير الماضي نصت على تحديث وتأهيل المؤسسة العسكرية الإريترية.
قاعدة روسية
وسبق للسفير الإريتري لدى موسكو بيطروس تسيغاي أن صرح لموقع "سبوتنيك" الروسي قائلاً إن "بلادنا لا تعارض بناء مركز لوجيستي روسي على سواحلها"، داعياً "إلى دور أكبر لموسكو في القارة السمراء، أسوة بالقوى الأخرى التي تتمدد في القارة"، وهي التصريحات التي أثارت بعض اللغط على المستوى الإريتري حينها، لا سيما وأنها تتعارض مع السياسات التي تعلنها أسمرة عن عدم ترحيبها بأي وجود أجنبي على سواحل البحر الأحمر.
ووصف المحلل السياسي الإريتري سليمان حسين "المعلومات المتداولة بأنها لا تتجاوز كونها حملات إعلامية تتقاطع مع الرغبة الروسية، لكنها بعيدة تماماً من سياسات بلاده"، لافتاً إلى أن الاتفاقات التي تم توقيعها في أسمرة خلال زيارة وزير الخارجية الروسي تتعلق بالتعاون الاقتصادي والتجاري وتحديث عتاد الجيش الإريتري.
جذب اهتمام
ولفت المحلل السياسي المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن سيد إلى أن "النظام الإريتري ظل يعيش حال عزلة دبلوماسية خانقة منذ حرب الحدود مع أثيوبيا بين عامي 1998 و2000، وأنه لطالما حاول فكها عبر البوابة الصينية الروسية حيناً أو الغرب أحياناً أخرى"، مضيفاً أن غياب المصلحة الملحة لتلك الدول تجاه إريتريا وعدم توافر الدافع الإستراتيجي أفضيا إلى "فشل كل المحاولات الإريترية لجذب اهتمام الإدارات الأميركية المتعاقبة".
وقال سيد إن "الحرب الروسية - الأوكرانية قادت أسمرة إلى إتخاذ موقف معارض للقرار الدولي الخاص بمعاقبة موسكو، إذ كانت ضمن الدول الخمس التي أيدت الموقف الروسي في الأمم المتحدة بالتصويت ضد القرار، مما مثل فرصة جديدة لإعادة تفعيل العلاقات الثنائية".
وأشار المتخصص في شؤون القرن الأفريقي إلى أن الاضطرابات التي تشهدها السودان وإثيوبيا المجاورتان لإريتريا أسهمت في وضع أسمرة ضمن قائمة اهتمامات موسكو وبكين، قائلاً إن الصينين والروس وجدوا "إريتريا دولة صغيرة الحجم، لكنها لأكثر تماسكاً واستقراراً، وبإمكانها لعب أدوار إستراتيجية في هذه المنطقة المهمة"، منوهاً بموقعها على الشاطئ الغربي لجنوب البحر الأحمر المطل على باب المندب، مما يجعلها ذات أهمية جيوسياسية للدول الكبرى التي تسعى إلى الاستفادة منها كقاعدة عسكرية متقدمة في المنطقة".
زخم دبلوماسي
وأكد سيد أن أفورقي يسعى إلى إيجاد زخم دبلوماسي لمواجهة الحصار الأميركي الغربي المفروض على بلاده من جهة، واكتساب نوع من الاعتراف بدوره في المنطقة المضطربة من الجهة الأخرى، وبالتالي "محاولة الإفلات من العزلة الدولية".
ولا يعول سيد كثيراً على الزيارة الأخيرة والاتفاقات الموقعة بين أسمرة وموسكو على المستوى الاقتصادي، قائلاً إن "اهتمام الروس والصينيين بإريتريا سيبقى محصوراً في الجوانب الأمنية والعسكرية، وربما يتعدى ذلك إلى استغلال بعض الثروات المعدنية والبحرية بالشراكة مع المؤسسات التجارية التابعة للنظام الإريتري".
استثمار الأزمات
من جهته يرى الناشط الإريتري يوسيف جبري أن حكومة بلاده غالباً ما تعتمد "على الأزمات الدولية والإقليمية لبناء تحالفات هشة سرعان ما يتم انفراط عقدها، لافتاً إلى أن مواقف أسمرة وبخاصة تجاه الحرب في أوكرانيا فرصة لإعادة تموضع إريتريا مع المحور الروسي، سواء عبر التصويت ضد القرار الدولي في الأمم المتحدة أو الزيارات المتكررة بين المسؤولين الإريتريين والروس، واصفاً إياها بأنها "لا تتعلق بالبعد الإستراتيجي بقدر ما ترتبط بتكتيكات مرحلية". المصدر >>>>>
Kommentare