كتبه: الدكتور محمد صالح مجاوراى
متخصص فى ادارة وتطوير المنظمات وادارة التغيير
طلب منى تقديم ورقة للنقاش في مجموعة حوار لوعى مشترك هذا العام للاجابة على سؤال يؤرقنا جميعا "لماذا لم تنجح المعارضة الارترية فى تغيير النظام الدكتاتورى فى ارتريا حتى الآن؟" على الرغم من وضوح وعدالة القضية داخليا وخارجيا واستمرارالنظام الدكتاتورى فى ارتريا فى ظلم واضطهاد الشعب الارترى وازدياد أعداد المعارضين لهذا النظام يوما بعد يوم. والسؤال الثانى الذى يتبع السؤال الأول هومالذى يجب أن يتغير في عقلية وتفكير المعارضة وأساليب عملها حتى تنجح فى التغيير.
أعلم بأنه قد تم تناول هذا الموضوع سابقا مرارا وتكرارا من قبل أهل الخبرة والاختصاص من قيادات وكوادر التنظيمات السياسية الارترية ممن احترفوا السياسة ولهم دراية بعمل التنظيمات السياسية الارترية وطريقة تفكيرها والتحديات التي تواجهها ولكنى أحببت المشاركة حتى أتناول موضوع التغيير والعمل المقاوم من زاوية مختلفة هذه المرة وذلك من خلال نظريات منهجية التغييرفى علم الادارة والديناميكيات والسيكولجيات التي تحكم العمل الجماعى البشرى. وهذا موضوع يمكننى الخوض فيه لأنه مجال تخصصى. لذلك فان هذه الورقة هي محاولة لاسقاط نظريات منهجية التغيير على العمل الارترى المعارض مع بعض التحليل للواقع الارترى ومن ثم محاولة تلمس خطوات التغيير التى نجحت فيها المعارضة الارترية والخطوات التى أخفقت فيها لعل ذلك يلقى مزيد من الضوء على أسباب تأخر التغيير. ومن ثم ختمت الورقة برؤؤس أقلام عن الحلول والمعالجات المطلوبة وأهم مايجب علي المعارضة الارترية فعله بشكل مختلف عن ماسبق .
والهدف الأساسى من تقديم الورقة ليس الادعاء بأنى أملك الاجابة الصحيحة بقدر ماهو فتح لباب النقاش حول هذا الموضوع الهام والتغيير الذى طال انتظاره. سائلين المولى عزوجل أن يرفع عن الشعب الارترى هذا النظام الجاثم على صدره حتى يعيش بحرية وكرامة كبقية شعوب العالم. وقد سعدت بالاستحسان والقبول الذى لقيته الورقة كما استفدت من المداخلات الجميلة االتى أثرت المقال. وحتى تعم الفائدة على نطاق أوسع أحببت نشر المقال آملا أن يحفز القراء لمزيد من الاثراء والنقاش.
قبل البدء لابد من توضيح نقطة وهى ماذا نقصد بعلم منهجية التغييروما أهمية تناول هذا الموضوع من خلال علم منهجية التغيير. منهجية التغيير هو علم يدرس فى الجامعات وله نظريات وأبحاث وهو منبثق من مجموعة علوم مثل علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الادارة ويهدف الى مساعدة القائمين على التغيير من خلال العمل الجماعى والمنظمات من أجل تحقيق الرؤية المنشودة.
عندما نتحدث نحن عن معارضتنا للنظام الديكتاتورى القائم في ارتريا وضروة إزالة هذا النظام والعمل نحو ارتريا جديدة بمعالم حكم ديموقراطى يكون الشعب فيه هو الحاكم وتكفل فيه الحريات وحقوق الانسان اذن نحن نسعى للتغيير ونتحدث عن عملية تغيير. والتغيير هوعملية الانتقال من واقع حالى غير مرضى نعيش فيه الى واقع جديد مستقبلى أفضل نطمح الوصول اليه. الجماعات المنظمة هي من تحدث التغيير أو على الأقل تكون رأس الحربة في عملية التغيير ولذلك من الأهمية بمكان فهم إدارة العمل الجماعى المنظم وسيكولوجبة الأفراد والجماعات في تفاعلها مع بعض حتى نتمكن من ادارة التغيير بنجاح.
للأسف الشديد كثير منا يدخل الى عالم العمل الجماعى المنظم دون علم ودراية بديناميكيات وسيكلوجيات العمل الجماعى ولذلك نستغرب ولا نجد تفسيرا لبعض الظواهر التي نراها أو نعانى منها أحيانا: مثل ظاهرة الانشقاقات في التنظيمات وأسبابها ولماذا تحدث الاستقطابات داخل التنظيم على أشكال قبلية أو مناطقية ؟ ومالذى يحدث عندما تعمل مجموعة من أعضاء التنظيمات ممن هم من خلفيات مختلفة دينيا وفكريا ومناطقيا كفريق واحد في مظلة ما أو مهمة ما؟ ومالفرق بينها وبين العمل في فريق متجانس؟ لماذا نشتكى من فاعلية قياداتنا ؟ مالأسباب التي تؤدى الى تكرار الاتيان بقيادات غير منجزة ؟ هل الأسباب في القيادات أم فينا أم في طريقة عملنا؟
كل هذا يدخل في علم إدارة وتطوير المنظمات وإدارة التغيير وهو علم له نظرياته ومعادلاته التي أثبت الزمن صحتها لذلك من المهم أن نهتم بهذا العلم ونستفيد منه لتحسين أدائنا.
هناك معادلتين مهمتين في علم التغيير يلزمنا التعرف عليهما كمدخل حتي تتضح العوائق التي تحول دون تحقيق التغيير وذلك ضمن محاولتنا للإجابة على السؤال المركزى لهذه الورقة "لماذا لم تنجح المعارضة الارترية فى تغيير النظام الدكتاتورى فى ارتريا حتى الآن؟".
المعادلة الأولى: عناصر معادلة التغيير. علماء ادارة التغيير يقولون بأن هناك أربع عناصر أساسية لأي عملية تغيير (موضحة في الصورة المرفقة):
المقصود ب:
الواقع الحالي: نعنى بالواقع الحالى وضعنا اليوم - أين نحن اليوم: هذا يشمل تحليل مواطن قوتنا والأشياء التي نتميز بها ومتوفرة عندنا - مواطن ضعفنا والأشياء التى تنقصنا أو عندنا خلل فيها- الفرص التى أمامنا كمعارضة وقوى تسعى للتغيير التى لو استغليناها جيدا يمكن ان تساعدنا فى الوصول الى أهدافنا - المخاطر التى أمامنا والتى يمكن أن تعيق تقدمنا فى مسيرة التغيير
الرؤية: ويقصد بها الى أين نريد ان نصل؟ مالمستقبل الذى ننشده - . ارتريا التى نحلم بها . هى التغيير الذى نريد أن يحدث فى ارتريا وهى معالم ارتريا المستقبل بعد زوال هذا النظام .
الخطة: هى كيف نصل من واقعنا الحالى الى رؤيتنا؟ الطريقة التى ستأخذنا من واقعنا الحالى الى مستقبلنا المنشود. الخطة التى لو اتبعناها ستقودنا الى تحقيق رؤيتنا لارتريا المستقبل .
المقاومة: هى مايمنعنا من تحقيق اهدافنا. هى القوى التى لاتريد التغيير وهى القوى التى ستتضرر مصالحها اذا حصل التغيير ولذلك فهى تحاول جاهدة بكل ماتملك أن تقاوم كل محاولات التغيير. ومستعدة أن تصطف مع النظام للحفاظ على الوضع القائم الذى يضمن استمرار مصالحها. من المهم معرفة هذه القوى وأسباب مقاومتها حتى يمكن تحييدها او التغلب عليها.
المعادلة الثانية: معادلة نجاح التغيير
عند المختصين في علم إدارة التغيير معادلة مهمة مفادها بأنه حتى ينجح التغيير لابد من توفر ثلاث عوامل وبنسب كبيرة حتى يمكن التغلب على الجهة المقاومة للتغيير. كماهو حاصل الضرب لأى عدد من العناصر في أي معادلة فان ضعف أي نسبة من العناصر الثلاثة أو حتى توسطها يؤدى الى ضعف النتيجة بكاملها. لذا لابد أن تكون العناصر الثلاثة التالية بنسب كبيرة حتى يمكن للتغيير ان ينجح:
معادلة إمكانية نجاح التغيير
النسبة النهائية هي ناتج ضرب 3 عوامل. فإذا كانت النسب مثلا كما يلي
%80 %80 صفر = صفر نسبة نجاح التغيير
20 % %90 %90 = %16 نسبة نجاح التغيير
95 % %94 %90 = %80 نسبة نجاح التغيير
هذا يعني أن النسب لجميع العوامل يجب أن تكون عالية اذا أردنا للتغيير أن ينجح .
لنبدأ بتحليل هذه العوامل الثلاث ضمن الواقع الارترى:
العامل الأول هو عدم الرضا بالواقع الحالى: يعنى هل وصل مدى الألم والمعاناة التى يسببها عدم تغيير الأوضاع فى ارتريا حدا كبيرا لدرجة أنه يخلق وضعا ضاغطا من اجل التغيير. هل الألم والمعاناة وصل في الحالة الارترية درجة من القوة يدفعنا الى التغيير أم أن الألم ليس كبيرا وبالتالى يمكن تحمله. كلما زاد الألم كلما ساهم ذلك فى دفع قوى التغيير وعجل من عملية التغيير والعكس صحيح. هذا العامل موجود الى حد كبير فى الداخل بسبب الوضع الكارثى الذى خلقه النظام من الاضطهاد والتعذيب وكبت الحريات وامتلاء السجون بالأحرار وانعدام دستور يكون مرجع للجميع وبرلمان يمثل الشعب فيه عبر ممثليه وخدمة عسكرية الزامية من عمر ١٨-٥٥ سنة مما أدى الى هروب الشباب بأعداد كبيرة وافراغ البلد بسبب ذلك. بالإضافة الى حكم مركزى صارم وغياب توزيع عادل للسلطة والثروة بين مكونات المجتمع مع هيمنة لغة وثقافة مكون معين على الحياة فى ارتريا وطمس اللغات وللهويات الثقافية الأخرى - بلد يسير بدون ميزانية مالية ولايعرف الشعب الدخولات والواردت ولايعرف كيف صرفت وأين صرفت - بيئة طاردة للمستثمرين وكل من يريد ان يستثمر تنافسه الدولة - يخاف اللاجئون فيه من العودة - نظام قائم فى بقائه على افتعال المشاكل والحروب مع جيرانه .
ولذلك الوضع في الداخل مهيأ للتجاوب مع فرص التغيير أكثر من الخارج ولذلك رأينا أن أكثر المحاولات الجادة للتغيير حصلت من الداخل. مثل حركة فورتو وغيرها. لكن أهل الداخل يفتقدون العوامل الأخرى المهمة للتغيير والتي تساعد في تثبيت التغيير ان حصل مثل تحديد الرؤية المستقبلية للبلد من خلال توافق مجتمعى على مثل هذه الرؤية يمثل كل الأطياف والأعراق والديانات والمناطق. وبالطبع هذا أمر شبه مستحيل في ظل انعدام الحريات وتجريم التجمعات داخل ارتريا التي يطلب فيها المواطن التبليغ بضيفه الذى بات عنده عند أقرب مركز شرطة.
لكن لوطبقنا معيار الألم والمعاناة وعدم الرضا بالواقع الحالي على أصحاب التغيير الموجودين في الخارج وهم الذين يعول عليهم في الوقت الحالى في عملية التغيير سنجد الأمر مختلف حيث أننا نخوض الصراع من المنطقة المريحة التي تخلوا من السجن والاعتقال وهلاك النفس والأسرة والمال. ولذلك مستوى الألم والمعاناة للارتريين فى الخارج لم تصل الى الحد الضاغط الذى يجعلنا نستعجل التغيير ولعل هذا قد يكون أحد العوامل التي تؤثر على أداءنا وفاعليتنا وبالتالى تؤخر تغيير النظام الدكتاتورى عندنا فى ارتريـا رغم ضعفه. مازلنا في الخارج نسعى للتغيير من المنطقة المريحـة ولانود دفع ثمن معركة الحرية والكرامة التى تتطلب أن نعمل فى المنطقة الخطرة التى فيها القتل والاعتقال والتعذيب والاضرار بالمصالح الماديـة. البدائل والأوطان الجديدة التي ذهبنا اليها جعلتنا لانحس بالألم والمعاناة كما هم أهل الداخل .
التغيير يحتاج نارا مستعرة لتحرق الطاغية ونظامه، ولاتستعر نار التغيير الا عندما يكون وقودها الناس ومصالحهم.
نارنا هادئة حتى الآن نرمى فيها من وقت لآخـر بعض الاوراق الخفيفة مما نكتبه من بيانات وتصريحات وعيدان صغيرة من لقاءات واجتماعات هنا وهناك لنبقى جذوتها مشتعلـة لكنها بعيدة عن أن تكون حارقة . لايوجد فى التاريخ أمة تمكنت من تغيير طغاتها دون تضحيات ودون سفك دمـاء أو سجون أو فقدان مصالح هذا أمر مفروغ منه. فسنة التدافع بين الناس سنة أصيلة من سنن الله التى لاتتغير وأن الله لايغير بقوم حتى يغيروا مابانفسهـم.
العامل الثانى: الرؤية المستقبلية: هى المستقبل الذى ننشده - هى التغيير الذى نريد أن يحدث فى ارتريا - هى المكان الذى نود الوصول اليه. هى معالم ارتريا المستقبل بعد زوال هذا النظام. الرؤية هنا تمثل ارتريا التى نحلم بها .
يجب أن تكون الرؤية واضحة عن الوضع المستقبلي المنشود بعد التغيير: أي كيف ستكون ارتريا التي ننشدها بعد زوال نظام الطاغية. طبعا الرؤية حسب أدبيات المعارضة يمكن تلخيصها فى نظام حكم ديموقراطى يكون الحكم فيه للشعب - الحريات الفردية والدينية فيه مكفولة ومصانة - اطلاق سراح جميع معتقلى الرأى وعودتهم الى أهليهم - عودة اللاجئين الى مناطقهم الأصلية – حرية الحركة وحق أى مواطن من الحصول على الجواز والسفر متى ما أراد - الحكم عبر مؤسسات وبرلمان يمثل فيه كل التنوع الارترى - بلد يحكمه دستور وقانون - حكم لامركزى حتى تحكم كل منطقة نفسها عبر أبناءها - شفافية مالية عبر اعتماد ميزانيات للدولة واعتماد مبدأ المحاسبة للمال العام ومحاربة الفساد - فتح الباب أما المستثمرين لاعمار البلد - توزيع عادل للسلطة والثروة - لايوجد تسلط مكون معين على باقى المكونات - اتباع سياسة حسن الجوار .
بخصوص العامل الثانى: أعتقد أن المعارضة الارترية ممثلة في المجلس الوطنى قطعت شوطا كبيرا في بلورة وتوضيح الرؤية بعد التغيير وخاصة في مؤتمر أواسا الذى حضره حوالى ٦٠٠ ممثل لمنظمات سياسية وعسكرية ومنظمات مجتمع
مدنى رعيل أول ورجال دين. ذلك المؤتمر وضع وثيقة الفترة الانتقالية والتي توضح معالم الحكم والرؤية في كثير من الأمور السياسية التي ستشكل ارتريا المستقبل التي ننشدها. شخصيا أعتبر هذا المؤتمر تأريخى بكل ماتعنيه الكلمة من معنى. ولا أعتقد أن هناك مؤتمر ارترى جمع هذا التنوع الارترى بكل اختلافاته كما جمعها مؤتمر أواسا على الاطلاق. ولذلك كانت المناقشات فيه حادة لكنهم تمكنوا من حسم كثير من النقاط التى ترسم معالم حكم ارتريا بعد التغيير الديموقراطى .
الرؤية يجب ان تأخذ كل الأبعاد السياسية والاجتماعية والنفسية والتأريخية والاقتصادية ولهذا يتطلب وضع الرؤية مشاركة جميع الأطراف بمختلف خلفياتهم لانهم يمثلون هذه الأبعاد. ولهذا كان مؤتمر أواسا الذى وضعت فيه الرؤية أكثر المؤتمرات الارترية تنوعا وشمولا (بالطبع ضمن ماكان متاحا) والا فان المؤتمر المثالي من حيث التمثيل والحرية سيكون باذن الله هو الذي سيعقد في أرض الوطن ارتريا الحرة والذي سيناقش جميع القضايا المصيرية. عندما يتم الحديث عن الرؤية في علم الإدارة وإدارة المنظمات يفضل الرؤية أن تكون مفصلة ودقيقة حتى يساعد ذلك في وضع الاستراتيجية وتحقيق النجاح والوصول الي الرؤية المبتغاة. وهذا ممكن في بيئة يمكنك التحكم فيها الي حد كبير وكل العناصر الفاعلة موجودة ومشاركة في جو من الحرية والمشهد أقل تعقيدا من المشهد السياسي والمعلومات متوفرة أيضا.
لكن يبدوا لي في العمل السياسي وخاصة في مثل وضعنا الارتري الأمر يختلف قليلا لعدة أسباب من أهمها أنك كلما فصلت في الرؤية قبل حصول التغيير كلما فتحت المجال للخلافات وتباين الرؤي وعدم الاتفاق بين قوي التغيير في مرحلة أنت أحوج للتكاتف فيها. ولذلك أري أهمية تقليل الأهداف الكبرى المشتركة في مرحلة التغيير حتي يمكن تجييش أكبر عدد من قوي التغيير وان تكون الرؤية في بعض الأمور عبارة عن مبادئ عامة مع وضع أطر للحلول وليست الحلول النهائية التفصيلية. فمثلا بخصوص الأرض من المهم في الرؤية الاتفاق على مبدأ إعادة ملكية الأرض الى أصحابها الأصليين لرد المظالم ومن ثم تكوين مفوضية لموضوع الأراضى والمعالجات اللازمة و ألا ندخل بعد ذلك في التفاصيل وكذلك وضع الدستور يكون له مفوضية ولاندخل في التفاصيل في هذه المرحلة.
لكن للأسف الشديد المجلس الوطنى فشل فى انزال وتمليك هذه الرؤية للجماهير بشكل مبسط حتى تطمئن الجماهير بل وتحلم بالمستقبل المنشود. ظلت الرؤية حبيست الأدراج أو عند المهتمين بالسياسة فقط ولم يسمع بها المواطن العادى وهذا أمر مهم لتجييش الشعب. لذلك لابد من انزال وتمليك الرؤية للجماهير بشكل مبسط يفهمه الصغير والكبير ويمكن أن يبدع الناس فى أساليب ايصال الرؤية الى الشعب من خلال الشعارات والهتافات القصيرة - الهاشتاجات - الصور والأناشيد وغيرها من الأشكال الابداعية: حرية سلام وعدالة - مدنية - الثورة خيار الشعب. هذا أمر مهم. المنظمات السياسية والمظلات هى رأس الرمح وليست الرمح. هدفنا استنهاض الجماهير والشعب حتى يقوم هو بالتغيير. لذلك لابد ان تصل الرؤية لهذا الشعب.
أما العامل الثالث: معرفة وتحديد والبدء فى الخطوات الأولية المطلوب اتخاذها من أجل البدء فى رحلة التغيير .
أهم خطوتين تم القيام بهما في هذا المجال:
انشاء تحالف أو ائتلاف من القيادات التي تملك مفاتيح المجتمع لقيادة وتوجيه عملية التغيير. من اهم خطوات التغيير التي خطت فيها المعارضة الارترية خطوة كبيرة عندما كونت المجلس الوطنى مظلة جامعة لقوى المعارضة الارترية. ومع الضعف الذى اعترى المجلس لكنه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح .
عمل خارطة الطريق: والتي تم بلورتها الى حد كبير في وثيقة خارطة الطريق لكن القطار توقف عن المسير ولم يتم انزالها على أرض الوقع للتنفيذ ولذلك فقد فشلنا فيها فشلا ذريعا: ولعلنا نحتاج الى خريطة عمل جديدة بناء على تحليل جديد للواقع المعارض .
المعالجات والحلول
مالذى يجب أن تفعله المعارضة بشكل مختلف عما سبق؟
المعارضة الارترية تعيش حالة ضعف وعدم فاعلية غير مسبوقة وبدل أن تركز جهودها على مايفضى الى تغيير النظام صار هم كثير منها البقاء ولو اسما. فتحولت الوسائل (التنظيمات) وبقائها الى غايات فى حد ذاتها للأسف الشديد. للخروج من حالة الضعف وعدم الفاعلية التي تعيشها المعارضة الارترية فان الأمر يتطلب حلول جذرية في طريقة التفكير وأسلوب العمل. والاستمرار في نفس النهج الحالي للمعارضة غير مقبول ولن يؤدى الا الى مزيد من الضعف والتمزق.
سأركز هنا على الأسباب الداخلية لأن الأسباب الخارجية مقدور عليها اذا قويت شوكت المعارضة وتغلبت على الأسباب الداخلية:
١* لابد من تغيير جذرى في إطار العمل وذلك بالسعى لتكوين جبهة وطنية عريضة على شكل حراك تمثل طيف المعارضة بكل أشكاله.
لماذا نحتاج الى تغيير الاطار الجامع:
نحتاج الى إعادة النظر في عمل المظلات الجامعة مثل المجلس الوطنى للتغيير الديموقراطى لأنها لم تعد ـ بوضعها الحالي - تلبى الهدف الذى من أجله تم تأسيسها وهوتوحيد وتنسيق العمل المعارض حتى يكون أكثر فاعلية وقوة من عمل التنظيمات الفردية. كان القصد جمع شتات العمل المعارض وتوجيهه حتى يكون أكثر تأثيرا. لكن ماحصل:
- أننا بنينا المجلس بطريقة لاتختلف كثيرا عن طريقة وأسلوب عمل التنظيمات السياسية الارترية التى حاولنا تجاوزها لعدم قدرتها على تجييش وتنسيق جهود المعارضة الارترية والاستجابة للتحديات. فعندما قمنا بانشاء المجلس أنشأناه بنفس عقلية وطريقة عمل وآليات وتجربة التنظيمات السياسية. فأصبح المجلس تنظيما آخر فقط يحمل اسما كبيرا لكنه يعمل بنفس طريقة عمل التنظيمات ومكبل بنفس الاشكالات التى واجهتها التنظيمات من الأطر التنظيمية والادارية والهيكلية وطريقة اتخاذ القرار. فهناك مؤتمر للمجلس ينبثق عنه مجلس تشريعى ومكتب تنفيذى الذى يضم مكاتب اعلامية وتنظيمة وعلاقات خارجية وأمنية وهناك عضوية وشروط للانضمام للمجلس ورسوم عضوية والغاء العضوية بنفس شاكلة عمل التنظيمات السياسية المعروفة .
- أصبحت المظلة بدل أن تكون جهة تسعى لتنسيق وتوجيه عمل المعارضة صارت هى تنظيم آخر وأصبح المجلس يحل محل هذه التنظيمات ويقوم بالأنشطة بنفسه بدل أن يسعى لتنظيم وتوجيه أعمال المعارضة المتناثرة. وطبعا لم ينجح المجلس فى هذا كثيرا بسبب اشكاليات فى آلية اتخاذ القرار والحصول على الموارد المالية من التنظيمات وغير ذلك .
- صار تكوين المجلس بمثابة عامل تثبيط للتنظيمات المنضوية تحته للقيام بأنشطة سياسية وجماهيرية كبيرة بحجة أن المجلس عليه القيام بذلك .
لو نظرنا الى ماتحقق خلال ال ١٣ سنة الماضية نستطيع أن نقول أننا نبتعد عن هدفنا الأساسى الذى من أجله أنشأ المجلس .
لذلك نحتاج العودة الى الهدف الأساسى من تكوين المجلس هو جمع جهود المعارضة وتوجيهها نحو الدفع بعملية التغيير .
هناك إمكانات هائلة في ساحة المعارضة لكن لاتجد من يستغلها بالطريقة الصحيحة: جماهير وشباب غاضب – كفاءات أكاديمية وخبرات علمية - القنوات الإعلامية – المواقع الإخبارية الحوارية - المبادرات الفردية في الفن والأدب والثقافة – مبادرات علماء الدين – منظمات المجتمع المدنى – المبادرات الاغاثية للجاليات الارترية في المهجر
لمساعدة اللاجئين وغير ذلك الكثير. كثير من هذه الأنشطة هى كمثل وديان صغيرة هنا وهناك لكنها لوتم توجيهها يمكن أن تشكل نهرا هائجا قويا يجتاح معاقل الدكتاتورية فى ارتريا . من أسباب عدم حدوث ذلك هى طريقة عمل المجلس والمركزية والقوانين التى تحكمه.
قد يقول قائل مالجديد هنا؟ بالتأكيد الجديد هنا ليس المسمى وانما معالم وملامح الاطار الجديد:
أهم معالم الاطار الجديد:
● تحول مفهوم التغيير السياسي من مفهوم نخبوي حزبي إلى مفهوم جماهيري شعبي يسع الجميع ويسعى فيه الجميع.
● تعمل بعقلية مختلفة: منفتحة مع الجميع والعمل بطريقة لامركزية فضفاضة ترحب بالمبادرات والمساهمات الفردية والجماعية وتفتح الأبواب. تؤمن بالمشاركة - لاتؤمن بالاقصاء – تعمل بمفهوم تقاسم أعباء وتكلفة التغيير وليس تقاسم السلطة. تعطى الفضل لكل المساهمين .
● العمل بعقلية "كيف نعمل معا" لتحقيق أهدافنا والابتعاد عن عقلية المركزية المتحكمة "اذا عملت معانا" لازم تكون فى اطارنا وتسمع كلامنا. نحتاج عقلية " نعمل فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. وتأجيل بعض الأمور والتفاصيل لمابعد التغيير .
● الرؤية المشتركة عندها عبارة عن أهداف قليلة كبيرة وتأجيل الأمور والتفاصيل لمابعد التغيير لتقليل الخلافات بين قوى التغيير.
● مهمتها أن تنظم وتوجه أنشطة ومساهمات المعارضة لا أن تكون هي القائمة بالأنشطة بشكل رئيسى.
ولعل مايتبادر الى الذهن كيف سيتم التوافق على ادارة مثل هكذا حراك فى ظل التنافس الحزبى بين التنظيمات السياسية والذى أقعد المجلس؟ من بين الحلول التى يمكن النظر فيها هو أن نطور فكرة المظلة الجامعة لتكون مظلة جماهيرية تعتمد التوزيع الجغرافي من خلال منظومات لجان شعبية أو مؤتمرات حوار جماهيرية لكل منطقة لنتجاوز بها الأداء القائم على المحاصصة والصراع القائم على أسس مناطقية أو قبلية أوطائفية.
كيف يمكن تكوين جبهة وطنية على شكل حراك تمثل طيف المعارضة بكل أشكاله؟
أن تقوم قوى المعارضة بتشكيل لجنة مشتركة من القوى الراغبة لدراسة مقترح تكوين جبهة وطنية عريضة تضم المنظمات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وتشكل قيادتها من خلال المشاركة الجماهيرية الواسعة لكل منطقة بعيدا عن المحاصصات الحزبية وأن تنافس التنظيمات من خلال كوادرها وعضويتها وليست بأجسامها. هذا سيؤدى الى اعادة الثقة واللحمة بين الجماهير والعمل المعارض المنظم لأن الجماهيرالارترية ستختار من تراه مناسبا ومؤهلا للقيادة كل فى منطقته. تقوم الجبهة الوطنية على أسس جديدة ويراعى في تكوينها وهيكلتها وآلياتها وأساليبها تجنب سلبيات مرحلة المجلس الوطنى. ويمكن أن نستلهم من تجربة جنوب أفريقيا وتكوين الجبهة الديموقراطية المتحدة United democratic Front كاطار فضفاض تأسس عام ١٩٨٣م وضم أكثر من ٥٧٥ منظمة بما في ذلك كنائس - منظمات مجتمع مدنى - اتحادات طلابية - نقابات عمالية - منظمات رياضية. لاشك بأن الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى لايجب ان يكون حرفيا لأن كل تجربة لها خصوصيتها وهناك نقاط اشتراك ونقاط اختلاف. الدعوة هنا ان نستفيد منها في بناء تجربتنا الارترية ونأخذ في الاعتبار الخصوصية الارترية واختلاف الواقع والظروف السياسية بين البلدين.
- هذا الحراك سيمكننا من الاستفادة من تنوع وتوزع قوى المعارضة الارترية جغرافيا على مستوى العالم بحيث يستفاد من خصوصية كل منطقة أو اقليم أو مدينة فيما يمكن أن تقدمه للمعارضة الارترية وأن تعطى كل منطقة أو
مدينة أو اقليم مهام محددة وفق ذلك بحيث تغطى ثغرة معينة أو تحقق أولويات محددة من أولويات المعارضة لايمكن أن تغطيها منطقة أخرى. فمثلا:
- يمكن توجيه الجالية الارترية فى كندا فى أن تسعى الى رفع الضغط الاعلامى والسياسى على الشركة الكندية التى تساعد الحكومة الارترية فى استخراج الذهب من خلال المظاهرات والضغط الاعلامى
والسياسى حتى يتم ايقاف الشركة. وتكون بذلك الجالية لعبة دورا مهما فى التضييق على النظام لايمكن أن تقوم به أى منطقة أخرى .
- أن يتم توزيع الادارات والأعمال حسب الأماكن التى تتيح بيئة أفضل للعمل مثلا:
الاعلام فى أوروبا أو أمريكا أو استراليــا حيث تتوفر الامكانيات التقنيـة وسهولة الاتصال بمصادر الاخبار ووكالات الانبـاء. من ال خطأ مثلا جعل هذه الأنشطة فى السودان أو اثيوبيــا فهذا مما يعيق العمل.
٢* العمل بالتخطيط الاستراتيجى والأهداف الذكية ومحاسبة القيادة
واحدة من أهم أسباب عدم الفاعلية والانجاز هو غياب استراتيجية واضحة للعمل قائمة على تحليل موضوعى للواقع الحالى.
أى تغيير بمثل حجم التغيير الذى نسعى اليه يحتاج الى خطة استراتيجية لمدة لاتقل عن ٥ سنوات. وحتى ينجح التغييرلابد من تحويل الأهداف الاستراتيجية الكبير الى أهداف ذكية صغيرة ومرحلية )محددة - يمكن قياسها - واقعية - ذات صلة - ومحددة بوقت زمنى محدد(. لماذا هذا الأمر مهم ؟ ليس فقط أن هذا الأمر يجعلك أكثر تركيزا وتصل الى أهدافك بأقل تكلفة ووقت ولكن أيضا هذا الأمر مهم أنك تستطيع من خلال وضع الخطط الاستراتيجية والأهداف الذكية المحددة بوقت معين من محاسبة القيادة. اذا لا تضع خطط محددة ويمكن قياسها وتنتهى فى وقت محدد فكيف يمكنك أن تحاسب القائد فى المؤتمر .
مثال: تنظيم ما وضع هدف استراتيجى ضمن أهدافه الأخرى: أهمية زيادة عضوية التنظيم من الشباب والطلاب والنساء .
كيف تحاسب القيادة على تحقيق هذا الهدف بعد ٣ سنوات من استلامهم لمهامهم. لنفترض أن القيادة ذكرت فى تقريرها بأنها تفتخر بزيادة عضوية التنظيم بعدد ١١ عضو. كيف تحاسبهم؟ هل نجحوا فى تحقيق الهدف ؟ أم فشلوا؟ لاتستطيع أن تحكم
لعدم وجود هدف محدد يمكن قياسه. لكن لوتمت صياغة الهدف كالتالى: زيادة عضوية التنظيم من الشباب والطلاب والنساء بنسبة ٢٥٪ مع نهاية الخمس سنوات. الآن يسهل عليك الحكم على القيادة بالفشل أو النجاح بل وممكن تعطيها نسبة نجاح معينة. لكن الذى يحصل غير ذلك مما أدى الى الإحباط من كل عمل منظم. والتخطيط الاستراتيجى سيشمل جميع جوانب العمل بحيث يكون هناك استراتيجية للاعلام واستراتيجية للعمل السياسى واستراتيجية للعمل الجماهيرى،،،الخ.
*٣انزال وتمليك الرؤية للجماهير بشكل مبسط: انزال وتمليك رؤية التغيير للجماهير بشكل مبسط حتى تطمئن الجماهير بل وتحلم بالمستقبل المنشود. وهذا أمر مهم لتجييش الشعب .بشكل مبسط يفهمه الصغير والكبير ويمكن أن نبدع فى أساليب ايصال الرؤية الى الشعب مستندين الى لغاتنا وثقافاتنا ويمكن نشرها من خلال الشعارات والهتافات القصيرة -الأغانى - الهاشتاجات - الصور والأناشيد وباللغات المحلية وغيرها من الأشكال الابداعية.
٤* تجديد الدماء وضرورة تسليم الراية الى الجيل الجديد وإعطاء فرصة للصف الثانى وللأجيال الشابة لابراز ابداعها ومهاراتها ومقدراتها. مقدار التغيرفى حياتنا ومن حولنا سريع وهائل بسبب التكنلوجيا. مما يعنى أن طريقة الحصول على المعلومات وطريقة عمل الأشياء تغيرت بشكل جذرى. لذا لابد من تسليم الراية لمن هو جاهز والتهيئة لمن هو غير جاهز. من أهم المعيقات للعمل المعارض هو التباين الكبير بين جيل الثورة الذى مازال يقود المعارضة وبين الأجيال اللاحقة. مايجمع جيل الشباب سواء من تخرجوا من مدرسة ساوا وتربوا على عقلية الجبهة الشعبية أو جيل شباب الخارج الذى نظرته تختلف عن جيل ساوا هو ان طريقة تفكيرهم للعمل السياسى المقاوم قائم على مفهوم الحراك المنفتح وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعى أهم ركائز التواصل مع هذا الجيل بدلا من فكرة التنظيم الحزبى المركزى الهرمى. ولذلك تجد التنظيمات السياسية صعوبة فى تأطير هذا الجيل نظرا لعدم تقبلهم لفكرة التاطير التنظيمى المغلق والعلاقة الهرمية فى التعامل. وبالطبع هناك تحديات أخرى تواجه الأجيال الشابة التى نشأت فى ظل الأوطان البديلة مثل ضعف العلاقة مع الوطن الأم وخفوت الاهتمام وضعف الذاكرة التأريخية.
٥* التركيز على مسار الداخل وربط معارضة الداخل والخارج: شعب الداخل هم أساس التغيير نظرا لوجودهم فى ساحة المعركة ولأنهم الأكثر معاناة وألما من استمرار النظام حيث لابديل أمامهم كماهو الحال للمتواجدين خارج ارتريا حيث توجد أوطان بديلة. لذلك فهم الأكثر حوجة للتغيير وهم الأكثر رغبة واستعدادا للتضحية من أجل التغيير. لذا لابد من اعطاء التغيير من الداخل أولية فى استراتيجية عملنا الجديد. لابد من تحفيز وتشجيع قوى التغيير فى الداخل بمافى ذلك توظيف واستثمار أى حراك يظهر فى الداخل. هذا بالطبع يتطلب التواصل مع قوى الداخل وجماهير الداخل بل والتحرك واختراق الداخل. كثير من الثورات نجحت مع أنها نشأت في الخارج لظروف مشابهة لظروفنا مثل الثورة الإيرانية والثورة الروسية والثورة الكوبية والنيكاراجوية وغيرها. لكن جميعها كان عندها تواصل قوى مع الداخل على الرغم من وجود قياداتها في الخارج.
قد يسأل البعض كيف؟ اذا وجدت العزيمة والإرادة وجدت المداخل. لاتوجد منظمات على وجه الأرض تمت معاداتها وحصارها من جميع الاتجاهات ومن الأصدقاء والأعداء مثل المنظمات الموجودة في قطاع غزة ولكن الايمان والارادة أثبتا أنهما أقوى. والأمثلة من التأريخ مثل فيتنام وأفغانستان وغيرها كثير.
وحتى التأريخ الارترى يمكن ان يكون كافيا. يكفى أنا شعبا لايتجاوز ال ٤ مليون استطاع ان ينتزع حريته غصبا من بلد به
٥٠ مليون انسان. اذن لابد من التركيز على الداخل الارترى وأن نجد طريقة للوصل بين معارضة الداخل والخارج حتى ينجح التغيير الذى نحلم به.
٦* لابد من تقديم الخدمة للشعب والمساهمة فى حل المشاكل التى يعانى منها الارتريون بقدر الامكان حتى يعرف الشعب أن له قيادة تهتم به: المعارضة تقدم نفسها كبديل لنظام الحكم فى ارتريا. من يقدم نفسه كبديل لابد من أن يبدأ بخدمة الشعب
حسب امكاناته. لابد أن يرى الشعب ماذا يقدم هذا البديل. هناك من يعيش مشكلة جوازات وهناك من يحتاج الى منح دراسية وهناك من يحتاج الى مساعدات غذائية وتعليم فى أوساط اللاجئين،،، وهناك …وهناك...الخ. لايكفى اصدار البيانات ومطالبة
المجتمع الدولى بمساعدة الشعب الارترى. يجب أن نبدأ بأنفسنا ونسأل ماذا قدمنا وماذا نستطيع أن نقدم. دعونا نقارن وضعنا بأيام الثورة الارترية حيث كانت القيادات تقدم حلول للشعب: مثلا جهاز التعليم الارترى كان مثال لمساهمة الثورة فى تقديم الخدمات التعليمية للشعب الارترى - كانت هناك عيادات ومزاكز صحية - أيضا نجحت كثيرمن التنظيمات فى موضوع المنح الدراسية وفتح مكاتب فى كثير من الدول.
كما قلت سابقا مشكلتنا ليست فى الموارد والامكانيات. الشعب قدم الكثير فى أحلك الظروف رأينا ذلك أيام الجبهة وأيام حركة الجهاد وغيرها من المواقف. وكان أفقر من وقتنا الحالى. الآن الارتريون أوضاعهم أفضل بكثير. لكن مشكلتنا كيف نقنع الناس أن قوى المعارضة أهلا لهذه الموارد والأموال والطاقات. بعض التنظيمات السياسية الحالية لها مجهود جبار في مساعدة اللاجئين تشكر عليه ولكن لابد من الاهتمام وتوسيع الخدمة للاجئين والمهاجرين حتى تقوى العلاقة وتزداد الثقة بين الشعب وقوى التغيير.
٧* نحن بحاجة الى قيادة صادقة تلهم الأتباع وترفع المعنويات وتشرك الآخرين فى عملية التغيير وتتحدى الوضع الراهن وتفتح آفاق جديدة وتكون مستعدة للمخاطرة: لابد أن نتخلى عن عاطفيتنا ومحاصصاتنا من أجل اختيار من يقودنا. لابد أن نخلق بيئة بحيث يتم اختيار القيادة من غير محاصصة. فى مؤتمرالمجلس القادم وفى كل محطات تنظيماتنا التى يتم فيها اختيار القيادة من المهم ان نختار قادة يمواصفات معينة:
1. ذات مصداقية ونموذج يقتدى به: قائد صادق أمين يقف على مبادئ وقيم ثابتة ويمكن الاعتماد عليه. لايتقلب فى مواقفه كلما تغيرت الظروف. مؤتمن: الرائد لايكذب أهله. هذه أهم صفة فى القائد لأن القائد ذات المصداقية يخبرك اذا المركب متجه الى الغرق. يكون صادق مع نفسه ومبادئه ولذلك مستعد أن يتنحى اذ ا قصر. لايبقى من اجل البقاء - هذه الصفة مهمة فى
أيامنا هذه لأن صفة الكفاءة اذا كان فيها نقص يمكن جبره عبر المستشارين (ليس مثل الأزمنة السابقة التي كان القائد فيها كل شيء) لكن لاتستطيع أن تجبر صفة المصداقية اذا فقدت عند القائد.
2. يتحدى الواقع: لايقبل بالوضع الراهن ويحاول التفكير خارج الصندوق او خارج المألوف -يفتح آفاق جديدة – ويطرق أبواب جديدة – يفكر في أفكار جديدة –يفتح علاقات جديدة– يأتي بحلول جديدة لم يعهدها الأتباع. مستعدا لفعل أشياء غير مألوفة ومستعد للمخاطرة بتجربة أفكار جديدة حتى لوعرضه ذلك لنقد الآخرين والاستهزاء به.
3. يمكن ويشرك الآخرين فى العمل: يؤمن بأهمية التعاون واشراك الآخرين حتى تتحقق الأهداف. يؤمن بأن الأهداف الكبيرة تحتاج تضافر الجهود واشراك الآخرين وعدم احتكار العمل. وهذا يتطلب الثقة والايمان فى الآخرين وأنه بامكان الآخرين القيام بالمطلوب وضرورة اعطاءهم الصلاحيات المطلوبة وتمكينهم من اتخاذ القرار فى اطار صلاحياتهم وتبنى اللامركزية فى طريقة توزيع العمل ويتطلب خلق بيئة يشعر فىيها الآخرون بأنه مرحب بهم وأنهم أصلاء وجزء لايتجزأ من العمل. القائد الذى لايشرك الآخرين أو يحتكر أو يضيق يقتل العمل ويثبط حتى من يريد أن يعمل . نحتاج الى قيادة تنطلق من مفهوم أننا جميعا شركاء ونتحمل أعباء وتكلفة التغيير.
4. يلهم أتباعه بالرؤية المشتركة: له القدرة على الاقناع وأن يلهم أتباعه بالرؤية والغاية المشتركة التى يسعون لها. يرسم لأتباعه دائما صورة ذهنية الى المستقبل الأفضل الذى يسعى الى تحقيقه معهم وبهم. المسيرة طويلة ونحتاج الى التذكير
5. يشجع القلوب: يؤمن بأهمية العمل كفريق واحد ولذلك يهتم بالناس والعاملين معه ويشجعهم ويشد على أزرهم لأن المسيرة طويلة والناس تحتاج من يرفع معنوياتها.
٨*بناء وتعزيز الثقة بين المكونات والعاملين في الجبهة الوطنية العريضة من أكبر عوامل فشل العاملين في المظلات الجامعة والذين يأتون من خلفيات سياسية وعرقية ودينية ولغوية مختلفة هي عدم الاهتمام وتعزيز الثقة بينهم مما يجعلهم فريسة أجواء الاستقطاب والخلافات البينية. لابد أن تخلق القيادة بيئة يشعر فيها العاملون أنهم فى هذه المظلة ليسوا للمنافسة فيما بينهم وانما للعمل على تضافر جهودهم من اجل تحقيق الهدف المشترك.
٩* الاهتمام ببناء الثقة بين مكونات الشعب الارترى
الشعب هو أساس التغييروللأسف الشديد هناك عدم ثقة وخوف بين مكونات الشعب الارترى مما يجعل بعض المكونات تقف ضد التغيير بطريقة واضحة أو مستترة أو تغض الطرف عما يجرى للمكونات الأخرى فيما يتعلق بالأراضى أو طمس اللغات والثقافات. وهناك انقطاع فى التواصل بين المكونين الرئيسيين على المستوى المجتمعى: المجتمع المسيحيى يتحدث لنفسه فى وادى والمجتمع المسلم يتحدث لنفسه فى واد آخر. وهذا الانقطاع فى التواصل والتفاهم يزيد من الفجوة الموجودة أصلا بين المكونات ويستخدمها النظام لاطالة عمره.
من الركائز الاساسية لبناء مجتمع ارترى ينعم بالعيش بسلام ووئام بين مكوناته
أن يتمكن المجتمع من جعل التنوع العرقى والدينى واللغوى لارتريا مكسبا ومغنما لامغرما ونعمة لانقمة. وحتى يتحقق ذلك لابد أن تقتنع المكونات الأساسية للمجتمع بأن السكوت على ظلم أي مكون يعنى التمهيد لظلم باقى المكونات. وأن التنوع الثقافي والدينى والعرقى هو ذخر ومفخرة وعنصر قوة للأمة الارترية اذا أدير هذا التنوع بشكل جيد . الايمان بمبدأ "تعدد الهوية" للأمة الواحدة مهم جدا فمثلا: بدلا من الاصرار على الهوية الافريقية فقط لارتريا وانكار جذورها العربية فيمكن جميعنا أن نتفق أن ارتريا أفريقية وعربية فى نفس الوقت فاتحين أمام الشعب الارترى آفاقا أوسع وأرحب فى القارة الافريقية بالاضافة الى آفاق وامكانيات الأمة العربية من المحيط الى الخليج. وبدل من اظهار ارتريا بالمظهر المسيحى فقط ومحاولة تغطية جانبها الاسلامى فيمكن الاعتراف بانتماء شعب ارتريا الى الأمتين الاسلامية والمسيحية وبالتالى فتح الافاق والفرص أمام الشعب الارترى الاقتصادية والتعليمية والمنتديات والتجمعات الدولية التى تمثلها هاتين الامتين وبدلا من الاصرار على حجب وطمس اللغة العربية التى يريدها أغلبية السكان وفتح السجون لتحقيق ذلك يمكن جعل اللغتان الرسميتان فى ارتريا العربية والتجرنيـة حتى يستفيـد خريجوا المدارس والجامع ت الارتريـة ورجال الاعمال من المحيط العربى والاسلامى الواسع الذى يتجاوز الخمسون دولة بدلا من حصرهم فى اقليم تجراى التجرنيا الذى هو العمق الجغرافى الوحيد للغة التجرنية.
لذلك لابد من فتح حوارات مجتمعية على جميع المستويات وخاصة خارج التنظيمات السياسية بين الشباب بين القيادات الاهلية وبين علماء الدين والتحدث بصراحة عما يدور فى خلد كل مكون وإبراز إيجابيات تنوعنا حتى يمكن الوصول الى التوافق المجتمعى الذى سيساعد على تقصير عمر النظام الدكتاتورى فى ارتريا.
١٠* تأسيس مركز دراسات: هناك حوجة ماسة لمركز دراسات موحد يعين المعارضة ويوضح الرؤية فى القضايا الشائكة مثل قضية الأرض وكيفية معالجة الاختلالات والمظالم التى قام بها النظام الدكتاتورى بطريقة ترد الحقوق لأصحابها وفى نفس الوقت تقوم بمعالجات لمن سكنوا أو أسكنوا فى هذه الأراضى فى غياب أصحابها. وكلما كانت هناك دراسات معمقة للقضايات الشائكة قبل وبعد التغيير يسهل امكانية التوافق وتمكن السياسيين من اتخاذ قرارات مبنية على دراسات عميقة وليست مرتجلة. يفضل أن يكون مركز الدراسات مستقلا بحيث يكون مفتوحا للجميع ممن تتوفر فيهم الكفاءات حتى لايتأثر بالضغوطات السياسية أو تتأثرسمعته لاحقا بسبب ارتباطاته السياسية.
يظل هدف هذه الورقة هو فتح باب النقاش والعصف الذهنى للاجابة على السؤال: لماذا لم تنجح المعارضة الارترية فى تغيير النظام السياسى فى ارتريا حتى الآن؟ ماهى مواطن الخلل وكيف يمكن اصلاحها. سواء كنت مواطن ارترى أو متابع للشأن الارترى، يسعدنى أن أقرأ تعليقك على المقال أو اجابتك على السؤال؟
وبالله التوفيق،
كتبه: الدكتور محمد صالح مجاوراى
متخصص فى ادارة وتطوير المنظمات وادارة التغيير
Comentarios