top of page
tvawna1

كيف ينظر الداخل الإثيوبي إلى الحوار الوطني؟

باحث مساعد - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد عسكر 15/02/2022 يبدو أن التحول الدراماتيكي على الساحة الإثيوبية منذ إعلان جبهة تحرير تيجراي الانسحاب من الحرب في 21 ديسمبر 2021 وما تلاه من إجراءات توحي بتوجه النظام الإثيوبي نحو إجراء حوار وطني لإنقاذ الدولة من حافة الهاوية، يعكس احتمال وجود صفقة أبرمها آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، عبر المبعوث الأمريكي الخاص الجديد للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد، وتتضمن وقف الحرب الإثيوبية والحفاظ على وحدة وتماسك الدولة الإثيوبية من خلال الحفاظ على

الفيدرالية، وضمان وصول المساعدات للمتضررين في مناطق الصراع، بالإضافة إلى ضمان فك الارتباط بين آبي أحمد وأسياس أفورقي، مع ضمان تسوية حاسمة لمطالب جبهة تحرير تيجراي التي فشلت في تقديم استراتيجية واضحة لمرحلة ما بعد سقوط أديس أبابا ونظام آبي أحمد، وذلك في مقابل بقاء آبي على رأس السلطة في البلاد.

ويعزز ذلك مسار الحوار الوطني الذي تروج له الحكومة الإثيوبية، خاصة بعد تصديق البرلمان الإثيوبي في 29 ديسمبر 2021 على تأسيس لجنة الحوار الوطني تمهيدًا لتسوية جميع أزمات الدولة الإثيوبية، بالإضافة إلى إطلاق سراح معظم السجناء السياسيين ومن بينهم بعض زعماء المعارضة السياسية مثل جوهر محمد، وإسكندر نيغا. ومع ذلك، قد تطرح فكرة الحوار الوطني انقسامًا في الداخل الإثيوبي لا سيما حلفاء آبي أحمد في ضوء تباين الموقف من الحوار مع جبهة تحرير تيجراي بين مؤيد ومعارض، مما قد ينذر بأزمة سياسية جديدة في البلاد ربما قد تضعف شعبية آبي أحمد بين أنصاره.

تطورات المشهد السياسي

دفع انسحاب قوات دفاع تيجراي من مناطق القتال آبي أحمد إلى التمهيد لإجراء حوار وطني لإنقاذ البلاد من حالة الاستقطاب السياسي الذي طغى على المشهد الإثيوبي العام منذ نوفمبر 2020، ثم إطلاق سراح عدد من المعارضين السياسيين بما فيهم قيادات بجبهة تحرير تيجراي، وذلك دون الرجوع لحليفيه الرئيسيين منذ بداية الحرب على إقليم تيجراي وهما حكومة إقليم أمهرة، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، الأمر الذي قد يعكس مناورة سياسية من آبي أحمد يستهدف بها تخفيف الضغوط الدولية والأمريكية، واللعب على عامل الوقت أملًا في تحول المواقف الدولية إزاء جبهة تحرير تيجراي لكي يتمكن من القضاء عليها، خاصة في ظل إصراره المستمر منذ إطلاق حملته العسكرية ضد الإقليم قبل أكثر من 15 شهر على "دفنها" بحسب تعبيره.

ويحاول نظام آبي أحمد تصدير صورة للمجتمع الدولي بعودة الاستقرار الأمني في إثيوبيا خاصة في مناطق الصراع، وذلك من خلال إصدار قرار برفع حالة الطوارئ في البلاد التي أعلن عنها في نوفمبر 2021 لمدة ستة أشهر. وعزز ذلك الدعم الأفريقي لأديس أبابا بقبول استضافتها لقمة الاتحاد الأفريقي خلال فبراير الجاري (2022). ومع ذلك، تستبعد العديد من التقارير الدولية إحلال السلام في البلاد في الوقت القريب وذلك في ضوء تجدد الاشتباكات العسكرية في إقليم تيجراي شمالي البلاد.


فعلى الرغم من إعلان الحكومة الإثيوبية عدم مواصلة الهجوم على إقليم تيجراي، رغبة في عدم تعريض انتصارها إلى الخطر وخوفًا من هزيمة محتملة على يد قوات دفاع تيجراي، إلا أن المشهد العملياتي في شمال إثيوبيا يكشف مواصلة القتال بين طرفي الصراع، حيث تصدت قوات دفاع تيجراي لهجمات متفرقة شنتها القوات الحكومية والقوات الإريترية من جبهات مختلفة بهدف التسلل إلى داخل إقليم تيجراي. واستطاعت قوات تيجراي السيطرة على مدينة عدى اركاي في داخل إقليم أمهرة، كما اندلع القتال بين الجانبين في منطقة أبالا بإقليم عفر[1]، مما عطل إيصال عمليات الإمداد الإنساني للمنطقة، وهو ما دفع الحكومة الإثيوبية نحو توجيه الاتهام لجبهة تيجراي بسرقة أكثر من 1000 شاحنة مخصصة للإمدادات الإنسانية[2]. بينما اتهمت جبهة تيجراي القوات الإثيوبية بتوجيه ضربات جوية تجاه بعض مخيمات النازحين مثل مخيم "ماي عيني" مما أسفر عن مقتل العشرات، وهو ما نفته الحكومة المركزية. كما اتهمت الجبهة إريتريا بمهاجمة قواتها في منطقة سيجيم كوفولو في شمال غرب إقليم تيجراي في يناير 2022[3].

وتعكس هذه التطورات الميدانية رغبة آبي أحمد في تضييق الخناق على إقليم تيجراي، وتدمير القدرات العسكرية واللوجستية لجبهة تحرير تيجراي لتصبح له اليد الطولى في فرض شروطه حال انعقاد أي مفاوضات مستقبلية بين الجانبين لتسوية الصراع، وهو ما يجعل سيناريو تجدد القتال محتملًا في أي وقت في ضوء عدد من المؤشرات البارزة مثل استمرار تورط القوات الإريترية في الصراع الإثيوبي، وإجراء تدريبات عسكرية للمدنيين في بعض مدن إقليم أمهرة مثل لاليبيلا تحسبًا لأي هجوم محتمل من قوات دفاع تيجراي خاصة في ظل استمرار احتلال مليشيات أمهرة لبعض المناطق في غرب وجنوب إقليم تيجراي.

دوافع إجراء الحوار الوطني

كشفت وثيقة مسربة -مكونة من 51 صفحة- نُسبت إلى وزارة الخارجية الإثيوبية توصية للحكومة الإثيوبية بإجراء مفاوضات مع جبهة تحرير تيجراي، لا سيما أن غياب الحوار يعني استمرار الصراع في البلاد وما يصاحبه من تداعيات اقتصادية خطيرة. كما تشير إلى نية نظام آبي أحمد في إجراء محادثات لإنهاء الصراع في البلاد، لكن بعد إضعاف جبهة تحرير تيجراي عسكريًّا واقتصاديًّا بهدف إجبارها على شروطه دون معارضة[4]. ويمكن تلمس بعض دوافع آبي أحمد لإجراء الحوار الوطني على النحو التالي:

1- تأكيد حسم انتصاره على جبهة تحرير تيجراي بفرض شروطه وإجبار الجبهة على تقديم تنازلات قد تقوض مكانتها في المعادلة السياسية في المشهد الإثيوبي.

2- كسب الشرعية السياسية في الداخل الإثيوبي، والتوافق مع جميع الأطراف السياسية الإثيوبية على دعم النظام الحاكم في مواجهة جبهة تحرير تيجراي -في حالة استبعادها من الحوار الوطني- بهدف تأكيد عزلتها في البلاد.

3- محاولة تشتيت الانتباه عن الهجمات والضربات الجوية التي تقوم بها الطائرات الإثيوبية (من دون طيار) والتي تستهدف المدنيين في أنحاء إقليم تيجراي وأسفرت عن مقتل أكثر من 59 شخص في يناير الماضي.

4- تحسين صورة النظام الإثيوبي لدى الرأي العام العالمي والظهور في صورة راعي السلام في البلاد والمنطقة، وتحسين علاقاته مع المجتمع الدولي بعد توتر استمر لأكثر من عام، وذلك في مقابل "شيطنة" جبهة تحرير تيجراي على الصعيدين المحلي والدولي.

5- تخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعودة العلاقات الطبيعية بينهما، وتعزيز احتمالات رفع العقوبات الأمريكية الأخيرة لا سيما بعد المكالمة الهاتفية التي أجريت في يناير الماضي بين الرئيس بايدن وآبي أحمد.

6- طمأنة المستثمرين الأجانب والشركات الدولية لعودة الاستثمارات الأجنبية إلى إثيوبيا، والمساهمة في إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب الإثيوبية.

تباينات الموقف الداخلي

مع قرار الحكومة الإثيوبية عدم التمدد داخل إقليم تيجراي خوفًا من حرب العصابات التي تتقنها قوات دفاع تيجراي، وظهور بعض المؤشرات التي تكشف عن اتجاه النظام الحاكم نحو إجراء حوار وطني في البلاد بما يعني تخلي آبي أحمد عن إقصاء جبهة تحرير تيجراي؛ تعكس تباينات الموقف الداخلي بين مؤيد ومعارض حالة انقسام في الجبهة الداخلية الإثيوبية قد تهدد تحالفات آبي أحمد خلال الفترة المقبلة، خاصة أن هذه الخطوات ربما تعني تخليه عن حليفه الرئيسي في المنطقة وهو أسياس أفورقي، مما يجعله عرضة للمزيد من العقوبات الدولية والأمريكية وتجدد العزلة الإقليمية والدولية خلال الفترة المقبلة. كما تُفقِده حليفه الداخلي وهو قومية أمهرة التي يُعتقد أنها ستقاوم بشدة أي شكل من أشكال الحوار مع جبهة تحرير تيجراي خوفًا من فقدان مكتسباتها السياسية والاستراتيجية خلال الفترة الماضية.

فثمة اتجاهان في داخل معسكر آبي أحمد بشأن مستقبل جبهة تحرير تيجراي في البلاد بعد انسحاب قواتها من جبهات القتال في ديسمبر الماضي: الاتجاه الأول يرى أن شرط إحلال السلام في إثيوبيا والتركيز على إعادة الإعمار والتنمية يتطلب بالأساس تدمير القوة القتالية لجبهة تحرير تيغراي، ولا يمكن ذلك إلا بالقضاء على قادة الجبهة أو تقديمهم للمحاكمة العاجلة لا سيما أن الحكومة قد صنفتها منظمة إرهابية في مايو 2021. ويستند هذا الاتجاه إلى ضرورة التعلم من دروس الماضي، فالقضاء على جبهة تحرير تيجراي يبدأ من داخل الإقليم، فعندما انسحب مانغستو هيلي مريام من إقليم تيجراي حتى يتمكن من القضاء على المتمردين الإريتريين في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كان يعتقد أن الجبهة لن تهاجمه، إلا أنها تقدمت نحو إقليم أمهرة ومنه إلى العاصمة أديس أبابا حتى تمكنت من إسقاطه في عام 1991. فضلاً عن أن تأخر آبي أحمد في حسم الصراع مع تيغراي قد يبدو لمؤيديه ضعفًا مما قد يؤثر على شعبيته في الداخل وصورته أمام المجتمع الدولي[5].

كما يرى هذا الاتجاه أن قرار عدم اجتياح إقليم تيجراي مجددًا سوف يطيل سيطرة الجبهة على الإقليم، إلى جانب أنه يمثل، طبقًا له، مكافأة لجبهة تحرير تيجراي على ارتكابها للعديد من الجرائم وأعمال التدمير التي خلَّفت خسائر بشرية ومادية هائلة في أنحاء البلاد[6].

بينما يرى الاتجاه الآخر- وتؤيده الحكومة الإثيوبية- عدم الزحف إلى داخل إقليم تيجراي للحفاظ على التفوق العسكري الذي حققته القوات الحكومية، وتجنب تعرض القوات الحكومية لهجمات من قبل قوات دفاع تيغراي، وإجبار الأخيرة على الاستسلام من خلال الاستمرار في حصار الإقليم بهدف قطع إمدادات الأسلحة التي تصل إليه من الخارج، والسعي نحو القضاء على القدرات القتالية لها، الأمر الذي ينذر ببعض الاضطرابات في الساحة الإثيوبية والتي قد تهدد تحالفات آبي أحمد الرئيسية حال إعلان نظامه بدء حوار وطني شامل، بما يعني استمرار حالة اللايقين السياسي في البلاد.

إجمالًا؛ تقود معطيات المشهد الإثيوبي الراهن الأزمة نحو ترجيح سيناريو محتمل له مسارين: أولهما، استمرار حرب الاستنزاف بين قوات دفاع تيجراي وقوات آبي أحمد بهدف تكسير العظام وتدمير القدرات العسكرية للطرفين. وثانيهما، إجراء مفاوضات سياسية مطولة بين طرفي الصراع بهدف إيجاد تسوية نهائية للصراع الإثيوبي، مما قد يدفع نحو ممارسة المزيد من الضغوط على طرفي الصراع لإنهائه بشكل حاسم خلال الفترة المقبلة. المصدر .>>>>

24 views0 comments

Comments


bottom of page