إريتريا تدعم حكومة آبي أحمد عسكريا رغم العقوبات الأميركية.
الثلاثاء 2022/09/13 أديس أبابا - يؤشر اتهام جبهة تحرير تيغراي لإريتريا بالتدخل عسكريا ضدها في حربها مع الجيش الإثيوبي، على أن القتال بالإقليم المتمرد شمالا في طريقه إلى التمدد ليشمل أقاليم أخرى وفاعلين دوليين.
وسبق لإريتريا أن قدمت الدعم العسكري المباشر للحكومة الإثيوبية في 2020، بما سمح لها بمحاصرة إقليم تيغراي المتمرد من الشمال والجنوب قبل أن تقطع عليه الطريق غربا عندما سيطر الجيش الإثيوبي على الحدود مع السودان، وأطبق بعدها على عاصمة الإقليم ميقلي.
إلا أن خلافات بين أسمرة وأديس أبابا، دفعت إريتريا إلى اتخاذ موقف الحياد، خاصة بعد تعرض بعض قادتها لعقوبات أميركية، وسمح ذلك لمتمردي تيغراي بالزحف جنوبا نحو العاصمة الإثيوبية، بعد أن أسقطوا في طريقهم عدة مدن إستراتيجية في إقليم أمهرة على غرار والديا، ولاليبيلا (التاريخية والمقدسة لدى المسيحيين) وديسي، وكامبولشا.
بغض النظر عن الخلافات بين أسمرة وأديس أبابا، إلا أن جبهة تحرير تيغراي المتمردة تمثل العدو الأكبر للإريتريين
ولذلك يبدو من الغريب عودة إريتريا إلى دعم حكومة آبي أحمد، رغم العقوبات الأميركية، ومخاطر تمدد النزاع ليتحول من حرب أهلية إلى صراع إقليمي ودولي.
ولم يتدخل الجيش الإريتري في القتال، إلا بعد تقدم متمردي جبهة تيغراي نحو غرب الإقليم الخاضع لسيطرة الجيش الإثيوبي، بهدف كسر الحصار المفروض عليه والوصول إلى الحدود السودانية، للحصول على المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية دون انتظار إذن أديس أبابا.
وسبق أن حاولت جبهة تيغراي قطع الطريق الدولي وخط السكك الحديدية المؤدي إلى موانئ جيبوتي وإريتريا، لكنها أخفقت، رغم تقدمها العميق جنوبا، في فبراير الماضي.
وتحاول جبهة تيغراي مجددا فتح الجبهة الجنوبية عبر إقليمي أمهرة والعفر، وحققت بعض التقدم بعد سيطرتها على بلدة “قبو” شمال شرقي أمهرة (غرب)، وتقدمها جنوبا نحو مدينة والديا.
لكنها وبشكل مفاجئ شنت هجوما مباغتا على الجبهة الغربية نحو مدينة حُميرا، الواقعة غربي تيغراي، على المثلث الحدودي بين إثيوبيا والسودان وإريتريا، في الأول من سبتمبر الجاري.
وجاءت وكالة بلومبرغ برواية مختلفة عن الهجوم على حميرا، المدينة الإستراتيجية والمفتاحية بالنسبة إلى إثيوبيا وإريتريا وجبهة تحرير تيغراي، حيث تحدثت عن رفض مئات الضباط والجنود الإثيوبيين من أصول تيغراوية العاملين ضمن قوات حفظ السلام الأممية في منطقة أبيي، المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، العودة إلى بلادهم.
واستندت الوكالة في هذا الخبر إلى خمسة مصادر لم تسمهم، ونقلت عنهم أن هؤلاء الجنود تقدموا بطلب لجوء في السودان في وقت سابق من هذا العام، وانتقلوا مؤخرًا بالقرب من حميرة للمشاركة في الحرب إلى جانب أبناء جلدتهم، وانضم إلى الوحدة عدد من الأشخاص الذين فروا من القتال أثناء الحرب وبعض سكان غرب تيغراي.
وأكد جيتاشيو رضا، عضو اللجنة التنفيذية لجبهة تحرير تيغري، أن قوات حفظ السلام السابقة دخلت غرب تيغراي، بينما نفى العميد نبيل عبدالله، المتحدث باسم القوات السودانية، وجود أي وحدة من قوات التيغراي أو قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة السابقة في بلاده، بينما لم تعلق السلطات الإثيوبية.
وبغض النظر عن خلافات أسمرة وأديس أبابا، إلا أن التيغراي يمثلون العدو الأكبر للإريتريين الذين لن ينسوا حربهم ضد إثيوبيا عندما كان التيغراي على رأسها، لذلك ليس من مصلحتهم عودة التيغراي مجددا إلى الحكم.
الطريق معبدة لتحول الحرب الأهلية إلى نزاع إقليمي
وتحرك التيغراي غربا نحو مدينة حميرة يعني إمكانية تدفق مختلف الدعم اللوجيستي والعسكري وحتى البشري من اللاجئين التيغراويين الذين فروا إلى السودان، ومن الدول التي لها مصلحة في إشعال إثيوبيا بمشاكلها الداخلية.
وما يقلق أسمرة، إعلان جبهة تيغراي، في الثامن من مايو الماضي، أنها ستنشئ جيشا يضم مليون مقاتل، وهو رقم ضخم بالنسبة إلى عرقية لا يتجاوز عدد أفرادها 7 ملايين نسمة، ما يعني أنها ستلجأ إلى التعبئة العامة لكل تيغراوي قادر على حمل السلاح.
وفي كل أفريقيا لا توجد أي دولة (بما فيها نيجيريا وإثيوبيا ومصر) تملك جيشا يبلغ تعداده مليون مقاتل.
وكان هذا الإعلان أول مؤشر على أن التيغراي يستعدون لكسر الهدنة التي صمدت خمسة أشهر، لكن جيشا بهذا التعداد (وإن كان مبالغا فيه) من شأنه تهديد ليس فقط حكومة آبي أحمد، بل إريتريا أيضا، خاصة إذا تلقى دعما خارجيا.
وتحاول أديس أبابا توجيه أصابع الاتهام نحو مصر والسودان، وبدا ذلك جليا عندما أعلنت في الرابع والعشرين من أغسطس إسقاطها طائرة محملة بالسلاح في حميرة، كانت قادمة من الأجواء السودانية ومتجهة إلى تيغراي، وهو ما نفته الخرطوم بشدة.
والخلاف السوداني الإثيوبي يتعمق حول أكثر من ملف على غرار سيطرة ميليشيات أمهرية على أراضي الفشقة السودانية، وإعدام جنود سودانيين في إثيوبيا، وأزمة سد النهضة.
سبق لإريتريا أن قدمت الدعم العسكري المباشر للحكومة الإثيوبية في 2020، بما سمح لها بمحاصرة إقليم تيغراي المتمرد
ناهيك عن دور السودان التاريخي في دعم حركات التمرد في كل من إثيوبيا وإريتريا، ردا على دعم البلدين في فترات سابقة للمعارضة المسلحة لنظام البشير (1989 - 2019).
لكن السودان حاليا منشغل بمشاكله الداخلية الكثيرة ولا يرغب في مواجهة مباشرة مع إثيوبيا، إلا أن ذلك لا يمنعه من لعب دور إقليمي في المنطقة بدعم مصري.
وهذا ما تخشاه كل من إثيوبيا وإريتريا، ما يجعل تحالفهما ضروريا لمنع التيغراي من الوصول إلى الحدود السودانية.
وهذا ما يفسر زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد رفقة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لجوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، في السادس من مارس الماضي.
فما يجمع الدول الثلاث أنها تشترك مع السودان في حدود طويلة، وعقود من النزاعات والصراعات.
والتدخل العسكري الإريتري في شمال تيغراي يهدف بالأساس إلى منع تغول متمردي الإقليم، خاصة مع وجود نزاع حدودي بين الطرفين حول مدينة بادم، التي بسببها اندلعت حرب 1998.
وليس من المستبعد أن تسعى كل من إثيوبيا وإريتريا إلى تكرار نفس سيناريو نوفمبر 2020، عندما أطبقتا على الإقليم كفكي كماشة، ودخلتا ميقلي، عاصمة الإقليم، وتم وأد التمرد في معقله.
غير أن امتلاك جبهة تيغراي لمئات الآلاف من المقاتلين المدربين وأسلحة ثقيلة غنموها من استيلائهم على مدن ومعسكرات الجيش الإثيوبي في الجولة السابقة من القتال، ناهيك عن تخزينهم لكميات هامة من الأسلحة في الإقليم خلال عقود من سيطرتهم على الحكم، تجعل مهمة القضاء على تمردهم مسألة صعبة وقد تطول وتستنزف قدرات إثيوبيا وحتى إريتريا إن رمت بكامل ثقلها في الحرب.
غير أن الدعم الذي يحظى به آبي أحمد من عدة دول وخاصة روسيا والصين، وتسيده سماء المعركة وإطباقه الحصار على الإقليم المتمرد من شأنه التعجيل بسيطرة الجيش الإثيوبي على ميقلي، والمدن الرئيسية، ومع ذلك ستكون البلاد بحاجة إلى عملية سياسية لاحتواء التمرد. المصدر >>>>>
Comments