بقلم الاستاذ / فتحي_عثمان 2022/06/04 فكرة الكتابة للداخل وعن الداخل المقيد بالأصفاد والمكمم الأفواه وبالغ الصبر والقابض على الجمر لم تغادر ذهني ولم تمت في صدري يوما. هذا الداخل أكتب له رسالة تحية إكبار من مؤمل لم ينقطع الأمل عنده بأنه، أي الداخل الصامد، سيحطم الأغلال، وهذه
الرسالة ليست بروح الوصاية، كالوصاية على اليتيم حتى يبلغ أشده، وهي التي يمارسها الطاغية، ويتمنى ألا يبلغ الشعب أشده حتى لا ينال حقه، الذي استباحه واستحله. نساء ورجال وأطفال الداخل ليسوا بحاجة لوصاية كهذه؛ ولا هم بحاجة لتمثيل زائف يملأ الأرجاء بالادعاء وهو لا يعرف الداخل ولا معاناته، فهذا الداخل رغم السكون والقمع والتربص هائج الدواخل، وتكفي الدعوات على الظالمين بالليل والنهار والغل والكراهية للظلم والطغيان، وهذا المكبوت سيخرج هادرا يوما ما، ولا نشك في هذا. يشاهد مقيدو الداخل، على ما بهم من ظلم، الخارج المفتت والمشتت، ولا يحز في نفس أهله إلا مشاهدة "نقص القادرين على التمام". الصبر والخذلان والظلم ستفت من عضد الطغيان لا محالة وسياتي اليوم الذي سيقول فيه الداخل كلمته الداوية: حينها سيتحدث عن الذين ساندوه وأضاءوا شمعة في ليله الحالك، ونفخوا فيه صدره الأمل وواسوه في مصابه، كما سيتحدث عمن خذلوه، وباعوه وسلموه للطاغية، وعمن أصبحوا، وهم من فلذات الأكباد، يدا وعونا للجلاد. أن الشعوب لا تنس لأن ذاكرتها ليست كذاكرة الأفراد، بل هي ذاكرة تشد بعضها بعضا كبنيان مرصوص لا ينسرب منه الذميم والكريه من القول والفعل، كما ينحت فيه كل فعل وقول كريم. داخل الداخل: ولم تنفصل إرادة الكتابة عن الداخل عن إيمان قطعي بأن أفضل من يمكنه حكم ارتريا مستقبلا، مع جيل المستقبل صاحب الحق بالطبع، هم الذين يكابدون ظلم وظلمات زنازين الجلاد اليوم، فهم بذلوا للوطن ارواحهم وللتغيير مهجهم ودفعوا الثمن، وبما أنهم ذاقوا مرارة الظلم فلن يجرعوه شعبهم بأي حال من الأحوال. هؤلاء هم "داخل الداخل" والذين عندما أذكرهم تتوارد في ذهني قصة معلم ابن هارون الرشيد، حيث قام معلم المأمون بضربه بعصا بدون أي سبب، ولم يخبره عن سبب ضربه مطلقا. وعندما شب المأمون وأصبح خليفة بعد عشرين عاما سأل المعلم: "لما ضربتني في صغري بالعصا؟ فقال المعلم: "أما نسيت" فرد الخليفة: والله ما نسيت. فقال له: "ضربتك بدون سبب ظلما حتى تدرك فداحة الظلم فلا تظلم." أبطال داخل الداخل هؤلاء لم يتلقوا ضربا هينا بالعصا من معلم حادب، بل تلقوا طعنات غدر وأودعوا أظلم مواقع الأرض. ونحن لم نيأس من خروجهم ومعانقتهم للضوء، ونحلم بأن يكونوا في مقدمة صفوف قادة هذا الشعب، ولا شك لدينا بأن الداخل وداخل الداخل لم تغب عن قلوبه أحلام وأشواق الحرية، تلك الحرية التي عبر عنها المؤرخ الاغريقي ثيودايدس بالقول: "سر السعادة هو الحرية، وسر الحرية هو الشجاعة." تحية إجلال وإكبار لكل شجعان الداخل رجالا ونساء. نحن لم نيأس ولن نيأس، تماما كالأمس: ما ركعنا يوما ولن نركع أبدا.
Commentaires