top of page
tvawna1

ذكرى وفاة محمد عثمان كجراي محطات فى حياة شاعر الوجد

بقلم الاستاذ / عبدالجليل الشيخ

06/08 /2023


كتب شاعر القطرين:"لابد أن يختار اللغة التي يجيد التعبير بها، ويضع نصب عينيه أن خطابه الإبداعي لا يتوجه به إلى فئة محدودة بل لا بد أن يشمل تغطية مساحة واسعة سواء كانت تلك رقعة الوطن المعروف أو المساحة لكل من يتحدثون بهذه اللغة المشتركة وفي هذا تعبير عن عمق الصلات الثقافية الأدبية والتاريخية". هذا ما كتبه في مقدمة ديوان "حين لم يعد الغريب"

للشاعر الإريتري أحمد عمر شيخ. و لا تصدر هذه المقولة إلا من شاعر له بصمة خاصة على صفحات الكتابة الشعرية المعاصرة في العالم العربي ككل، و لا يرتبط بخارطة جيوساسية للوطن/ بالمعنى القُطري الضيّق، و لا يمثل مؤسسة(ما) يُنسب اليها رسمياً. إنما تصدر من شاعر حُـرّ ينتمي للأمة:"فلا وطن نحن نحميه/ لا أمة تتجمع حين تهب رياح الخطر/نتحدث عن أمة/ هي من خير ما أنجبته عصور البشر".

حياته العملية :

درس محمد صالح (ت 1957م) في خلوة الفقي مالك بحى الحلنقة بعد وصوله الى كسلا في منتصف العقد الثاني من القرن الماضي. أنتقل الى القضارف للعمل في أورطة العرب الشرقية، القيادة الشرقية. حيث عمل إماماً في مسجدها و مأذون أنكحة . و أستمر في العمل الديني حتى أصبح قاضياً للقضارف.

هو محمد عثمان بن محمد صالح بن حسن كَجَراي السبدّراتي، ولد في القضارف 1928م بشرق السودان. كان والده قاضياً ، و له خلوة لتحفيظ القرآن و علومه ، فدخلها كجراي في سن مبكرة.

درس المراحل الأولية في مسقط رأسه، و سافر الى مدينة " أم درمان "، ليدرس في معهدها – المعهد العلمي الديني - أنقطع عن الدراسة بعد خمس سنوات لمساعدة والده. فافتتح متجراً في قرية(مهلة) الحدودية. أحترق المتجر ضمن منازل القرية بقرار من الحاكم الإنجليزي في 1947م عقاباً للأهالي الذين تم اتهامهم بتهريب الأسلحة بين الحدود. كانت خسارة أوجزها شعراً:" من رحلة المجهول عدت / وفي يدي أوراقي الصفراء /ذكرى أمسيات تمردي /وحصاد عمري حزمتان من الندم/ وقصيدتان طويلتان من الألم/ يا فتي مات الشروق".

التحق بمعهد التربية بخت الرضا أنذاك (جامعة بخت الرضا حالياً)، و بعدها الدراسة في معهد التربية لتأهيل المعلمين بشندي. و من ثمّ العمل مدرساً للغة العربية في مدرسة كسلا الريفية الأولية، التي شهدت اعتقاله من قبل الانجليز، و الافراج عنه لاحقاً ليصبح منفياً عن مدينته الى مدن أخرى في شرق السودان و جنوبه. حيث عاش غربة الذات و المكان، و التفرغ للتعليم في المدارس الأولية و الوسطى و الثانوية. و كان أخرها ناظراً لمدرسة "أم سفري" الأولية في مدينة عواض 1978م. و بعدها عمل موجهًا فنيًا في إدارة التعليم مع التدرج حتى أصبح مديراً للإعلام التربوي في وزارة التربية و التعليم- إقليم شرق السودان.

تم احالته للتقاعد الاجباري بمقتضى قانون الصالح العام في 1989م، بعد أحداث المطار، و كتب حينها رثائية لروح الطيار محمد عثمان حامد كرار:" يا سيدي في زمن الأقزام لا تزدهر الرغائب/ وها هو الصمت الذي أيقظ في قلوبنا الأسى/ يجتاح سيف البحر/ من عيذاب/ من تخوم دنقناب/ من حلايب".

غادر الى اريتريا، و عمل فيها معلماً و مطوّراً لمناهج اللغة العربية. و أدى دوراً ريادياً في مجالات عدة منها الثقافة و الأدب و الفنون. أمضى فيها قرابة العقد قبل العودة الى مدينة " كسلا " 1999م. و ما هي الا أربع سنوات حتى وافاه الأجل في الثامن من أغسطس 2003م.

حياته الأدبية :

شاعرً اصطبغ شعره بالأطوار التي تقلّبت فيها حياته. حيث الغربة أيام الدراسة، و القهر في بيئته حين أحترق متجره. لم يجد لقلبه مَن يخرجه من أتون آلامه إلا الكتابة. يسكب روحه فيها. و يعيش عالمه برومانسية حالمة.

نشر قصائده مستخدماً كجراي - بفتح الكاف و الجيم و الراء - توقيعاً له بدلاً من اسمه الصريح، حيث يُمنع موظفي الدولة من العمل الصحافي. و معناه "الجندي" في لهجة السبدّرات البيجلوية. و أتخذه لقباً بعد وشابة لحقت به بسبب قصائده الرافضة للإحتلال الإنجليزي. و كانت البداية في صحيفة السودان الجديد 1948م.

محطة الاستقلال :

أشرقت الحرية على السودان في 1956م، التي شهدت أزمة الانعتاق من الاحتلال، و القرار السياسي. و كان حينها يكتب في جريدة الصراحة، و نشر فيها قصيدة "العنكبوت" في مارس1957م،أثناء زيارة الرئيس الأمريكي للخرطوم:"جاء هذا الصفيق اللعين/يحوك الشباك /ويلغي الشراك/وقد مزَّق الحقد أمعاءه/وقد أكل الجوع أحشاءه/ومن طول ما خيَّم العنكبوت على أرضنا/ ومن طول ما جثم العنكبوت على صدرنا/عرفنا خطاه". و في نفس العام ،نشرت مجلة الرائد الأسبوعية الكويتية:"السأم و الأحلام الميتة"1957م. و أتبعها بقصيدة"الأفعون".

محطة النوفمبريين:

كان السودان وقتها تحت قبضة حكم الفريق عبود وكانت الحريات العامة معدومة ،كان نوفمبر1959م. بداية الإنكسار، و مرحلة الاغتراب النفسي ، و استخدام نوفمبر/تشرين قناعاً للتعبير عن الواقع في قصيدة " تشرين و الرياح "، التي وصلت للقارئ السوداني عبر مجلة صوت المرأة في عهد رئاسة التحرير فاطمة أحمد إبراهيم. و مطلع القصيدة:" تشرين يا انشودة الجفاف / يا قبضة من الرياح تخنق الضفاف/ يا موسم الصقيع/يا قبضة من الثلوج تخنق الربيع ". حيث أن تشرين من أسماء الشهور العربية ، فكأن اسنخدامه بدلاً من نوفمبر الغريغوري تمويهاً للتعبير عن الحالة السياسية في السودان في قبضة الحكم العسكري برئاسة إبراهيم عبود . و يختمها بطلب التنحي عن الديار :" "تشرين يا أنشودة الجفاف.. /يا موجة من الرياح تغمر الضفاف../

يا موسم الصقيع../ تنح عن ديارنا.. ابعد عن القرى.. /يا خدراً ينساب في اختلاجه الكرى..".

قصائد تلك الفترة تداعب شجونه في جوّ من الضبابية اليائسة مع نبضات ثورية حالمة. تم جمعها في ديوان:

الصمت و الرماد، بيروت 1961م، أشرف على إصداره العلامة الناقد إحسان عباس(ت2003م)، الذي إستهل مشواره الأكاديمي بقسم اللغة العربية بكلية غردون(الخرطوم) في مطلع الخمسينيات. و ساهم فيها بإثراء الحركة الثقافية و النقدية و نشر الشعر السوداني.

مارس في مطلع الستينبات الثورة الصامتة -الغنائية-، و مخاطبة الجماهير بلغة دارجة. و كان حينها ناظراً لمدرسة "واو" الثانوية بجنوب السودان. فكتب "مافي داعي تقول مافي" في صيف 1962م ، و أهداها للفنان محمد وردي - زميل الدراسة بمعهد التربية بشندي-، الذي لحنها و غناها لاحقاً:" مافي داعي تقول مافي/ يالربيع في عطرو دافي/ لهفة الشوق في سلامك/ في كلامك و سر غرامك/ ماهو خافي". و من المقاطع الأخيرة وصف الحال:"أنا من رعشةِ أعماقي مقرورُ اليدين/ وعلى سفحِ حنيني دمعتين/آهِ لو يُسعِفُني الحرفُ فتمتدُ خُطايَ/لسفحتُ الشوقَ من أقدَسِ أعماقِ الحنايا/أغنياتٍ من دماي/لكِ يا نُوّارةَ الحقلِ ويا لحنَ صبايَ". و أتبعها بقصيدة "تاجوج" نموذج المعشوقة التي تعادل"ليلى"، و يتخذها رمزية الوطن، و مطلعها:" قليبي الأصلو منو شقاي وريدي/ يزيد الهم يسفح وريدي/ تاجوج ما تلقت ياخملة زيدي". و ثالثة الثافي قصيدة "بسمة الزمبق"، و من المقاطع الأخيرة وصف الحال:"نخوض بَحَر الهُموم نَبحر نَعدِّي/نَقابِل بالثبات موج التحدِّي/سنين العُمر تاخُد وما بِتدِّي/ودَربِك لِشواطئ النور يودي". و نفس الشئ مع الفنان إبراهيم حسين، الذي لحن"با نسمة النوار"، مطلعها:"قالوا الزمن دوّار يا بسمة النوّار/ياريت تعود أيامنا ونكمّل المشوار/ ياقلبي يا سواح/قول لي متين نرتاح". و أتبعها بقصيدة"شجون"، و قصيدة " فريع ياسمين".

كان السودان يعيش مخاضاً ً و تحولات ثقافية من ضمنها أزمة الهوية. و كان من مخرجاتها مدرسة الأحد حسب تسمية د. يوسف نور عوض، نسبة الى ندوة يوم الأحد التي اقامها د. محمد ابراهيم الشوش بعد عودته من لندن. و من نتائجها تيار الغابة والصحراء: المجذوب، الفيتوري، عبد الحي. النور عثمان أبكر، الذي اجترح الاسم من قصيدته:"صحو الكلمات المنسية"(مولود الغابة و الصحراء).

و نظراً لإختلاف الرؤى، فكأن ميلاد تيار الحرية مع اندلاع ثورة أكتوبر 1964م:صلاح أحمد ابراهيم، كجراي، محمد المكي، الذي كتب قصيدو:" باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني". و استخدامت هذه المجموعة الأسطورة لقراءة الواقع، و احياء الروح السودانية. و التفاعل مع كل قضايا التحرر إقليميا، عربياً ،و عالميا.

كان شعر التفعيلة سمة بارزة لنتاج الشعراء، فتفننوا في إبتداع صور ورؤى وأخيلة مع التحرر من قيود القافية وإيفاء بمتطلبات الحياة الجديدة وقتذاك. و أحدثث فاصلاً بين القديم والجديد، في الثقافة السودانية وبناها الحديثة.

محطة الأكتوبريين :

كان الشارع السياسي في حالة الاحتقان حين كتب قصيدة "العودة الى الجحيم"، ترحيباً بعودة صديقه الشاعر د. تاج السر الحسن في ابريل 1964م - نشرها في مجلة «صوت المرأة» السودانية -، سطر الاهداء مع بيت من شعر المتنبي:" القصيدة مهداة إلى الصديق العائد الشاعر ت .أ. الحسن. بيت أبي الطيب المتنبي :ليس من مات فاستراح بميت/إنما الميت ميت الإحياء". القصيدة تحريضية حيث يقول في احد المقاطع:" فلنغني صحوة العمر ونجتاز الزمان/ ودعوا ألموتي يهزون جذور اللا مكان/ليس للثورة إلا وجُهها القاني الذي نعرفَهُ/من أراد الصمت تيار الذري يجِرَفهُ/ فليمدون حبال الصمت في شط العدم/ نخر الدهُر علي صخر الجدار/ لو توكأنا عليه لنهدم". و أنهدم الجدار في أكتوبر من نفس العام.

كان حينها ناظراً لمدرسة للبنين في مدينة"جبيت"، فكتب قصيدة مهر الدم:"مهرك غالي يا حرية، نرفع رايتك عالية ونتحدى الرجعية". و عاش بعدها نسائم الحرية في ظل الديمقثراطية الثانية التي غابت مع في مايو 1996م. و أنشغل فيها كجراي بقضايا الأمة العربية التي كان من احداثها رحيل جمال عبدالناصر، فكتب قصيدة:" ذكرى للمواطن جمال عبدالناصر:"أحضن المذياع/ أغدو طائرا شب عن الطوق تخطى بجناح الزهو أحزان البداية/حينما اسمع صوتك /يا أبا خالد تنداح الرؤى السوداء /ألقى موكب الخضرة يمتد إلى ما لانهاية/وأرى نافورة الضوء على كل الخلايا/أعبر المحنة لا اذكر إلا/أنني في زحفي الصاعد فارقت أسايا ".

كتب عنه د.محمد مصطفى هدارة (ت1997م)، الذي عمل أستاذاً محاضراً في جامعة أم درمان الإسلامية في سنوات 66/1968م،و اصدر كتابه:تيارات الشعر العربى المعاصر فى السودان، دار الثقافة بيروت 1972م.:"جانبه الذاتي في ديوان الصمت والرماد، تنعكس عليه صورة الإنسان وصورة المجتمع، قصيدة العائد من صحراء التيه:" و كسْرتُ أطواقي وسِرتُ أليكِ/في بحرٍ من الظلماتِ مبهُور العيونْ/قد كان يطفو في عُبَابِ الموج ِ قاربيَ الحزينْ/من رحلةِ المجهُولِ يْقَتَحمُ الشواطئ في ارتِعاشاتِ المغيبْ/قد عادَ فارِسُكِ الحبيبْ/يا نجمةٍ كانت علي الأفقِ البعيدِ/تذوبُ في المٍ غريبْ/نفسي يُمزقُها الحنينُ إليك يَدفَعها اشتِياقْ/صفصافةُ أكل الزمانُ جذوعها/ تمايلت فوقَ الجَدارِ و بين أعمدةَ الرواقْ/عبثاً تُناضِلُ عاصِفَ الأنواء/صدرُ الأرضِ اقربُ/ والظلامُ يدُ وساقْ ".

محطة المايويين :

شهد السودان هجرات كبيرة مطلع السبعينيات بحثاً عن الحرية خارج الوطن بعد أحداث 1969م و ما ترتب عليها من أحداث 1971م. حيث الزيف و السجن واقع الحال في قصيدة ثقوب الغرابيل:" ﻗﺪ ﺗﻌﻮﺩﺕ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﺰﻳﻒ/ ﺃﻥ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺑﻴﺘﻲ ،/ﻟﻦ ﻳﺰﻟﺰﻟﻨﻲ ﺍﻟﺬﻝ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ /ﺍﻹﻧﻜﺴﺎﺭ !/ﺷﺠﻦ ﺍﻷﺭﺽ ﻳﻄﺮﻕ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ/ﻭﺃﻧﺎ ﺻﺎﻣﺪ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﻏﺮﻑ/ﺍﻹﻧﺘﻈﺎﺭ !/ﺃﻋﺮﻑ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓِ/ﺃﻋﺪﻭﺍ ﻣﺸﺎﻧﻖ ﺃﻋﺪﺍﺋﻬﻢ /ﻭﺃﻗﺎﻣﻮﺍ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﺃﻣﺠﺎﺩﻫﻢ /ﻭﺇﺳﺘﻘﻠﻮﺍ ﺑﺼﻨﻊ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ /ﻓﻮﻕ ﺃﺭﺽ ﺑﻮﺍﺭ/ﻣﻮﻟﺪ ﺍﻟﺸﻤﺲ/ﻟﻦ ﻳﺘﺄﺧﺮ /ﻓﺎﻟﻔﺠﺮ ﺃﻏﻨﻴﺔ/ﻟﻘﺪﻭﻡ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ". و فيها انجز عدداً من القصائد أشهرها رثائية عبدالخالق المجذوب الذي تم إعدامه أنذاك. و الليل عبر غابة النيون التي يصف فيها حالة الخوف من جبروت الطغيان:" لا تجرحي الصمتَ فإن الليلَ فوق سقفكمُ عيونْ/تنفذ كالشعاع حين يرتمي/على المدى البعيد عبرَ غابة النيونْ/أجهدت روحي حينما حاولت أن أكتب ما أقولْ/لكنني أعرف أن الصمت لا يجدي/ وأن موجة الحزن التي تعصف بالقلوب لن تطولْ".

مع هذا ظل في الداخل منزوياً كالشمعة في حنايا الديحور:"سنظل هنا نزوى/ كالشمعة في الأعماق/أعماق الكهف المسحور/ لتضيء حنايا الديجور". و ما ذلك الا ايماناً بالحرية التي أزهرت مرتين، استقلال السودان 1956م، و ثورة أكتوبر 1964م . زهرتان ،فترتان عاشها السودان تحت ظل القيادة المدينة التي تمثل ربيعاً يشتاق اليه بعد أن أصبح يعيش في ظل القيادة العسكرية التي طال مداها حتى جعلته يلهت على مساحة الورق حتى تخضر لأنه يعيش الأمل و الشوق :" ألهت في امتدادها،/وأمسح الجبين من غزارة العرقْ/وحدي قطعت رحلة الأسَى على أجنحة الأرقْ/مشاعري كما عهدت مثلما أغنية/تخضر في مساحة الورقْ/همستُ كلمتينْ/ربيعنا أورق في الحقول مرتينْ/والشوق قد أنبت في الجدار زهرتينْ".

كتب عنه د.محمد إبراهيم الشوش، رئيس تحرير مجلة الدوحة 76/1986م:"شاعر رصين، ارتبط شعره بقضية التحرر الوطني، و بالعروبة، والمبادئ والقيم النبيلة". و كانت الدوحة الثقافية واحدة من مرافئ الصحافة مع شقيقتها مجلة العربي، التي نشرت قصائده ممهورة بلقبه(م.كجراي- الخرطوم).

تميزت بدلالات لغوية معبرة الوضع في الوطن و الغربة الذاتية:"الصدى لغتي الثانية"،"الصخرة والهزيمة"،"حدث في ليلة شتائية"، "كلمات من أجل نيسابور"(السودان). و يستخدم الأقنعة، الأنثى، المرأة رمزية الحرية بصورة غير مباشرة في عنوانة القصائد:" أغنية إليها"،"حاضرة أنت في القلب"." أكثر من نافذة مضاءة "، قصيدة مهداة لمناضلات الشعب الاريتري. و هي زنبقة يهز من اجلها الجدار:"ﺍﻟﻲ ﺍﻟﺰﻧﺒﻘﺔ ﺍﻟﻐﺎﺋﺒﺔ/ ﻭﻫﺎﻧﺬﺍ ﻳﺎﺻﺒﻴﺔ ﻗﻠﺒﻲ ﺃﻫﺰ ﺍﻟﺠﺪﺍﺭ/ﻭﺃﻛﺘﺐ ﺃﻏﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﺮﻳﻖ ﺍﻟﺸﻤﻮﺱ/ﺗﺴﻠﻞ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ ﺭﻏﻢ ﻛﻞ ﺍﻟﺤﺼﺎﺭ". و يتخذ من النخل رمزاً للهوية و الصمود في وجه العنكبوت و الريح:"ﻭﻫﺎﻧﺬﺍ ﻣﺜﻞ ﻫﺎﻡ ﺍﻟﻨﺨﻴﻞ/ﺍﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﺷﺮﺍﺏ ﻛﻘﺎﻣﺔ ﺷﻴﺦ ﺩﻫﻤﺘﻪ ﺍﻟﺨﻄﻮﺏ/ﻓﻤﺪ ﺍﻟﻌﻴﻮﺏ ﻟﻌﻞ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ/ﻳﺠﺊ ﻋﻠﻲ ﻓﺮﺱ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ/ﻟﻌﻞ ﺍﻟﻤﻮﺍﻭﻳﻞ ﺗﻨﺴﺞ ﺍﻏﻨﻴﺔ ﻟﻠﻬﺎﺓ ﺍﻟﻜﻨﺎﺭ/ﻓﻠﻨﻄﻠﻖ ﺍﻟﺸﺠﻮ ﻓﻮﻕ ﻏﺼﻮﻥ ﺍﻟﻨﺨﻴﻞ/ ﻭﻋﺒﺮ ﺭﺋﺎﺕ ﺍﻟﻘﻤﺎﺭﻱ /ﻣﻐﻨﻴﻚ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻠﻲ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﺍﻻﻧﺘﻈﺎﺭ/ﻓﻼ ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ ﻳﻘﻴﺪﻧﻲ ﺑﺎﻟﺸﺮﺍﻙ /ﻭﻻ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﺗﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ ﺗﺼﻴﺢ ﻟﺘﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﺍﻧﻜﺴﺎﺭﻱ". و بعد أن يسرد الحكاية لابد أن يختم القصيدة بتكرار نفس المقطع الأول مختوماً بسطر الأمنية:" ﻟﻌﻠﻲ ﺍﺭﺍﻙ ﺗﻄﻠﻴﻦ ﺯﻧﺒﻘﺔ ﻛﺠﺒﻴﻦ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ". و التصريح يذكر السودان في قصيدة" الفيروز في مرافئ النجوم"م.الدوحة،ابريل 1977م:"كأرضنا السودان/لا تنبت غير الضب في حدائق الغربة". حيث أنه يتمسك بالأمل و هو يناجي الحرية القادمة، لأنها ليست وهما ً بل طريقاً الى عرش قيصر:"ﻓﻴﺎﻭﺟﻪ ﺳﻴﺪﺗﻲ ﺍﻟﻘﻤﺮﻱ/ﺩﻓﻨﺖ ﻣﻊ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺧﺎﺭﻃﺔ ﻟﻠﻜﺎﺑﺔ/ﻓﻜﻞ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺗﺆﺩﻱ ﺍﻟﻲ ﻋﺮﺵ ﻗﻴﺼﺮ/ﻣﺎﻋﺎﺩ ﻗﻴﺼﺮ ﻳﻤﻸ ﺛﻮﺏ ﺍﻟﻤﻬﺎﺑﺔ". و عندما يرحل الشاعر جسداً لأن العمر قصير، تظل رؤاه من بعده على حبل الغسيل. رثائية رحيل العصافير،م.الدوحة أغسطس 1982م:

"إلي روح صديقي الشاعر الراحل/محمد المجذوب –" نمت علي ربوات المدينة أنغاما /غير أن المدينة /

غانية تتعلم كيف تمد علي شرفة القصر/حبل الغسيل/ ونسأل كيف ترف البشاشة فوق الصخور".

محطة الأحزاب ابريل 1985م:

كتب كجراي قصيدة:" باقة ريد " بالعامية يغازل فيها الحرية، و لحنها الفنان مطر . تعبنا مع العيون السود / منو القال ليك تعذبنا / نعاين فيها مسحورين/ياك الانت عاجبنا/بنلقي عيونك الحلوين/تهز أعماقنا ترهبنا/كيف انت لو حنيت علينا وجيت تخاطبنا". لم تجد هذه القصيدة حظها عند الجماهير المشغولة أنذاك بلقمة العيش و الحالة السياسية حتى أشرقت شمس الديمقراطية، الزهرة الثالثة التي فاحت عبيراً بالوفاء للأصدقاء و الأحباب أوجزها في عبارة الإهداء التي سطرها في ديوان الليل عبر غابة النيون:"الى اصدقائي وأحبائي المناضلين في طريق الحرية والذين استقبلوا زخات رصاص الغدر فداء تراب هذا الوطن". شاملاً أغلب النصوص المنشورة في الصحافة العربية قبل/ أثناء ثورة ابريل 1985م. و ساهم أنذاك في الكثير من الأنشطة الثقافية، مثل اتحاد الأدباء، السودانيين، رابطة أدباء كسلا، جماعة أولوس الأدبية التي أجترح أسمها ن و صمم شعارها. و تقلد فيها منصب السكرتير العام. وقد تم احالته للتقاعد الاجباري بمقتضى قانون الصالح العام في 1989م، رثائية كتبها لروح الطيار محمد عثمان حامد كرار:" يا سيدي في زمن الأقزام لا تزدهر الرغائب/ وها هو الصمت الذي أيقظ في قلوبنا الأسى/ يجتاح سيف البحر/ من عيذاب/ من تخوم دنقناب/ من حلايب".

اريتريا الحُلم الأخير :

منطقة البجا كانت جزءً من السلطنة الزرقاء منذ قيامها في القرن السادس عشر الميلادي وأهل سواكن التي كانت في ذلك الوقت عاصمة البحر الأحمر أيدوا السلطنة الزرقاء وبايعوا سلطانها الذي عين الأمير وبوشي الأرتيقي أميراً على سواكن. وكانت كل قبائل البحر الأحمر تابعة للسلطنة الزرقاء خاصة قبيلة البني عامر وكانوا يدفعون الزكاة لممثل السلطنة الزرقاء بسواكن. وعندما قامت الثورة المهدية انضمت قبائل البجا عامةً والهدندوة خاصةً لنصرة الإمام المهدي وعلى رأسهم فارس الشرق الأمير عثمان دقنة الذي حفر بفكره وسيفه اسمه على جدار الزمان المديد وسجله في سفر الخلود . وأبدى بسالةً في مجابهة الغزاة وأدى هذا للإعجاب الشاعر البريطاني كبلنج ببسالته وبسالة المقاتلين الأشاوس من أهل الشرق وكتب عنهم قصيدة مجدّهم فيها بعنوان فزى و يزى.

ينتمي كجراي تأريخياً و جغرافياً لمنطقة لا تعرف الحدود السياسية. حيث ينتمي للقبائلية البيجاوية ذات التمازج الإنساني، و النسيج الاجتماعي و المصاهرة، و التعايش السلمي و الأعراف و التقاليد التي تنظم مسارات الحياة فيما بينهم. و الواقع المُعاش لغّويا و ثقافياً الذي لا يرتبط بالتقسيم الجيوسياسي الاستعماري.

هذه ليست حالة استثنائية و إنما واقع ملموس في كل الدول الحديثة بسبب تقسيمات الاحتلال الأوروبي لقارة أفريقيا. وهي حقيقة يعيشها أبناء البيجة تحديداً منذ الاحتلال الإنكليزي (السودان الإنكليزي)، و الاحتلال الإيطالي (مستعمرة اريتريا). و من ثمّ نجد عملياً أن الهوية انتماء للعصبة و الأرض التي يدافعون عنها.

و هو الانتماء الحقيقي بالنسبة لهم. و المواطنة مرتبطة بالخارطة الجيوساسية. و تجد أفراد العائلة الواحدة يحملون وثيقتين سودانية، اريترية، أو الاكتفاء بوثيقة واحدة. لأن الوثائق لا تمثل بالنسبة لهم الانتماء من عدمه، لأن الفرد منهم ينتمي حيث تجده اريتري أصيل، و سوداني صميم في آن واحد، أو العكس، و في كلا الحالتين هو أنتماء أصيل للأرض، يدافع عنها كيفما يكون و لديهم شواهد كثيره أشهرها انتصارهم على الإنكليز و كسر الصندوق الذهبي عسكرياً بقيادة عبدالله التعايشي. و فرضهم الرأي على الإنكليز أن يحصلوا على استقلال بلادهم مقابل مشاركتهم في قوة دفاع السودان في الحرب العالمية الثانية.

مشاركة شخصيات من تلاميذ والده(الخلوة القرأنية) في حكومة اريتريا الفدرالية. بالإضافة الى الصداقة التي جمعته مع محمد سعيد ناود مؤسس حركة تحرير اريتريا 1958م. و علاقاته بالذين التحقوا بالثورة بقيادة حامد عواتي 1961م. أيضاً موقف الرأي العام السوداني الداعم و المساند للقضية الاريترية في الستينيات(١٩٦٤/ ١٩٦٩م.). و هو صاحب موقف إنساني في المقام الأول غير خاضع للحزبية و الأيدولوجيا. و إنما لأجل الحرية و الكرامة و الاستقلال الوطني. لذلك شارك في أهم قطاع انساني، و هو تعليم النشء الاريتري، و كان عضواً مؤسساً لجمعية المعلمين الإريتريين في الميدان - الأراضي المحررة. حيث كان الوضع الديمقراطي وقتها نصير للارتريين في قضيتهم ومطالبتهم بالحرية. و كانت أسمرة معشوقة لا تقل شأنا عن غرناطة حقيقة أم أسطورة ما بين عشتار و تاجوج:"و أنا في إشتياقي الطويل أتساءل /يا أسمرا بنت عشتار هذي التي تتبرج؟/أم بنت تاجوج تفتحم الدروب مثلا لنسيم المعطر؟/ صدرها كتم مستودعا للنضوج المبكر /ما الذي سوف يحدث يا سحر غرناطة المتجدد في قلب هذا الطريق/ لو تجلى الجمال بكل أهازيجه وأبتدأنا نذوب كقطعة سكر". و كتب نشيدها الثوري من أجل اريتريا:"أغلى ما أملكُ يا قلبي/ مهراً لعيون الحرية/ لبلادي في درب الأحرار تدك جدار الفاشية/ ما عاد كفاحُك يا وطني صفحات نضال منسية" .

شارك في اعداد و تحرير "ترانيم ثورية"، أول انثولوجيا عن اريتريا لشعراء ارتريين وعرب، أمثال: سميح القاسم ، سليمان العيسى ، التيجاني دفع الله . و حازت قصائده على ثلث صفحات (الأنثولوجيا). و أشهرها "أكثر من نافذة" سبق نشرها في م.الدوحة،- يونيو1981م و أهداها إلى مناضلات الشعب الاريتري:"في لحظة التوهج النازف عبر ساحة النضال/رأيتها كانت هناك شعلة تضيء في معارك القتال/أغنية تعشقها الرياح في السفوح والجبال/أروع مما قيل أو يقال/أبدع من قصائد الشعر ومن تألق الخيال/كانت مهاة حلوة تحلم بالقمر وبالحرية/أجمل من حورية /يلمع فوق خصرها طوق من الرصاص/وفي الذراع الأسمر الصامد بندقية".

كان حاضراً حتى الرمق الأخير من معارك التحرير في دفاعات "دقمحري":" فأطلى على الكون و استبشرى/

يا بطولات ثوارنا فى دفاعات دقمحرى".

أدرجت قصائده ضمن انثولوجيا الشعر الاريتري بعد ترجمتها في عملين "من يريد القصة"(2006م). "الحرب و السلام "(2009م)، من اعداد و تحرير البرفسور الأمريكي شارلز كانتالوبو، و مشاركة البرفيسور الاريتري غيرماي نجاش، و هي مُختارات مترجمة لقصائد مكتوبة باللغات الاريترية:العربية و التجرنية و التجري.

استكان في أسمرة الدافئة، و أدى دوراً ريادياً في مجالات الثقافة، و محرراً لصفحة الأداب و الفنون في صحيفة اريتريا الحديثة. شارك في الفعاليات التي تقام في مدرسة الجالية العربية(الأمل)، و كان من مخرجاتها شعراء ،

أبرزهم أحمد عمر شيخ، كاتب قصيدة "اريتريا الصمود"، لحن و غناء محمد وردي.

أيضاً ، شارك كجراي النُخب السودانية و القوى السياسية التي أتخذت من أسمرة مقراً لها . و كان من منجزاتها أوَّل مؤتمر للتجمع في أسمرة منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

تفرغ للكتابة و تجميع أوراقه المبعثرة. و فيها نظم رباعيات الخيام بالشاعرية الكجراوية. و هي أمنية تحققت بعد سنوات عجاف. حيث تأثر كجراي بتجربة عبد الوهاب البياتي، الذي استخدم الخيام قناعاً في مسرحبته النثرية محاكمة في نيسابور في 1963م. و في ديوان الذي يأتي ولا يأتي. و استخدم كجراي الخيام قناعاً في قصائده مثل:"كلمات من أجل نيسابور"م.الدوحة، ابريل 1981م. حيث نيسابور رمزية السودان. و أشار في مقدمة منظوماته الى المصدر الذي استند اليه:"كتاب عمر الخيام -الحكيم النيسابوري"، لأحمد الصرّاف. صدرت المنطومات ضمن منشورات الخرطوم عاصمة الثقافة العربية 2005م، حصائد و إشارات:سياحة في

عالم الشاعر محمد عثمان كجراي،الباب الثالث،للمؤلف مصطفى عبدالله أحمد. و كتب العلامة د. يوسف بكار، أستاذ الأدب و النقد العربي و عميد الدراسات العليا في جامعة اليرموك سابقاً، مقالاً عن تجربة كجراي" عمر الخيام في السودان، "- جريدة "الرأي" الأردنية 10 أغسطس 2019م،

الإنتاج الشعري :

قدم كجراي الكثير من الأعمال المنشورة في حياته أو بعد رحيله بجهد الأبناء، الأصدقاء: ديوان الصمت و الرماد، بيروت 1961م. ديوان الليل عبر غابة النيون،الخرطوم 1987م. ديوان في مرايا الحقول، الدوحة 2011م. ديوان أنفاس البنفسج 2016م. "منظومات من رباعيات الخيام"، "إرم ذات العماد". " خماسيات أبو شول - قصص( أدب الأطفال)". و من الذين لهم اسهام كبير في المحافظة على ما كتبه كجراي، الأديب و الناقد السوداني جابر حسين عبدالكريم. بذل جهداً - لا زال– لجمع أوراق الشاعر، و تقويم الشعر، و القراءة النقدية. و أنجز كتاباً نقدياً بعنوان:" كجراي، عاشق الحرية والقول الفصيح "، اصدار الدار العالمية للنشر و التوزيع 2007م.

كتب عنه:"يُعتبر من رواد الشعر الحديث الحر علي مستوي الوطن العربي ضمن مجموعة الشعراء السودانيين المحدثين من شعراء الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، أمثال محي الدين فارس و جيلي عبدالرحمن و محمد المهدي المجذوب و صلاح أحمد إبراهيم و علي المك، والتي وضعت أسس حركة الشعر العربي الحديث في السودان.و الذين اهتموا بالتجديد في البنية الإيقاعية للقصيدة العربية، وفي شكلها وموضوعها الشعري، حيث يعتمد كجراي في كتابة قصائده الشكل التفعيلي والسطر الشعري، ويميل فيه إلى الرمزية، وحجب الدلالة، والتعويل على الأساطير والأحاجي القديمة، وأحياناً أخرى يقوم بتوظيفها في سياق جديد. كما يتسم شعره بالسردية الحكائية. ويبدو تأثره بالميثولوجيا الإغريقية تماماً كصلاح أحمد إبراهيم واضحاً في بعض قصائده".

من تلاميذه الشاعر إسحاق الحلنقي،الذي لا ينسى المًعلم في مقال بعنوان"فلا نامت أعين المغتربين"منشور موقع النيلين الاليكتروني في 2016.06.27م:" قال لي أحد الأصدقاء لقد لاحظت أنك تتحدث دائماً عن الشاعر محمد عثمان كجراي دون غيره من الشعراء، فقلت له لو أنك جلست إلى كجراي ساعة واحدة لعلمت أنك تجلس إلى بستان يتكلم بلغة الأمواج، ما أروع كجراي وهو يدخل علينا ونحن لم نزل أطفالاً في مدرسة كسلا الريفية ليحدثنا عن بطولات لأجدادنا وكيف أنهم كادوا أن يحملوا التاكا على ظهورهم ليحاربوا بها الطغمة الظالمة من المستعمرين، كان شاعراً ثائراً صنع من رقة الكلمة رصاصة تقاتل". و عبارة " كان شاعراً ثائراً "، ليست عبارة عرضية ، بل موثقة في الذاكرة لا يمحوها النسيان حيث أشار اليها في مقال منشور في صحيفة الصيحة:"من المشاهد التي علقت بذاكرتي قبل سنوات عديدة، و التي لم تتمكن سلطة النسيان من ازالتها .

هي رؤيتي و أنا في في مرحلة الصبا لمجموعة من العساكر، و هم يقتّادون من داخل مدرستنا أستاذي الشاعر الكبير محمد عثمان كجراي مُكبلاً بالسلاسل. ظلت هذه الصورة ملتصقة بذهنّي لا تزول ، لم أعلم حينها أن أستاذي في اللغة العربية ، كان شاعراً و ثائراً يقود فصيلة من المناضلين ضد استعمار بغيض في تلك الأيام ".

هذه حكاية شاعر القطرين ، اريتريا و السودان. الانسان العاشق للحرية:"أنه العشق يفرزها القلب بين دروب الليالي/هكذا نتمزق بالشوق/يصهرنا الوجد في ذكريات العهود الخوالي !".

هذا العشق المُعلن للحرية و أمجادها مع خفقات القلب لا ينتظر مقابلاً ملموساً، ويكفيه الذكرى و عدم النسيان:" أنت وحدك من أتغني بأعياد أمجادها/حينما يخفق القلب يؤرق في صفحات الجرائد/فأذكريني أنا شاعر الوجد. و من ثمّ السؤال من يتذكر شاعر الوجد في ذكرى وفاته ؟.

70 views0 comments

Comments


bottom of page