ذاكرة الحج
- tvawna1
- Jun 5
- 3 min read
Updated: Jun 7
بقلم الاستاذ / عبدالجليل الشيخ 05/06/2025
في يوم رحيل الحجاج، كانت تجتمع القرية بأكملها في ساحة الوداع - مكان التجمع غالباً عند
شجرة أو عند كبير القوم. يحمل الحجاج حقائبهم ومتاعهم ، وتمتلئ الطرقات بالأصوات المبهجة والدموع التوديعية. يتراوح الوداع بين المشاعر المختلطة من الحزن والفخر والأمل في العودة

بسلام.
أما الحاج فرحلته تبدأ مع انتهاء شهر رمضان ، حيث كل واحد حسب امكانياته ، هذا يبيع مال ديه من ماشية من الأغنام و البقر ، و اخر يضع كل ما يحصل عليه من الحصاد ، و أخرون يحجون بدعم ذويهم . و تجدهم قبل مغادرة بيت العائلة الى تجمع القرية مودعاً الدنيا بالوصية لما يملك من ارض و ارث ، و النصيحة للعائلة و غالباً يحرصون الاهتمام بالصغار من الاخوة . و يخرج من بيته تلاحقه الدعوة بالسلامة بين الطرقات حتى الى مكان التجمع . و من هناك تنطلق القافلة ببطء، ترافقها أصوات الهتافات والصلوات. يتبعهم الأهل والأقارب لبعض المسافة، يراقبونهم حتى تختفي القافلة في أفق بعيد نحو المدينة. يبقى الأهل يصلون ويدعون للحجاج بالسلامة والتوفيق في رحلتهم.
في المدينة تبدأ حياة أخرى حيث يتجهون الى محطة النقل و السيارات أو القطار (ليتورينا) حسب المدينة التي ينتمون اليها ، و يقضون أيام مع أهل لهم في المدينة . و البعض يكون ضيفاً بتوصية من صديق أو قريب أو كرم ضيافة. و بعدها ينتقلون الى المحطة الأخيرة مصوّع الواجهة البحرية الى المشاعر المقدسة ليس لحجاج اريتريا بل لعموم مسلمي الحبشة و مسلمي غرب أفريقيا القادمين من سلطنات تكرور (غانا حالياً)، الذين يتجهون الى مينائي سواكن و مصوّع. حيث يصل تكدس الحجاج حول ميناء مصوّع الى عداقا مروراً بطوالوت.

الطريق البحري الثاني ميناء عصب ، لكن السيطرة عليه ضعيفة حيث أهل مكة أدرى بشعابها بسبب مهارة أهل البلاد في البحر و المراكب الشراعية .
عموماً كانت الغالبية العظمى - أنذاك - تسافر عن طريق البحر، و قلة قليلة بالطائرة حتى منتصف الستينات بدأ بعض الحجاج ياتون بالطائرة عبر الخطوط الاثيوبية التي أستمرت في نقل الحجاج الاريتريين حتى عام 1976م حيث أصبح الحاج لا يعود لأن الحج وسيلة للخروج من البلاد .
بعد مرور أسابيع من السفر الشاق، يصل الحجاج إلى ميناء جدة ، حيث يتم توجيهم الى مدينة الحجاج البحر . هناك يبدأ كل مطوف باستكمال الاجراءات. كانت الغالبية العظمى من الحجاج القادمين من مصوّع مسجلون في قائمة المطوف الشيخ عبدالرحمن موسى ابن عبدالقادر كبيري أحمد. للتوضيح: لا علاقة له بالشهيد عبدالقادر كبيري ، حيث أن أصوله من جبر تجراي ، الذين هربوا بدينهم الى اريتريا. أستقر والده زمناً في مصوّع قبل أن يستقر به المقام في مكة المكرمة. و كان حفيده موسى الموسى في اواخر السبعينيات أخر المطوفين قبل أن يتم تحديث الطوافة في مؤسسات و جمعيات خاضعة لأنظمة و قوانين الدولة.
بعد أن يتم انهاء الاجراءات يتوجهون الى مكة لأداء فريضة الحج. و يقضون أيامهم في أداء المناسك حيث مقرهم في مكة أوقاف الحج المخصصة لهم في قصر ناحية الشمال من الحرم تم شراؤها من قبل الحكومة الإيطالية ليكون مقراً لحجاج مستعمراتها الثلاثة في عهد الاشراف، ومن أرتريا كان ممثليها الشيخ محمد سالم باطوق وطاهر شنيتي . بعد (بعد سقوط الإيطاليين) حاول شخص من أرتريا بأن يسجل القصر باسمه ، فقام المغاربة الليبيون برفع شكوى ضده وحصلوا على إعلان آخر من المحكمة، وبعد ذلك تحول المنزل إلى مسؤولية الليبيين في 1961م .
و بعدها يتوجهون الى المدينة المنورة على ساكنها الصلاة و السلام، و زيارة المسجد النبوي. حيث يمضون أياما في اوقاف مخصصة لهم هناك قبل العودة الى جدة ، حيث يمضون أياما يتسوقون فيها و يشترون الهدايا لأهايهم و ذويهم الذين ينتظرونهم بشوق .
عندما يقترب الحجاج من القرية، يصدح الناس بالتكبيرات والأهازيج وينتشر الفرح في كل مكان. يستقبلهم أهل القرية بموكب بهيج يعبر الطرقات. يملأ الهتافات والتهاني الأجواء، ويتبادل الحجاج الأماني والهدايا مع الأهل والأقارب والجيران. تعيش القرية في أجواء الفرح لعدة أيام، يقام الحفلات والاحتفالات، وتروى قصص الحج
2 / 2
وتبادل الخبرات والتجارب. يحتفل الجميع بعودة الحجاج بسلامة ويشعرون بالفخر بأنهم قد أدوا مناسك الحج وحققوا حلمهم و الشرف العظيم أن يطلقون عليهم :" الحاج ، حجي ، و الحجة "، هذا اللقب كان نادر جداً ، حيث كانت القرية تشهد مغادرة حاج أو حاجين واحد أو اثنين في كل موسم .
ذاك زمان مضى ، و لاحقاً أصبح الحجاج ياتون الى مدينة الحجاج و يقوم أهاليهم و ذويهم باستلامهم مع التعهد باعادتهم . و يعود البعض الى المطوف ، و البعض الاخر لا يعود ، حيث يمضي الى الحج مع أهله و ذوية . و ربما يعود الى الوطن أو لا يعود .
أما الحملات الداخلية في السبعينيات حتى نهاية الثمانينيات ، فقد أشتهر كل من ابراهيم سراج، و عثمان شينيتي رحمة الله عليهما بتنظيم حملة الحج بالتعاون مع مطوفي الأفارقة حيث يوفر لهم الخيام . كما كانت للاريتريين عدد من الحملات يقوم بها أفراد نذكر منهم المغفور له ابو الحسن فكاك .
هذه صورة عامة لا تمثل ذاكرة عامة لأن لدى الاريترين الكثير الكثير من الحكايات حول الحج
Comments