فاطمه موسى من المنفى و جسر الحنين الإريتري يطل علينا من الدنمارك قلم معتق بروح الأصالة و النضال
الأستاذ و الروائي المخضرم أبوبكر حامد كهال. كان القلم رفيق الحل و الترحال و تعد ليبيا من البلدان التي قضي فيها وقتا طويلا ، ولها مكانة في قلبه. كتب أديبنا في ليبيا ثلاث روايات: الأولى بعنوان رائحة السلاح، وروايته الثانية بركنتيا: أرض المرأة الحكيمة، والثالثة تيتانيكات أفريقية، في سرد روائي يتناول حقبات مهمة من تاريخ نضال الشعب الإريتري.
تيتانيكات أفريقية ، صدرت عن دار الساقي 2008 وترجمت إلى اللغة الإنجليزية، والتركية، والألمانية، والإيطالية، وهي تُعَدُّ من أولى الروايات التى تُدخِلُنا إلى عوالم الهجرة غير الشرعية، مع تفاصيل الرحلة التي أصبحت رغم خطورتها تجذب الكثيرين من كافة أنحاء أفريقيا والعالم العربي، من الحالمين بالوصول إلى أوروبا. وهي صوت الإنسانية في تجلياتها المقاوِمة للظلم و التهميش و الانكسار.
فاطمه موسى
1. مرحبًا بالأديب والروائي و الشاعر أبو بكرٍ حامد كهال .. هل لك أن تشرع لنا بوابة البدايات، وكيف تكونت لك؟
- نشأت في أسرة تمتهن الرعي والزراعة في إقليم عنسبا (عين سبأ) في قرية تسمى (بركنتيا) هناك تلقيت أولى مراحل التعليم في مدرسة بركنتيا الابتدائية، وبعد إحراق الجنود الإثيوبيين للقرية عام 1967 طلبت جبهة التحرير الإريترية من الأستاذ (سعد حاج) افتتاح مدرسة في إحدى الغابات، وهذا ما حدث بالفعل .. لقد فك المعلم السبورة من على الحائط المحترق، وذهب بها إلى الموقع المعين، بحيث يتوسط القرى التى يقطنها الطلاب، وبالقرب من بئر الماء، وعقب سنة أولى دراسة اكتشف الجنود الإثيوبيون موقع المدرسة عبر جواسيسهم، وجاء طيران الإستطلاع للتأكد من معلومات الجواسيس.
عند ذلك طلبت الجبهة من الأستاذ سعد اغلاق المدرسة، وهكذا قاطعنا الدراسة، وعندما دخلت الأسرة إلى مدينة كرن بسبب صعوبة العيش في بركنتيا ووقوعها على طرق يرتادها جيش الاحتلال الأثيوبي الذي ارتكب مجزرة بركنتيا ..
2- لا شك أن التجربة الحية خير سند للإنسان في هذا الإطار ماذا يحب أديبنا أن يخبرنا ويبحر بنا في أمواج تجربته التي صقلت موهبته وشاعريته؟
- صحيح .. لقد واجهت الموت وأنا طفل صغير من قبل الجيش الإثيوبي ونجوت منه في عدة مناسبات عندما كان يطلق النار عشوائياً لقتل كل من يتحرك، فيكفي أن تكون إريتريا لتموت صغيراً كنت أم كبيراً ، لقد لجأت مع مواشي الأسرة من عنسبا إلى جبال عنسبا تحات (عنسبا السفلى) وهناك مكثت فترات متقطعة بلا طعام. فقط كان هناك الحليب واللحم وهما المتوفران، لكن لا طحين من أي صنف كان، لقد كانت تجربتي في عنسبا تحات غنية جداً، حيث الجبال الشاهقة والطبيعة الخلابة والحيوانات البرية بأنواعها.
لقد رأى الوالد – رحمه الله – ضرورة ذهابي إلى مدينة كرن لاستكمال دراستي، وهكذا كان، ولأنني بلا شهادة تثبت أنني درست في أي مدرسة عُمل لي امتحان وألحقت بالصف الثالث مسائي، وهكذا كنت أذهب في المساء إلى المدرسة، وفي الفترة الصباحية إلى الخلوة.
3- امتزج عطر البارود بعبق الكتب تحت ظلال الأشجار في زمن الثورة؛ حيث خضت تجربة الدفاع عن الوطن . . حدثنا عن تلك الفترة؟
- تجربتي في الكفاح المسلح ةالتحاقي بجبهة التحرير الإرترية رغم قصرها إلا أنها كانت تجربة غنية وملهمة، ليس بسبب المهام اليومية فقط، ولكن بسبب تلك المكتبة التي عثرت عليها في مكان لا يمكنك تخيل أن تجده فيه، مكتبة عامرة بالكتب وبمجلات وصحف بيروت ودمشق والخرطوم، ورغم قدمها إلا أنها كانت بالنسبة لي كنزاً لا يقدر بثمن، كانت عشة المكتب قد شيدت من الأعواد والقصب على حافة ساحة التدريب، فكانت مكان خلوتي أقرأ فيها كتباً عربية، وأخرى مترجمة إلى العربية، مثل مذكرات أرنستو تشي جيفارا، وأشعاراً لمحمود درويش، وناظم حكمت وغيرهما . هذا طبعاً إلى جانب أدبيات الثورة الإريترية. كنت أنتهز كل فرصة فراغ من المهام لأختلي بكنوزي إلي أن تغيب الشمس.
4- في ليبيا كان المنفى، والالتقاء مع أدباء وأقلام ليبية، وكتبت روايتين .. هل أدخلتنا إلى عوالم تلك التجربة . فما هى أجواء روايتك الأولى رائحة السلاح ؟
وعملك الثاني بركتينا أرض المرأة الحكيمة ؟
- من الصدف التى خدمتني هو الالتقاء بالراحلين الشاعر (جيلاني طريبشان)، و القاص والفنان التشكيلي (رضوان أبوشويشة) والناقد والقاص (حسين المزداوي) والشاعر الراحل أبو القاسم المزداوي والمسرحي والروائي منصور بشناف والشاعر (محي الدين محجوب) والشاعر واللغوي (عبد المنعم المحجوب) والشاعرة الراحلة (كريمة حسين) والشاعرة (حواء القمودي) والفنان التشكيلي (علي العباني) الذي صمم غلاف روايتي الثانية بركنتيا أرض المرأة الحكيمة، والأديب جابر نور سلطان، والناقد (رمضان سليم) والصحافي والروائي (أحمد الفيتوري ) وغيرهم كثر، لقد خدمني كل هؤلاء بطريقة وأخرى في إنجاز منجزي رواية رائحة السلاح التى كتبتها من ذاكرة الطفولة وحرب التحرير الأريترية، كنت مليئاً بالتجربة، وأنزلتها على الورق، وعندما شعرت بإنني لم أقل كل شيء في رائحة السلاح أتبعتها برواية (بركنتيا أرض المرأة الحكيمة) .أما روايتي الثالثة تيتانيكات أفريقية كتبتها في ليبيا أيضاً، لقد قدر لي أن أكون في المكان المناسب ليبيا الذي يتخذها المهاجرون بلداً للعبور، اقتربت منهم كثيراً، وأنا نفسي كانت لي أكثر من تجربة فاشلة للعبور إلى أروربا.
إذن من خليط التجربة الذاتية وسماع قصص وحكايا المهاجرين جاءت تيتانيكات إفريقية التى ترجمت إلى أربع لغات حتى الآن، ومنها الإنجليزية التى لاقت نجاحاً طيباً، ودُرست و تدرّس في أكثر من خمسة عشر جامعة ومعهد وكلية حول العالم.
5- بعد ليبيا تأتي تونس كيف أثَّرت عليك البيئة الجديدة كمهاجر و أديب؟
- نزحت إلى تونس 2011 فرارا من الحرب وإنعدام الأمن في ليبيا، حيث مكثت قرابة السنة في معسكر الشوشة للاجئين على الحدود الليبية التونسية، كانت تجربة زاخرة، فأنت لاتعرف مصيرك، فقط أنت مجرد رقم في دفاتر منظمة الأمم المتحدة، وكانت التجربة ككل ملهمة، فأنت وسط آلاف من الكتل البشرية المنتمية لبلدان عدة، ومعروف عن ليبيا أنها كانت موطن شغل للعديد من الجنسيات، خاصة من دول إفريقيا وآسيا، فتجد نفسك وسط تصادم هذه الآلاف أمام مركز توزيع الطعام والماء ووسط تصادم المعتصمين، الذين يغلقون الطريق الدولي الرابط بين ليبيا وتونس، فتتعطل مصالح الناس في الجانبين.ب <<<<<<المصدر
Comentarios