جدوى قناة السويس في المستقبل
بقلم: محمد شحاتة حسين - شاعر وكاتب جمهورية مصر العربية.
في ظل التطورات العالمية، وحرب الطاقة التي نشهدها، فإن العالم اليوم يواجه أزمة مردها البحوث العلمية التنبؤية التي تشير إلى مرحلة خطيرة في تاريخ العالم مستقبلا.
تلك الأزمات المتوقعة، والتي ظهرت لها بوادر كارثية, وعلى رأسها أزمة المناخ. تلك الازمة التي اختلفت حولها التقديرات والمفاهيم، وهل هي أزمة حقيقية، أم مفتعلة! والتي يقدر لها أن تكون الأزمة التي ستشتعل بسببها الحروب بشكل متسارع ومتفاقم في كافة أنحاء العالم.
حتى كتابة هذه السطور هناك عدة ميادين مشتعلة بالفعل وبعضها على أبهة الاستعداد.
فلدينا ميدان الحرب الروسية الأوكرانية بأبعاده الميدانية والتبعية في جميع أنحاء العالم، كما بدأ يظهر جليا ميدان أكثر اتساعا وأشد خطورة، ألا وهو ميدان حرب الساحل.
هذا الميدان المرتبط حصريا بمستقبل البشرية، فهو يضم عدة بلاد بعرض إفريقيا تمتد من خليج غينيا غربا حتى بحر العرب شرقا. هذه المنطقة التي تعتبر سلة الغذاء العالمية المعتبرة في المستقبل.
فضلا عن كونها مليئة بالموارد الطبيعية سواء من مصادر طاقة أو معادن لازمة لكافة أنواع الصناعات.
فمشكلة المناخ ذات أبعاد معقدة، وقد استقر الوجدان الحكومي العالمي على وجوب وضع هذه المشكلة في أولويات السياسة العالمية ومجرياتها.
وتنقسم في حلها إلى عدة حلول مرحلية، فإلى جانب الحد من تفاقم مشكلة المناخ، فهناك تحرز واسع من عدم القدرة الفعلية على مواجهة الظاهرة المناخية إن كانت طبيعية. فالذي يمكن معالجته هو المشاكل البشرية، أما التغيرات المناخية الطبيعية فتلك تحتاج إلى حلول كبرى.
وأثناء البحث عن وسائل جادة لمواجهة التغيرات الطبيعية، فهناك العديد من المؤشرات التي توحي بأن هناك وسائل للتحكم بالطقس بشكل خاص والبيئة بشكل عام، من إمكانية صنع أعاصير وزلازل صناعية وقباب حرارية. فهناك حل طبيعي يرى من خلال التنبؤات بما سوف يكون عليه شكل الأرض في المستقبل أي أماكن الأرض الذي سيكون صالحا للحياة.
وقد استقرت العديد من البحوث أن منطقة الشرق الأوسط وشمال ووسط إفريقيا هي منطقة حضارية تاريخية سحيقة في القدم، وقد مرت الأرض بمراحل مختلفة من التغيرات المناخية القاسية. وقد استندوا في رؤاهم على معطيات علمية، إلا أن غالبيتها معطيات أدبية تاريخية واستدلالات تحتاج إلى مزيد من البحوث لإثباتها.
فكون الإنسان الأول جينيا جاء من شرق إفريقيا حسب البحوث المتاحة حاليا تبعا لنظرية الخروج من إفريقيا- وإن كان هناك بحوث تعارض هذه النظرية- فذلك يعني أن منطقة إفريقيا هي أقل مناطق الأرض عرضة للتغيرات المناخية، إلى جانب الغطاء الخضري الكثيف ومنابع المياه من أنهار وبحيرات ومعدلات إمطار عالية، فكل ذلك يشير إلى أن هذه المنطقة من العالم لها مستقبل أقل خطورة من حيث تغير الظواهر المناخية عن بقية مناطق العالم.
فرأت بعض المدارس الفكرية أن البشر يجب أن يكون لهم مأوى في المستقبل يقيهم التأثر بشرور الأزمات المتوقعة. وقد استقروا على أن وسط إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي المناطق الأكثر أمانا وقتها.
وبالطبع فإن الإستيلاء على هذه المناطق صار هاجسا لدى أصحاب هذا الفكر. خاصة إذا ما ربطنا بين مثل هذا المشروع وبين مشروع المليار الذهبي وغيره من المشاريع المستقبلية التي يتم تداولها كنظريات مؤامرة حتى الآن، فيمكن أن نصل إلى أن هناك فكر أعلى من كل هؤلاء
المتصارعين يستخدمهم جميعا لإقامة دولة عالمية يكن معها الساحل الإفريقي هو مصدر الغذاء للدولة الذهبية.
إلا أننا نفهم أيضا أن كل هذه الممرات قد لا يكون لها أي استمرارية حقيقية في المستقبل وأنها قد تنهار لأسباب أمنية وصراعات دولية قد تخرج عن الإطار المحدد لها .ما لم يكن إضعاف قناة السويس له أهمية أشد غموضا عند كل هؤلاء المتحالفين المتصارعين.
في حين أن البعض رأى أن هذه المناطق لن يتعدى نفعها إلا كونها سلة غذاء عالمية، بينما الكثير من مناطق العالم يمكنها مواجهة التغير المناخي، وأن هناك مبالغات لدى أصحاب نظرية البقاء الأخير.
وعلى كل، فإن كل المدارس متفقة على وجوب تنمية هذه المنطقة والإستفادة منها بشكل عالمي. مما جعل مياه انهار هذه المنطقة من العالم رهن المشروع، بما فيها نهر النيل، وحوض الكونغو. وهذا يفسر بناء سد النهضة مثلا، الذي تم الإتفاق عليه بين عدة حكومات بشكل يظهر أنه مجرد عدوان إثيوبي، بينما في الحقيقة هو إتفاق غامض بين قوى سياسية عالمية لا تملك لا مصر ولا إثيوبيا معه إتخاذ أي إجراء بخصوصه.
فالساحل الإفريقي سيكون بالفعل له دور كبير في نهضة أي قوى تستطيع السيطرة عليه، وسيجعل منها قوى عظمى حقيقية، بما يحويه الساحل من موارد.
وقد اتفقوا فيما بينهم على وجوب تنمية الساحل، فظهر مشروع الجدار الإفريقي العظيم، والذي تشارك فيه عدة دول بشكل متسارع وحماسي.
ويمكن رصد أطراف الصراع مبكرا في منطقة الساحل من خلال مجريات الأحداث العالمية، أوربا وأمريكا والصين وروسيا، وكل دولة حليفة أو لها مصالح مشتركة مع أي من هذه الأطراف.
فيبدو أن منطقة الساحل ستشهد حربا حقيقية، بين كل هذه الأطراف وبين حكومات دول الساحل وشعوبه، في تحالفات مختلفة متغيرة تبعا لظروف المعركة، خاصة في ظل وجود الجماعات والميليشيات المسلحة التي صارت سمة من سمات الميادين العسكرية. تماما كتمثيلية الحرب الروسية الأوكرانية، التي قد تتحول في أي لحظة إلى سيناريو تدميري عالمي.
ومن ينظر إلى خارطة الشرق الأوسط ومنطقة الساحل، سيعرف أن بحر العرب سيتحول إلى ساحة حرب، ولكي تضمن أوربا وصول الطاقة إليها من كافة مصادرها في آسيا، فإنها تعمد اليوم جاهدة على الإشتراك في إنشاء ممرات طاقة مختلفة ، وكلها تدور بعيدا عن قناة السويس، والتي لا يمكن نقل البضائع عبرها من الشرق إلى الغرب إلا من خلال المرور عبر بحر العرب.
فهناك تحرز أوربي عالمي، من تحول منطقة بحر العرب إلى ميدان من ميادين حرب الساحل. فكل المشاريع المطروحة لا تعبر في واقعها المعلن عن أي قيمة تجارية حقيقية أمام قدرات النقل عن طريق قناة السويس، كما أن تكلفة هذه المشاريع لا يشير أبدا إلى جدواها ما لو كانت قناة السويس لها جدوى مستقبلية كحالها اليوم.
فيمكن بداية إدراك أن هذه المشاريع تستهدف قناة السويس لإضعافها، وتنحيتها عبر الوقت عن وظيفتها الهامة ألا وهي نقل البضائع من الشرق إلى الغرب والعكس.
لكن بالنظر في جدوى هذه المشاريع فإنها لا تمثل أي أهمية تذكر أمام قناة السويس، مثل مبادرة الحزام والطريق، والتي تم دمجها في الدستور الصيني في عام 2017 . والممر الأخضر الذي سيربط الهند بأوربا عن طريق الشرق الأوسط بعيدا عن المرور بقناة السويس،وممر ايكو (باكستان وإيران وتركيا) والممر العالمي بين الشمال والجنوب (فنلندا ، روسيا ، جمهورية أذربيجان، إيران ، الخليج والهند)، و ممر (إيران ، جمهورية أذربيجان، جورجيا، البحر الأسود وأوروبا). والسيل التركي، والممر الشمالي الشرقي الذي سيربط روسيا بأوربا بمحازاة القطب الشمالي.
كل هذه المشاريع التي تبدو جامعة بين الأعداء، قد يبدو منها أن المستهدف الوحيد هو البعد عن قناة السويس، فكما نرى هي ممرات برية وبحرية،ويختلف جدوى كل ممر منها عن الآخر،إلا أن أي منها لا يصل إلى جدوى قناة السويس، فيبدو ظاهريا أن المستهدف هو تنحية قناة السويس.
إلا إذا فهمنا أن هذه الممرات سيتكون لها جدوى حقيقية في المستقبل في حالة نشوب حرب الساحل. ولن يكون أمام دول أوربا وآسيا نقل البضائع فيما بينها، إلا عن طريق هذه الممرات، مهما كانت جدواها ضعيفة.
كما أن هذه الممرات تحوي في مشاريعها خطوط نقل للبترول، وهذا هو أهم ما تخشى أوربا فقده في حال تعطل قناة السويس لأي سبب كان. ونلاحظ أن هذه الممرات هي من بقاع جغرافية مختلفة لكنها تلتقي كلها في أوربا الصغيرة.والتي يظهر جليا أن كلها تستهدف خدمة السوق الأوربية. فأوربا هي الجناح الأهم في الصراعات العالمية عبر التاريخ، والحفاظ عليها قوية متنزنة قبل أي مرحلة إنتقالية تاريخية يبدو أمرا مفهوما.
-"حرب الساحل الإفريقي"، منشور في صحيفة دنيا الوطن ،مؤرخ في 2023.09.24م
Comments