مصادر: القاهرة تسعى إلى تعزيز مبادئ التعاون الإقليمي والتحالفات الإثيوبية المتقلبة مع جيرانها لا تتيح الاستقرار الأمني
السبت 12 أكتوبر

ملخص
يواجه المحور المصري في القرن الأفريقي تحدياً جوهرياً وسط اعتراضات إثيوبيا على الاتفاقية الدفاعية مع الصومال والتعاون المتنامي مع دول اعتبرتها أديس أبابا حديقتها الخلفية، فضلاً عن تزاحم القوى العظمى وقواعدها العسكرية في المنطقة.
بحزم من المساعدات العسكرية والاقتصادية والإنسانية، وجولات رفيعة المستوى لكبار المسؤولين الدبلوماسيين والأمنيين، توجت مصر نشاطها في منطقة القرن الأفريقي بزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس مصري إلى إريتريا الدولة الواقعة جنوب البحر الأحمر التي استقلت عن إثيوبيا قبل ما يزيد قليلاً على ثلاثة عقود، لتجعل إثيوبيا دولة حبيسة بحرياً.
وتعيش أديس أبابا معضلتها الجيوسياسية كدولة حبيسة غير ساحلية تسعى أخيراً إلى الحصول على منفذ تجاري على البحر الأحمر وقاعدة عسكرية بحرية، من خلال تحالف آخر مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، وهو ما عدته القاهرة مناكفة لمصالحها في الصومال وتصعيداً للأزمة المائية الممتدة لأعوام بين مصر وإثيوبيا والسودان، نتيجة عدم الاتفاق حول آلية ملء وتشغيل سد النهضة الذي بنته أديس أبابا على النيل الأزرق الرافد الأساس لمياه نهر النيل.
ولجأت مصر خلال الأعوام الأخيرة إلى تدشين شراكات استراتيجية تصل إلى حد التحالفات القائمة على ركائز اقتصادية وعسكرية وأمنية، في صيغة محاور ثلاثية تنطلق من اعتبارات الأمن القومي والإقليمي، كما جرى من خلال صيغة التعاون الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص في مواجهة تركيا داخل منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالغاز، لتسعى مجدداً إلى تكرار النهج نفسه على مستوى المشرق العربي من خلال ما أطلق عليه مشروع الشام الجديد من خلال التعاون بين الأردن والعراق، وهو ما نظر إليه كتحالف أمني اقتصادي يعيد العراق إلى المحيط العربي بعيداً من النفوذ الإيراني، لكن هذا المحور لا يزال يواجه تحديات عديدة من أجل الوصول إلى أهدافه المعلنة.
وعلى المنوال ذاته، يواجه المحور المصري في القرن الأفريقي تحدياً جوهرياً وسط اعتراضات إثيوبيا على الاتفاقية الدفاعية مع الصومال والتعاون المتنامي مع دول عدتها أديس أبابا حديقتها الخلفية، فضلاً عن تزاحم القوى العظمى وقواعدها العسكرية في المنطقة.
ويرى مراقبون تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" أن طبيعة التحالفات المتقلبة في المنطقة "لا تتيح استقراراً وثباتاً في المصالح الأمنية والجيوسياسية في القرن الأفريقي" كما هو الحال مع تقلب إثيوبيا وإريتريا بين التعاون والصدام خلال الأعوام الأخيرة، فضلاً عن تعرض دول المنطقة إلى تدخلات خارجية عميقة واضطرابات اجتماعية وزلازل سياسية بين الحين والآخر، تصل إلى حد الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة والمجاعات وموجات النشاط الإرهابي.
ويعتقد بعض المراقبين أن ممارسة الحد الأقصى من الضغوط على إثيوبيا "ربما يأتي بنتائج عكسية في الملف المائي"، ويدفعها إلى مزيد من التشدد والتعنت عوضاً عن تليين موقفها إزاء أزمة السد التي تمثل خطراً وجودياً على المجتمع المصري وحصته المائية، وربما تزيد هذه تحركات إثيوبيا نحو تعميق تحالفات ومحاور مضادة مع دول أخرى شاطئية في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي بينها جيبوتي وكينيا.
وعقب قمة "أسمرا" الثلاثية التي شهدت مشاورات مكثفة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والصومالي حسن شيخ محمود بدعوة من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي أكد رؤساء الدول الثلاث في بيان مشترك، الاحترام المطلق لسيادة واستقلال ووحدة أراضي بلدان المنطقة والتصدي للتدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة تحت أية ذريعة أو مبرر، وتنسيق الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار الإقليمي وخلق مناخ موات للتنمية المشتركة والمستدامة، وتطوير التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث من أجل تعزيز إمكانات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وتمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بكل صوره، وحماية حدوده البرية والبحرية وصيانة وحدة أراضيه.
المحور المصري في القرن الأفريقي
وترى الباحثة في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية المتخصصة في الشأن الأفريقي شيماء البكش أن "تفكيك التحالفات التي دشنها صعود رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى السلطة "تمثل غاية محورية للتحرك المصري في القرن الأفريقي".
وأشارت إلى أن "زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للعاصمة الإريترية أسمرا أول من أمس الخميس بمشاركة نظيره الصومالي حسن شيخ محمود، تأتي في سياق إعادة صياغة التحالفات الإقليمية التي شهدت تبدلات ملحوظة أعقبت ما كشفت عنه إثيوبيا من طموحات في الهيمنة الإقليمية وإعادة فرض أنماط من التفاعلات الإقليمية، تعكس رؤيتها ومصالحها الأحادية في الإقليم".
وتعد البكش أن "مواجهة مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال من خلال تحركات المحور المصري لتأكيد سيادة مقديشو "ليست سوى رأس جبل الجليد في نفوذ إثيوبيا المترسخ بالمنطقة والحضور المصري المضاد".

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (أ ف ب)
وأوضحت أن "مذكرة التفاهم الإثيوبية مع إقليم أرض الصومال، الذي أعلن الانفصال عن الصومال بصورة أحادية قبل ثلاثة عقود "تعد نقطة التحول في إعادة صياغة التحالفات التي جرى تشكيلها خلال عام 2018، حينما صعد رئيس الوزراء الإثيوبي إلى السلطة واستهدف إعادة صياغة تحالفات القرن الأفريقي".
وأسهمت سياسة تصفير المشكلات التي انتهجتها إثيوبيا وترجمتها في ذلك العام باتفاق السلام مع إريتريا الذي أنهى عقوداً من الصراع وحصول آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام، في خلق مناخ موات لتشكيل تحالف ثلاثي ضم إثيوبيا وإريتريا والصومال، وتهدئة الخلافات بين إريتريا وجيبوتي، مما أسهم نهاية المطاف في إطلاق مبادرة القرن الأفريقي عام 2019.
ويعتقد الباحث في الشؤون الأفريقية محمد عبدالكريم أنه "لا يمكن وصف التحرك المصري بـ(المحور)، لأنه عبارة عن اتفاق مشترك بين دول في إقليم واحد (حوض البحر الأحمر) يهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي والثلاثي في ما بينها، وحماية أمن البحر الأحمر وتعزيز سيادة الدول الثلاث وعدم تهديدها من قبل دول باتت ترى نفسها فوق القوانين الإقليمية والدولية، وتعمد إلى سياسات ابتزاز غير مسبوقة بين الدول الأفريقية بالسعي إلى الاستيلاء على شريط ساحلي من دولة ذات سيادة وبشروط سيادية غير مسبوقة، لغرض إقامة قاعدة عسكرية بحرية ومرافق بحرية تمولها على الغالب دولة أخرى".
وتابع عبدالكريم "من هنا فإن هذا التحرك منطقي وليس محوراً لمواجهة محور، بل هو مساع أفريقية إقليمية لتعزيز مبادئ التعاون الإقليمي الأفريقي وإنفاذ لعدد من أهم منطلقات العمل الأفريقي الجماعي منذ تكوين منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي".
وأوضح، أنه "يمكن اعتبار أن أهم محددات السياسة المصرية في القرن الأفريقي السعي إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار، وخفض التوترات في جنوب البحر الأحمر وخطوط الملاحة التي تمتد على طول السواحل الصومالية، وصيانة استقرار وسيادة دول الإقليم لا سيما الصومال، ومنع مساعي أطراف إقليمية إلى انتهاك هذه السيادة ليس في الصومال فحسب، لكن في دول أخرى مثل إريتريا والسودان عبر التلاعب بالمصالح الاقتصادية المفترضة مع الأولى".
وبحسب عبدالكريم "يأتي إعادة تنشيط القاهرة علاقاتها الاقتصادية والأمنية والدفاعية مع الصومال وإريتريا في صلب هذه المحددات، أملاً في استعادة الأولى دورها الذي تآكل خلال الأعوام الأخيرة بسبب سياسات دول إقليمية وقوى دولية اشتركت بصورة أو بأخرى في تحجيم أي حضور مصري بالقرن الأفريقي، بل والمبادرة بسياسة هجومية مباشرة موجهة ضد الأمن القومي المصري". المصدر ...>>>>>>
Comments