الجمعة 19 من رمضان 1445 هــ 29 مارس 2024
حوار ـــ أمنية السيد حجاج
استهداف المنطقة العربية فى هويتها أمر واضح لا يحتاج إلى تأويل
أريتريا لا يمكن أن تنفصل عن محيطها العربى .. والثقافة العربية جزء من تكويننا
معظم كتاب منطقة القرن الإفريقى يكتبون بلغاتهم المحلية مما يجعل إنتاجهم متداولا فى محيط محدود
بدأ شاعرا وكتب العديد من القصائد، ثم انتقل للقصة القصيرة، حيث حصل على العديد من الجوائز، إنه الكاتب الإريترى محجوب حامد المولود فى مدينة كرن 1974
ولأنه يرى أن الأدب أقصر الطرق للتواصل، فقد سعى لتأسيس اتحاد الكُتاب الإريتريين بالمهجر الذى يشغل منصب الرئيس فيه، ولحامد نظرته الخاصة لعلاقة بلاده بالشرق العربى وكونه عنصرا أصلا فى تشكيل هويتها فى مواجهة أغلب الصراعات التى تدور فى العالم والتى يرتكز معظمها على بعد ثقافي، حيث يقول: «لذلك نجد استهداف المنطقة العربية فى هويتها وثقافتها أمرا واضحا لا يحتاج إلى تأويل كبير».
التقينا المبدع الإريترى الكبير لنتعرف أكثر على الأدب والثقافة الإريترية، وعلى أهم إبداعاته، وجهود اتحاد الكتاب الإريتريين فى نشر أدب بلادهم وتوطيد علاقة هؤلاء الأدباء بالوطن الأم وتعريف مواطنيه بهم وبإبداعاتهم.. فإلى نص الحوار
متى اكتشفت موهبتك فى الكتابة وكيف كانت البداية ؟
كنت ميالا للقراءة منذ كنت يافعا، لكن مع الوقت اكتشفت انحيازى الواضح للأدب، فكرست الكثير من الوقت والجهد لمعرفة هذا العالم الجميل، ولأن القراءة تؤدى إلى الكتابة وجدت نفسى أكتب ولكن دون وعى، حينها كنت طالبا بالمرحلة المتوسطة، ولا أنسى دور أستاذى حسن ابراهيم الذى آمن بموهبتى فى ذلك الوقت المبكر ودلنى على الدروب الواعدة التى لا أزال أسير عليها حتى اليوم.
بدأت شاعرا وكتبت العديد من القصائد، ثم انتقلت للقصة القصيرة، وصرت أجيد التنقل بين الشعر والقصة دون عناء وأنا أردد قول أحد الأصدقاء «بأن القصة القصيرة هى مشروع قصيدة فاشلة».
اجعلنا نقترب أكثر من عالمك الأدبى عبر مجموعتك القصصية «شِنْكيباى» والمجموعة الشعرية «أندلسية العينين»
المجموعة القصصية عن الوطن وهى تكتنز بالمعاني، كما تتكاثف فيها الألوان وتخبو فى الوقت نفسه و تختصر مفهوم الوطن عندي، وهى تجسد الحالة النفسية التى أعيشها بصدق. أما «أندلسية العينين» فتضم عددا من القصائد التى كتبت منذ وقت بعيد، وهى مجموعة غير محظوظة، فقد ضلت طريقها لدور النشر مرتين، مرة فى القاهرة عام 2001 ومرة ثانية فى الجزائر، وظلت حبيسة سنوات حتى وجدت فرصة جديدة عندما وصلت إلى القاهرة عام 2019 حيث صدرت بعد عام عن دار النخبة للنشر والتوزيع، وهى تجربة اعتز فيها لانها تنتمى إلى ذلك الزمن الجميل الذى كتبت فيه معظم قصائدها .
هذا عن عالمك الإبداعى .. فماذا عن جهدك الثقافى ودورك فى إطلاق اتحاد الكُتاب الإريتريين بالمهجر؟
فكرة إطلاق اتحاد الكتاب الإريتريين بالمهجر، الذى تشرفت برئاسة دورته الأولى، كانت لإيجاد مظلة إبداعية مستقلة وجامعة للكتاب فى مختلف مجالات الفعل الثقافى بمختلف أنماطهم الإبداعية، حيث تم فى نهاية أكتوبر 2021 الإعلان الرسمى لانطلاق برامج وأنشطة الاتحاد، فامتدت جسور التواصل مع الاتحادات والروابط والجمعيات والمراكز الثقافية والصحف والمجلات والدوريات الأدبية، إضافة إلى تذليل عقبات الطباعة والنشر والتوزيع وتنظيم الفاعليات، وفق رؤية إبداعية واضحة، بجانب الاشتغال على الشق المتعلق بطرح قضايا الكتاب ضمن الهموم والمطلوبات العامة لمكونات الشعب الاريتري، كما يعمل على نشر المنتج الأدبى والإبداعى بمختلف الوسائل.
أنت أيضا من الباحثين فى «التراث والفلكلور بمنطقة القرن الإفريقي».. حدثنا عن القواسم المشتركة بين شعوب هذه المنطقة؟
تعتبر منطقة القرن الإفريقى واحدة من المناطق التى تضج بأنواع مختلفة من الاثنيات والقوميات التى تختلف وتتقاطع فى الكثير من العادات والتقاليد والألسن والجغرافيا والنشاط الاقتصادى أيضا، وهى شعوب قريبة من بعضها البعض، وقد ساعد هذا الثراء والتنوع فى إيجاد بانوراما جميلة، وانتشار أنواع مختلفة من الفنون والإبداع .لكن معظم كتاب منطقة القرن الإفريقى يكتبون بلغاتهم المحلية، ما يجعل إنتاجهم متداول فى محيط محدود، ولا يجد جسورا تعبر به نحو الآخر، وهى من أكثر المعضلات التى يواجهها أدب القرن الإفريقي، لذلك نجد على سبيل المثال، أن الاثيوبيين اكتشفوا نجيب محفوظ بعد ترجمة روايته «أولاد حارتنا» للغة الأمهرية، ولم يعرف الغرب شيئا عن الأدب الصومالى إلا بعد أن كتب نورالدين فارح باللغة الانجليزية، كما أن الأدب الإريترى وجد الذيوع بعد أن كتب حجى جابر وأبوبكر كهال باللغة العربية وسليمان دنيا باللغة الانجليزية . ولأن الأدب أقصر الطرق للتواصل، ضرورى جدا مد جسور لحل هذه العزلة، ربما تلعب الترجمة دورا مهما فى تعزيز الأدب المتبادل وفك الإشكاليات الثقافية بين شعوب هذه المنطقة والعالم.
لكن بالتأكيد يبقى لكل شعب خصوصيته التى تنعكس فى فنونه.. حدثنا عن خصوصية الأدب الاريترى وبخاصة المكتوب منه باللغة العربية ؟
بحكم التنوع الاثنى فى إريتريا نجد إبداعا وأدبا متنوعا، لكن يمثل عادات وتقاليد وثقافة اللغة والقومية التى ينتمى إليها مع بعض التشابه والتقارب فيما بين هذه القوميات، كما نجد الأدب بكل أنواعه لكنه أدب السواد الأعظم منه قائم على الشفاهة . أما ماكتب عن الأدب الإريترى قليل مقارنة مع دول المنطقة بحكم الاستعماريات المتعاقبة على إريتريا والتى فرضت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وسعت إلى ترسيخ هيمنة و ثقافة لغة المستعمر نفسه .
فى فترة الكفاح المسلح من عام 1961 إلى عام 1991 بدأت مرحلة جديدة للأدب، حيث ظهرت كتابات متعددة ومتنوعة فى عدد من الأنماط الإبداعية المختلفة، لكن يصنف ما كتب فى تلك المرحلة تحت دائرة العمل التعبوي، وقد أفرزت هذه التجربة الكثير من الشعراء وكتاب القصة القصيرة والمهتمين بالأدب والنقد وغيره من الإبداع .
فيما يخص الأدب الإريترى المكتوب باللغة العربية فى إريتريا، تعتبر رواية «رحلة الشتاء.. صالح» للكاتب والمناضل محمد سعيد ناود، أول رواية اريترية مكتوبة باللغة العربية فى سبعينيات القرن الماضى، تلى ذلك بعض الاصدارات الشعرية و الادبية والدورية، لكن بصفة عامة ازدهر الأدب المكتوب باللغة العربية بعد تحرير إريتريا فى العام 1991، حيث ظهر منتج أدبى متنوع فى الرواية والقصة القصيرة والشعر، لكن ما وجد الذيوع والانشار أكثر هو ما يعرف بـ«ادب المهجر» ان صح التعبير، وقد نجح الكثير من كتاب المهجر فى الوصول للأخر والتعريف بالأدب الإريترى، بل أصبحوا يشاركون فى الكثير من المحافل الادبية وينافسون ويحصدون الجوائز، كرواية تايتنكات إفريقية لأبوبكر كهال التى ترجمت لعدة لغات، فضلا عن برمجتها فى مناهج عدد من الجامعات الأمريكية والأوروبية وتتويج الروائى حجى جابر بجائزة كتارا للرواية العربية فى دورتها الخامسة 2019، وحصول رواية عطر البارود لهاشم محمود على جائزة اوسكار شبكة المرأة العربية.
هل يعنى ذلك أن المشترك ثقافياً وتاريخياً بين إريتريا و العالم العربى كان يؤهلها لان تكون عضوا فى الجامعة العربية أم أنك ترى أن ما بين الثقافتين مناطق تماس و ليس بالضرورة اندماجا؟
تقع اريتريا فى المحيط العربى وتربطها صلات وامتدادات بالمنطقة، والثقافة العربية جزء من ثقافة الإنسان الاريترى وتعتبر ثقافة قديمة جدا ومؤسسة منذ أكثر من ألف عام، وهناك الكثير من الشواهد التى تؤكد ذلك، كما أن هجرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى البر الاريترى فى العام الخامس للبعثة المحمدية لم تأتى من فراغ، بل هى تجسد ذلك التواصل والامتدادات الطبيعية . وعندما قامت الثورة الاريترية وتأسست هنا فى مصر ثم انطلقت من داخل الأراضى الإريترية كانت بدعم ومساندة عربية، كل ذلك نابع من علاقات قائمة على الأخوة والصلات القوية، كما أن القائد الشهيد عثمان صالح سبى كان يردد دائما «أن مسألة العروبة فى إريتريا هى الأساس، لأنه لولاها لما كانت حاجة إلى الثورة أصلا» .
على ذكر الثورة الأريترية.. انت تنتمى الى الجيل الذى عاش الهَبات الثورية و الانقلابات والفوران السياسى .. كيف تأثرت بها؟
أنا من مواليد سبعينيات القرن الماضي، وأنتمى لذلك الجيل المشوه الذى عاش وسط حالة اضطراب سياسى فى إريتريا وبين حربين أهليتين تخللتا حرب تحرير كبرى دامت ثلاثة عقود، كان مدادها الدم والعرق والدموع، وصادفت أجيالا متعاقبة من المبدعين، لذلك من الصعب الفكاك من كل هذه الذاكرة المشحونة بالمجازر والمشانق واللجوء والضياع، وتظهر جليا بدرجات متفاوتة فى كل فعل إبداعى دون قصد، خصوصا إذا كانت المآسى تتكرر بأشكال مختلفة فى الراهن السياسى وهو ما يجعل قاموس المبدعين يجدد نفس التجارب ويجعلها تورق بأشكال مختلفة وهى تختزل الوطن فى كل تجلياته المفرحة والمحزنة .
تعيش الثقافة العربية مرحلة حساسة تعكس ما تعيشه مجتمعاتنا من محاولات للسيطرة والغزو الثقافى .. كيف يمكن مواجهة الأمر؟
أغلب الصراعات التى تدور فى العالم ذات بعد ثقافى، لذلك نجد استهداف المنطقة العربية فى هويتها وثقافتها أمرا واضحا لا يحتاج إلى تأويل كبير، لكن ما نعيشه من ظروف وضغوط فى الحياة والمدنية المفرطة على حساب قيم وعادات المجتمع، يسهل عملية الاستلاب الممنهج التى يسعى إليها الغرب، خصوصا عندما تكون المداخل من الزوايا الثقافية والإبداعية . يتطلب الأمر يقظة وجهدا مضاعفا لتكريس الكثير من الطاقات من اجل الحفاظ على ثقافات المنطقة ومكتسباتها، وإلا سنواجه مصيرا يصعب السيطرة عليه. مهم العودة إلى دور القوى الناعمة والمؤسسات الثقافية وتذليل صعابها حتى تقوم بالدور المنوط بها فى اكمل وجه.
وفى ظل تلك الصراعات وفى عالم متغير تسود فية هيمنة مواقع التواصل وأصحاب التقدم المعرفى فى الغرب ..كيف ترى الجهود الرامية لحفظ التراث فى إريتريا ؟
هى عاصفة قوية يواجهها كل العالم، والتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى أصبح سلاح ذا حدين، نجد بعض المساعى من أجل إصلاح علاقة الأطفال مع هذه الوسائل وتحويلها إلى علاقة صحية، وهى مبادرات من منظمات او مؤسسات تعليمية وحتى على مستوى الإفراد تستهدف الأطفال الإريتريين خارج اريتريا، لان داخل إريتريا لا يوجد انترنت كما هو متوفر فى بقية أنحاء العالم ، بل هو محصور فى مدن معينة ومحدود الاستخدام فى أماكن تعرف بمقاهى الانترنت . لكن المشكلة الحقيقية التى تخيف الكثيرين هى الجاليات الاريترية التى تشتتت فى الآفاق بعيدا عن إريتريا، وتشكل نسبة عالية من السكان ربما تفوق عدد السكان الموجود بالداخل.
فكل جالية موجودة فى بلد ما هى تتأثر تلقائيا بثقافة وعادات البلد الذى تقيم فيه، خصوصا اذا طالت إقامتهم وهو ما حاصل بالضبط، وهو يأتى خصما على ثقافة البلد الأم، مثلا إذا اجتمعت عشر أسرة إريترية من عشر دول مختلفة فى مكان ما، حينها تلاحظ حجم الفوارق عن أبسط المعلومات عن وطنهم الأم والى أى مدى تسير بنا البوصلة نحو الضياع، ناهيك عن العادات والتقاليد والأعراف الإريترية التى لم يسمع بها غالبية هؤلاء. ربما هى أكبر مشكلة يواجهها الشعب الإريترى حتى لو عاد إلى وطنه، أما إذا طالت غربته أكثر، فهذا مصير أتمنى الا يحدث بإذن الله.
Commentaires