top of page
tvawna1

الصراع الإثيوبي.. التأثيرات الداخلية و الابعاد الجيوسياسية

تعتبر منطقة القرن والشرق الافريقي ومند القدم من بين أكثر المجالات الجيوسياسية ذات التأثير الاستراتيجي على القارة الأفريقية والنظام الدولي. شكل الاتصال الجغرافي، الاثني والسياسي من خلال تاريخ مشترك للمنطقتين، جسدته في حقبة سابقة مملكتي دعمت وأكسوم، اللتين كانتا موجودتين قبل الدخول الإيطالي، البريطاني ومن بعد البلجيكي والفرنسي الى المنطقة، ارتباطات ذات التأثير المتبادل. هذا التاريخ المشترك الذي تكرس ما بين القرن الثامن والسابع قبل الميلاد من خلال وحدة سياسية و طرق تجارية جعل المنطقتين تعرفان ازدهارا منقطع النظير في القرن الأول قبل الميلاد قبل أن تتطور الأمور في التاريخ الحديث وتستقل الصومال وأريتريا عن إثيوبيا. استقلال أريتريا عن إثيوبيا لم يأت من فراغ. فمحاولة فرض اللغة الامهرية كلغة رسمية على الأريتيريين، من خلال مرسوم صدر عام 1959 ، هو ما أذى الى بروز حركة الاستقلال سنة 1961 والتي واجهت القوات الإثيوبية مما أذى في الاخير الى إجراء استفتاء تقرير المصير سنة 1991 تحث إشراف الأمم المتحدة و الذي أفضى الى استقلال أريتريا و بالتالي اعتراف المنتظم الدولي بهذا البلد سنة 1993. في قراءة لتاريخ هذا الصراع الإثيوبي- الاريتري يظهر أن مجموعة من الخصائص ومحددات الصراع بين الأمهرة والتيغراي من جهة والاورومو والتيغراي من جهة أخرى تتشابه خاصة إذا ما استحضرنا طبيعة المواجهة العرقية بين اريتيريا، التي كانت المحافظة الرابعة عشرة لإثيوبيا الى حدود مطلع التسعينات من هذا القرن، وإثيوبيا.



فالتاريخ يعيد نفسه وإثيوبيا اليوم تعيش مرحلة جد صعبة سيكون لها تأثير كبير على محددات استقرارها السياسي، الاقتصادي والأمني. الصراع الكبير بين الحكومة المركزية لأحمد أبي و الحكومة الفيدرالية للإقليم تيغراي دخل مرحلة دقيقة، خاصة وان قوات الجبهة الشعبية للتيغراي كانت قد وصلت حتى مشارف العاصمة أديس أبابا. هذا الصراع الهوياتي العميق والبنيوي يظهر وجود انقسامات بين رؤيتين مختلفتين. من جهة، هناك رؤية الحكومة المركزية و التي تناصر فكرة دولة موحدة، بالرغم من الاثنيات المتعددة التي تعيش في البلاد، و من جهة أخرى هناك مجموعة من الاقاليم التي تتنافس من أجل الظفر بدرجات مختلفة من الحكم الذاتي. في هذا الصدد، يبقى جيشي تحرير أروميا، حركة آغا الديمقراطية وجبهة الدفاع التيغراي تاريخيا من اقوى التنظيمات التي تقاتل الحكومات المركزية تاريخيا من أجل حق تقرير المصير.



لكن لكل وضعية مأساوية بداية غير صحيحة . في الحرب الامور لا تختلف، فالنتائج السيئة هي نتيجة للتقديرات و الحسابات الغير الدقيقة. فالقوات الحكومية ، وهي تتجه الى الهجوم على منطقة الحكومة الفيدرالية للإقليم تيغراي للمحاصرة الجبهة الشعبية التيغراي التي تطالب باستقلال ثقافي، لغوي، مالي و اقتصادي، كانت، بالرغم من نشوة الرئيس أحمد أبي آنذاك بإحراز تقدم ، متسرعة الى درجة انها فقدت حماستها و طاقاتها بالاعتقاد الخاطئ أن الحرب حسمت . ففي حين أن احمد آبي قد يسيطر على السهول والطرق المفصلية بين الولايات، يكاد يكون من المستحيل هزيمة الجبهة الشعبية لتحرير تيغري في الجبال. العامل الوحيد الذي يمكن أن يغير الأشياء هو عامل خارجي. بالأمس كما اليوم الأمور لم تتغير بالرغم ان القوات العسكرية المركزية تحاول قلب موازين المعركة عن الطريق الردع الجوي مما أذى الى انسحاب المتمردين من منطقتي أمهرة وعفر المجاورتين.


نفس الشيء يمكن أن يسقط على الجبهة الشعبية لتيغراي حيث أن سوء التقدير المتبادل هذا هو الذي يخاطر ، إذا طال أمده ، بالتسبب في حالة من الجمود و الاقتتال. في حالة ما كان تكتيك الطرفين هو الاستنزاف فإن من المحتمل جدا دخول إثيوبيا في صراع لا نهاية له مثل جنوب السودان وليبيا واليمن، مما قد يؤدي ذلك إلى تدمير الاقتصاد والشعب. على المستوى التاريخي، لطالما كان التمكين والهيمنة العسكرية حاسمة للسيطرة المركزية الفعالة في إثيوبيا. على سبيل المثال، استند عهد هيلا سيلاسي إلى الانتصار العسكري لسيغال في عام 1916 ضد سلفه المخلوع . للإشارة، فحكم الحكومة العسكرية الاشتراكية المؤقتة استند إلى سيطرتهم على الجيش إلى أن أطاحت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية بالنظام في حدود عام 1991. لكن في مثل هذه الحالات السيطرة العسكرية وحدها لا تكفي أبدًا. فعلى المستوى السياسي و حث أن كان هناك انتصار عسكري لأحمد أبي فالتكلفة ستكون كبيرة حيث أن الدولة لا تزال ستكون بحاجة إلى أن يُنظر إليها على أنها شرعية في نظر الاثنيات المشكلة لنسيج المجتمعي الإثيوبي، أو على الأقل الأغلبية الكافية منهم.


و من تم، فإن الاستراتيجية في شموليتاها لم ترسم، إلى حدود اللحظة، إلا وفق معيار الانتصار “الخاطف” و بالتالي فإن التقدم المحرز في ميكيلي اعتبر “ملغوم” لاعتبارات عديدة . اولا، القوات المناوئة للحكومة المركزية اتجهت الى انسحاب تكتيكي من مواقعها خاصة ميكيلي، اراغوري و ماي عيني. في نفس الوقت، غالبية العناصر العسكرية التي تقود الجبهة هم ضباط ساميين سابقين في الجيش الحكومي وبالتالي يشكل ذلك نقطة تحول في التخطيط العملياتي للمعركة بالرغم من التفوق العسكري في المعدات و العتاد للقوات الحكومة المركزية التي تقاتل الى جانبها القوات الاريترية.


في نفس الاتجاه، و في قراءة للمكون الاثني والعرقي كمحدد جيوسياسي ، فإن اغلبية مكونات القوات العسكرية الحكومية هي من شمال البلاد، كما أن شخصيات سياسية مرموقة لها ولاء للجبهة التي كانت الى زمن قريب مكون سياسي مهم في المعادلة الداخلية. على سبيل المثال، تيدروس أدهانوم غيبريسوس رئيس المنظمة العالمية للصحة ينتمي الى التيغراي و كان من المنتمين الى الجبهة الى جانب ملس زيناوي بن امليص ، رئيس وزراء إثيوبيا منذ 1995 حتى وفاته سنة 2012. هذا الاخير، شغل قبل ذلك منصب الرئيس من 28 مايو 1991 إلى 21غشت 1995. هذا الزخم السوسيو سياسي جعل اثنية التيغراي، و التي هي مجموعة إثنية تعيش في الأجزاء الوسطى والشمالية من أريتريا، وفي المرتفعات الشرقية الأثيوبية في إقليم التيغراي، من أهم الاقطاب الاثنية المشكلة للنسيج المجتمعي الإثيوبي، فهم يشكلون قرابة الـ %99.6 من نسبة سكان إقليم التيغراي الإثيوبي، و6.1 % من مجموع سكان إثيوبيا بتعداد يبلغ حوالي 5.7 مليون نسمة.


العوامل الداخلية للصراع


تبقى إثيوبيا دولة تشرب من تاريخ حابل بالصراعات الاثنية والعرقية. فالفشل والانقسام كان مآل كل المعارك والمواجهات بين الاثنيات في المنطقة مند القدم. اقحام المكون الهوياتي في كل الحروب يزيد من التوتر والتمسك برغبة الوجودية و الاستمرار حتى لو كلف الأمر حياة ألاف الارواح. في قراءة للاستراتيجية العسكرية للمكون القوة التي سبقت الهجوم ومحاولة إنهاء التمرد، فالحكومة المركزية استعانت بقوات عسكرية للأقاليم أخرى كأمهرة و عفر، الى جانب قوات أريتيرية، و التي تبقى لها ارتباط و تحالف مع سياسات الرئيس أحمد أبي . هذا المعطى، أعطى انطباعات أخرى للمواجهة، خاصة بوجود امتداد قبلي و اثني للتيغراي يصل إلى أريتريا، بأن الحرب ذات توجهات تصب في فرض موازين قوى جديدة بين الاثنيات، خصوصا وأن الأسباب الحقيقية تبقى سياسية محضة مرتبطة بتشكيل حزب جديد “الازدهار” من طرف الرئيس الحالي الذي ينتمي الى عرقية الاورومو. محاولة دمج رئيس الوزراء آبي أحمد مجموع الأحزاب العرقية والإقليمية للجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية في حزب الازدهار الجديد، أجج الوضع و تمت قراءة ذلك من طرف التيغراي كمناورة من الرئيس أحمد أبي، و من خلاله اثنية الاورومو، للاستفراد بالسلطة عن طريق خلق حزب واحد و وحيد.


فبين توصيف الرئيس الحالي من طرف مؤيديه بانه “ديمقراطي ليبرالي ” ، فالخصوم يرونه على أنه “شعبوي” بارع في استعمال خطابات ” الجينغوية ” للقومية من أجل توجيه النقاش السياسي و الحد من عمل مؤسسات الدولة.


في هذا الاتجاه، محاولة الرئيس أحمد أبي هندسة المشهد السياسي لمعالجات آنية ذات تأثيرات على المدى البعيد لا يمكن أن تنجح بدون تشاركية تتطلب تهييئ مسبق . في مثل هذه الحالات، قراءة شخصية القائد مهمة و محددة في تدبير الصراعات و الأزمات لأنها تبقى محورية في إستبيان المسار الداخلي لإتخاد القرارات ، خاصة الصعبة. الرئيس الإثيوبي أحمد أبي ذو الشخصية المخضرمة له تكوين عسكري و سياسي في آن وقت، خاصة وأنه كان عنصرا مهما في وحدة الاستخبارات و الإتصالات بالجيش الإثيوبي وهذا ما جعله من السهل معرفة تضاريس الحرب و القدرات العسكرية لخصومه.


في تدبير هذه الازمة، نلاحظ أن الجانب العسكري، المكون الأساسي في الشخصية للرئيس، تفوق على الرجل السياسي. في هذا الصدد، محاولة إبعاد سياسات البلاد عن الفيدرالية العرقية والسياسات القومية العرقية، من خلال حزب جديد يضم جميع المكونات، يمكن اعتباره تقدير استراتيجي غير موفق، خاصة وان البعد الاثني حاضر بشكل كبير في مكونات مؤسسات الدولة.


و من تم، فإنه كان من المتوقع أن ترفض جبهة تحرير تيغراي الانضمام إلى الحزب الجديد و ذلك للاعتبارات تاريخية و سياسية. فالجبهة تعتبر نفسها مكون محوري في بناء الدولة الحالية و بالتالي كيان سياسي قوي قد هيمن على السياسة الإثيوبية خلال السنوات الـ 27 الأخيرة، و من تم فإن من الصعوبة تذويبه بهذه السهولة في هندسة سياسية جديدة.


من المؤكد أن الرئيس أحمد أبي يخاطر بتعريض أهدافه الداخلية و استراتيجياته ذات الطابع الإقليمي، المتشابكة و المتداخلة، للخطر. هناك اعتبارات جيواستراتيجية في المنطقة من المهم اخدها بعين الاعتبار في أي أجندة كيفما كانت ؛ حسم توترات الجبهة الداخلية يبقى أساسيا في ضمان الحفاظ على محددات و مقاييس القوة الشاملة. و من تم، عدم أخد هذه المتغيرات الإقليمية هو تقدير استراتيجي غير موفق على اعتبار طبيعة التحالفات و القوة و القوى المضادة التي تتصيد مثل هذه الأخطاء للإضعاف الاجندات و الجبهة الداخلية في نفس الوقت. و بالتالي، وعلى ضوء تمحيص مآلات الصراعات لكذا حالات ، يدكر التاريخ أن المقاربة التي تم التعامل بها مع هذه الأحداث لا يمكن الا أن تعطي و تؤدي الى نتائج عكسية. التجربة اليوغوسلافية و التي تشبه الى حد كبير ما تعيشه إثيوبيا ،بالرغم من اختلاف السياقات الدولية بين المثالين ، كانت مآلاتها وخيمة.


المحددات الجيوسياسية للصراع


على مستوى المحددات الجيوسياسية لصراع ، ما تعيشه إثيوبيا شيء محزن و من الطبيعي جدا أن نسمع مواقف تدعم وحدة و سيادة الدولة على كامل اراضيها. تداعيات هذا الصراع ستتجاوز الحدود لتصل الى دول مجاورة و التي تعيش على صفيح ساخن بفعل التصدعات الاثنية و العرقية. على المستوى الداخلي، من المؤكد أن جروح هذه المواجهة ستكون بليغة حيث حسب أرقام الأمم المتحدة فأن ما يقل عن 400 ألف شخص في شمال البلاد يواجهون ظروفًا شبيهة بالمجاعة، و80% من الأدوية الأساسية غير متوفرة الى جانب أكثر من مليوني شخص أجبروا على ترك منازلهم.


في نفس الاتجاه، تاريخانية الصراع السياسي الاريتيري-الإثيوبي أصبحت تلقي بظلالها وأوراق الامس قد تطفوا في صراعات اليوم. فأثار نار الصراع الاثني والعرقي في المنطقة لم تخمد بعد وفي دول كالصومال وجيبوتي والموزمبيق قد نرى انتشار الفتنة الانفصالية بسرعة قد لا يتم احتواءها بسهولة.


هذه المحددات الجيوسياسية للصراع والتي مازال الوقت لاحتوائها قد تتحول إلى صراع جيواستراتيجي بدخول قوى محدثة للفوضى دون الدولة. إثيوبيا البلد المحوري في المنطقة والقارة الأفريقية والمحاذي للمجموعة من نقط التأثير الاستراتيجي كالبحر الأحمر، يحتاج إلى دعم حقيقي من الدول الديمقراطية ومن المهم ألا يصبح رقعة شطرنج تحسم فيها مشاريع وتوجهات جيواستراتيجية وجيواقتصادية دولية. الموقع الجد الحساس لهذا البلد، فهو محاذي لستة بلدان، إثنان منها تعانيان صراعات- جنوب السودان والصومال، الى جانب السودان والتي تعيش أوضاع أمنية واقتصادية مزرية، يفرض تعاون سياسي ودبلوماسي دولي لتوجيه البوصلة في اتجاه تحقيق السلم والأمن ما دام الصراع لم يتجاوز عتبة استحالة التراجع.


وبالتالي، فإن المواجهة التي تدار رحاها فوق الأراضي الإثيوبية ،و التي ستكون طويلة ، تحتاج الى دبلوماسية وقائية متفق عليها للإسكات صوت البنادق و الدفع بجميع الأطراف الى الجلوس على طاولة الحوار، و إلا ستكون لها تداعيات سياسية و أمنية ستتجاوز إثيوبية لتصل الى بقاع أخرى. من المهم أن تهتم الولايات المتحدة الأمريكية أكثر بهذا الصراع و تحاول الى جانب القوى الأخرى إيجاد حلول جريئة لوقف التصدع. الكل يتفق على أن هذا الصراع هو قنبلة عنقودية موقوتة انفجارها سيؤدي حتما، من جهة، الى اتساع دائرة المواجهات في بلدان مجاورة أخرى و التي قد تخلخل كل ما تم بناءه لضحد الجماعات الإرهابية في المنطقة و القارة برمتها، و من جهة أخرى دخول لاعبين دوليين جدد، الذين يمكن اعتبارهم اقل حرصا على دعم الجهود الدولية، يبحثون و يتصيدون الفرصة للدخول في لعبة الشطرنج الإقليمية للتأثير و توجيه البوصلة وفق مصالحهم الاستراتيجية.


ومن تم، ففي قراءة لجيوسياسية الصراع فإنها تظهر وجود عدة لاعبين دوليين بطموحات مختلفة وفي بعض الأحيان بتوجهات متباينة. في قراءة للنتائج المعركة الى حدود اللحظة، يتبين أن الطائرات المسيرة القادمة من تركيا والصين كانت محددا مهما في قلب موازين المعركة وانهيار قوة الجبهة الشعبية للتيغراي. المصالح التركية في المنطقة أصبحت تزداد خاصة مع وجود نقط تماس استراتيجية مع لاعبين كمصر و دول أوروبية. فأنقرة من جهة تريد توسيع مبيعاتها من الأسلحة لأحمد أبي مستندة على ترجيحها لموازين القوى في الصراع بين أرمينيا و أذربيجان، و من جهة أخرى ترى في رئيس الوزراء حليف مهم في صراعها الجيوسياسي مع القاهرة. فبينما الصين، و في صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية، تدعم بشكل تكتيكي الرئيس الحالي نظرا لمصالحها الكبيرة في المنطقة و البحر الاحمر، فإن الإمارات العربية المتحدة ترى في الحالة الإثيوبية مجالا خصبا لتوسيع و تعزيز تواجدها في البحر الاحمر. هذا الاخير، له تأثير استراتيجي في معادلات جيواستراتيجية و جيوطاقية بين المحيط الهندي في الجنوب و البحر الأبيض المتوسط في الشمال الى جانب اعتباره خط جيوسياسي يفصل افريقيا عن آسيا في الشرق الاوسط. في نفس السياق، القوات الأريتيرية، التي لم تنسى الحروب الطاحنة التي شنتها جبهة التيغراي المشكلة آنذاك للحكومة الإثيوبية ما بين 1998 – 2000 والتي اودت بأكثر من ثمانين الف قتيل، دخلت المعارك داعمة لأحمد أبي محاولة إنهاء محدد التيغراي من المعادلات السياسية الإثيوبية. و بالتالي، فإن الصراع اصبح يشبه الى حد بعيد صراع حركة التمردM23 في كيفو الشمالية بجمهورية الكونغو الديمقراطية. هذا الأمر يجعل نهاية الصراع غير وشيك و نتائج المعركة او أي حتى المفاوضات بين الأطراف غير مستدامة و غير مجدية.


مآلات تدبير الأزمة


في الاخير، من المهم أن الإقرار بأن الطرفين المتصارعين ينظران و يعتبران الصراع على انه ذو أبعاد وجودية .من الواضح أن آبي احمد يخشى طرده من السلطة ، وفي نفس الوقت تخشى اثنية الأمهرة مرة أخرى من استبعادها منها ، كما كان الحال بعد سقوط هيلا سيلاسي . في الجانب الآخر يخشى التيغراي من الإبادة والنفي الفعليين و ربما الاقصاء للمدة طويلة من المعادلة السياسية الداخلية، كما حدث قبل استعادة السيطرة العسكرية على تيغراي. في ظل هذه الظروف ، لا يريد أي من الطرفين التنازل عن أقل ميزة من خلال المفاوضات وينظرون أن النصر العسكري هو السبيل الوحيد للبقاء. تداعيات الصراع ستكون أيضا انسانية حيث أن الحرب جعلت سكان تيغراي يتضورون جوعا بعيدًا عن الأنظار و ووسائل الإعلام. في الاخير و بدون مبادرات دولية صادقة سيقاتل الطرفين كلاهما حتى النهاية المريرة ، والتي قد لا تزال بعيدة عدة سنوات.


في نفس الاتجاه، هناك بعض الأطراف الدولية، لحسابات خاصة، تقوم بعمليات سيئة عن طريق الاستثمار في استدامة الصراع وهو ما يزيد من تأزم الوضع و الواقع الأمني. و من تم، و في قراءة للمحددات هذه المعادلة الصعبة و أخدا بعين الاعتبار بعض العوامل الغير الظاهرة في الصراع، فإن الطريق إلى السلام في إثيوبيا ليس سهلا و تتخلله عدة منحرفات و منعرجات من الواضح اخدها بعين الاعتبار حتى لا يتجاوز سقف المخاطر درجات الاحتقان و التدافع الدولي الغير السليم. هذا الطريق الوعر لتعبيده من الواضح أن يمر عبر بكين، أنقرة وأبو ظبي دون نسيان نيويورك و محور واشنطن-لندن. وإلى أن يتم تفعيل هذا المحور، سيستمر القتال ، وسيعاني الشعب الإثيوبي ، وستصبح المنطقة برمتها غير مستقرة بشكل متزايد. في نفس السياق، تدبير الازمة الإثيوبية يمر أيضا عبر مصالحة شاملة تشمل ليس فقط الأطراف الداخلية و لكن أيضا تضميد جروح التاريخ المرتبط بالمحدد الاريتيري.


تداعيات هذا الصراع لن تقتصر فقط على انتكاسة فكرة الدولة الوطنية في المنطقة. على المستوى الأمني، تواجد جماعات إرهابية في المنطقة خاصة في الصومال، الموزمبيق وتنزانيا والارتباطات الظاهرة لبعض الاثنيات بسوق الإرهاب في المنطقة قد يضع مجموعة من الدول فوق فوهة بركان. ومن تم فإن التنظيمات الإرهابية كحركة “الشباب” في الصومال و تنظيم القاعدة و تنظيم “الدولة” الاسلامية قد يجدون في التوتر ما بين السياسات المتعارضة للأطراف المتداخلة و في بعض الأحيان المتناقضة في المنطقة فرصة ثمينة لتموقع وكسب مساحات ومتعاطفين جدد. المكانة الاستراتيجية لإثيوبيا و قربها من مضيق باب المندب و البحر الاحمر قد تكون فرصة لطهران للإستثمار في الصراع و بالتالي محاولة دعم بعض القوى، دون الدولة، الفاعلة في الصراع من أجل توجيه وإيجاد مكانة جديدة للفرض واقع يساعدها على التموقع الاستراتيجي.


امام هذه التحديات الأمنية الشاملة والتكلفة الباهظة التي تتحملها المنطقة و القارة الأفريقية بسبب عدم الاستقرار و التجاذبات الدولية يطرح سؤال مشروع : هل سيكون القرن والشرق الأفريقي ، مثل سوريا، اليمن أو ليبيا، ضحية أخرى للعبة المصالح الكبرى للقوى العظمى ؟ من الواضح أن جذور الصراع في إثيوبيا هي نفسها، لكن حلها يعتمد أولا على الإثيوبيون نفسهم و قدرتهم على تملك الفكرة الوطنية و ثانيا على مسؤوليات المنتظم الدولي في الحفاظ على الأمن و الاستقرار الدوليين خاصة الإدارة الأمريكية المطالبة بتصحيح رؤيتها للصراع و تمثلاته الجيوسياسية.


5 views0 comments

Comments


bottom of page