top of page
tvawna1

الدولة الارترية البطة العرجاء.. والعجز المتوقع في تحقيق وعودها الاقتصادية السرابية

بقلم / ابراهيم قبيل الاحد 27 فبراير2022م

منذ حديث اسياس افورقي التلفزيوني الطويل في يناير الماضي ظلت اجهزة النظام القائم في اسمرا تتحدث عن قيام مشاريع تنموية ضخمة سوف تؤدي الى حدوث تغييرات كبيرة في حياة الناس في البلاد في المرحلة المقبلة! وغيرها من الوعود البراقة ولكن السؤال المحير الذي يطرح نفسه هو كيف السبيل الى تحقيق ذلك ؟ “فالإصلاحات” حتى لو كانت اقتصادية فقط فأنها لن تتحقق في ظل عدم توفر الادوات اللازمة لضمان تحقيقها وهي ادوات لا يمكن شرائها من الخارج مثل البضائع والمكن وغيرها لأنها في الحقيقة تتعلق بضرورة اجراء اصلاحات دستورية اولا وذلك باستكمال هياكل الدولة الاساسية بدونها لا يمكن تحقيق اصلاحات حقيقة تخدم مصالح الشعب لان الدولة المكتملة الاركان أي الدولة الطبيعية بغض النظر عن طبيعة الحكم فيها هي الضامن الاساس لأي اصلاحات اقتصادية وليس فرد او حزب حكاكم لان هؤلاء ضمان استمرارهم في السلطة مشكوك فيه اصلا بسبب طبيعة نظام الحكم الدكتاتورية . وبالتالي الثابت الوحيد هو وجود الدولة المكتملة الاركان وذلك لان الدولة المكتملة الاركان هي التي تتولى رعاية أي مشاريع تنموية في اطار اصلاحات اقتصادية بحكم انها تتوفر لديها عدة عوامل اسياسية ومنها التشريعات القانونية التي تضمن حقوق الاطراف المتعاقدة معها "الحكومة" لاسيما وان اغلب الاصلاحات الاقتصادية تعتمد وان لم يكن بشكل كلي على التمويل الاجنبي سواء كان ذلك عبر ستشمرين اجانب افراد او شركات او حكومات او هيئات دولية وكذلك بالطبع حقوق الدولة الارترية وبالضرورة ان هذه التشريعات يجب ان يكون لها مرجعية تتمثل في وجود دستور يحكم البلاد وهذا يقتضي بالضرورة ايضا ان تكون هناك جهة مفوضة من الشعب أي ممثلي الشعب في (البرلمان) لإقرار والتصديق عليها لتأخذ شكلها القانوني الصحيح الذي يضمن حقوق كل الاطراف المتعاقدة حتى في حالة ذهاب الحكومة التي تعاقدت معهم لأي سببا ما. وبالتالي في الحالة الارترية لا توجد لديها ضمانات كافيه لقيام اصلاحات اقتصادية ذات جدوى حقيقة لتتحول الى مشاريع تنموية تخدم الاقتصاد الوطني وتؤمن للشعب حياة كريمة وذلك لان بناء الدولة في ارتريا غير مكتمل وعليه لا يمكن ان يشكل ذلك ضمانات كافيه ليجازف أي مستثمر ان يضخ امواله لتمويل مشاريع تنموية في ارتريا بوضعها الحالي وقد يقول قائل ان هناك مشاريع انجزت في وضع الدولة الحالي وأنا اقول اذا كان المعني هنا مشروع بيشة للذهب فإنما هو أكبر دليل على صحة ما اقول وذلك فان الشركة الكندية المستثمرة فيه عجزت عن الاستمرار لأسباب قانونية بحته تتمثل في الدعاوي القانونية التي وجهت ضدها في محاكم بلادها التي تتعلق بتشغيل طلاب الخدمة الازامية دون ان يتقاضوا اجور على اعمالهم والتي وصفت بأنها نوع من العبودية والتي تحظرها القوانين الكندية ومن جانب اخر هناك اعتراف اسياس افورقي نفسه الذي قال في لقاء تلفزيوني "انهم يبيعون الذهب بشوائبه " أي غير منقى وبيع بأسعار لا تعادل قيمته في السوق او بمعنى أخر بيع بالخسارة أما مشروع البوتاس في اقليم دنكاليا والذي وضع مقره على الحدود الارترية الاثيوبية بحيث يخدم اقتصاد البلدين هو احد نتاج اتفاقية السلام المعطلة بسبب اساس وهو عدم وجود برلمان في ارتريا يصادق على الاتفاقيات الاقتصادية التي ابرمت بين النظامين في ارتريا وإثيوبيا وان كانت الحكومة الاثيوبية اجازتها من خلال برلمانها لاسيما اتفاقية ادارة منيائي عصب ومصوع واعدت وثائق قانونية للاتفاقية اجازها برلمانها وكانت تنتظر ان يجيزها النظام الارتري من خلال هيئة تشريعية مماثلة لتضمن "حقوقها" لأنها كانت تدرك تماما ان ضمانات اسياس افورقي لوحدة غير كافية ويبدو ان اسياس افورقي من ناحيته تحفظ على هذا الشرط واعتبر ذلك تشكيك في استمراره في السلطة وبالتالي قدرته على ضمان الاتفاقية ولكن هذا بالطبع لا يعني ذلك ان هناك خلاف سياسي بين النظامين بالعكس العلاقة بينهما في اوج مراحلها بل شكلت حالة تحالف سياسي عسكري في المنطقة تجلت في الحرب على تجراي . الدولة المكتملة الاركان بغض النظر عن طبيعة الحكم فيها تختلف تصنيفات الانظمة السياسية من حيث تركيبة المؤسسات السياسية الموجودة في الدولة وفي الحقيقة ان معظم الانظمة السياسية توجد فيها ثلاث سلطات رئيسية وهي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية وقد اهتم العلماء بدراسة علاقات هذه السلطات الثلاث مع بعضها البعض فكلما كانت السلطات الثلاث متداخلة ويرأسها جهاز واحد كلما كانت اقرب الى الدكتاتورية وأما اذا حدث فصل بين تلك السلطات فأن النظام السياسي يكون أقرب الى الديمقراطية .بناء على ذلك نجد ان البناء الدستوري والقانوني للدولة في ارتريا غير مكتمل بحكم ان المؤسسات الثلاث الاساسية في هيكل الدولة غير مكتملة لان ارتريا في ظل حكم اسياس افورقي لا توجد بها مؤسسات دستورية للدولة سوى (حكومة أي جهاز تنفيذي فقط ) أي ركن واحد من الاركان الدولة الطبيعية والتي هي أي السلطات الثلاث من المفترض انها عماد هيكل الدولة في اي نظام سياسي لدولة مستقلة بغض النظر عن مسالة مبدأ فصل السلطات من عدمه كما إذنا اذا نظرنا في واقع الدولة الارترية لا نجد اهم عنصر يشكل شرعية الدولة المستقلة ألا وهو وجود قانون عام أي دستور بجانب الاعتراف الدولي لان الاعتراف الدولي بأي دولة يعني التعامل معها ككيان مستقل ذات سيادة ولكن وجود دستور للدولة أمر أهم كونه يكمل الجوهر السيادي للدولة المستقلة باعتبار ان الدستور او القانون العام يضمن الجانب القانوني لتعاملات الدولة الخارجية ايضا ويوفر لها مصادقيه أكبر في ضمان مصالح الاطراف الدولية المتعاملة معها وذلك لأنها لا تحصر مسالة ضمان تأمين مصالحها على جانب واحد في الدولة وهو "الحكومة" المتعاقدة معها بل لزاما اخذ موافقة صاحب الحكومة وهم ممثلي الشعب أي اعضاء البرلمان وذلك حتى اذا ما تغيرت الحكومة او سقطت لأي سبب ما وزال حكمها تكون الدولة الارترية ملزمة بتنفيذ تعهداتها الخارجية التي نالت موافقة ممثلي الشعب وليس فقط الحكومة. ولو نظرنا ايضا في واقع تعاملات "الحكومة الارترية " في التجارية الخارجية ومنها الصفقات مع الدول والبنوك والشركات الاجنبية والديون الخارجية نجد فيها غموض شديد فلا أحد يعلم طبيعة تلك التعاملات وبأي معايير قانونية تمت الموافقة عليها بل يمكنني الجزم ان " عضوية" مجلس الوزراء القائم لا تحيط بها علما وحتى جلساته القليلة التي حدثت لم يعلن عن مصادقته لأي من اتفاقات تجارية ناهيك ان يعلم بها الشعب الارتري وذلك بسبب عدم وجود برلمان حيث ان وجود برلمان بالضرورة يلزمه دستور يكون مرجعية له في اصدار تشريعات وقوانين تلتزم بها الدولة كما هو معمول به في كل بلدان العالم بغض النظر عن طبيعة الحكم فيها سواء كانت ذات حكم ديمقراطي او شمولي وحتى نظام حكم الفرد كما كان الحال في تونس قبل الثورة مثلا حيث كان لنظام بن علي الدكتاتوري برلمان وسلطة قضائية عليا الا اننا لا نجد في الحالة الارترية أي شكل من اشكال الدولة المكتملة الاركان بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم فيها هذا من جانب ومن جانب أخر لا توجد سلطه قضائية عليا بالمعنى المتعارف عليه ناهيك ان تكون مستقلة للأسباب التالية : 1- لا توجد مرجعية قانونية ( دستور) في ظل النظام الحالي وبالتالي قوانين مستنبطة منه . 2- لا يتوفر كادر قانوني مؤهل علميا لأداء مهام القضاء وتفسير القوانين نظرا لتوقف الدراسة الجامعية في البلاد بعد اغلاق الجامعة الوحيدة في البلاد قبل أكثر من عشرين عاما وبالتالي انقطاع في رفد الجهاز القضائي بالكادر المؤهل علميا والكادر القضائي القديم يا اما تجاوزوا السن القانونية في الخدمة أو هاجر كثير ا منهم هربا او توفاهم الاجل . 3- لا توجد اصدارات قانونية بديلة تغطي "الفراغ القانوني " حتى ولوعلى شكل مراسيم رئاسية مؤقتة تكون بمثابة مرجعية قانونية مؤقتة يستند عليها الجهاز القضائي في اصدار احكامه وتسند عليه اجهزة الدولة في ادارة اعمالها الى حين صدور دستور للبلاد يستنبط منه قوانين وذلك بحكم طبيعة مسمى الحكومة الحالية منذ شاءتها والتي تعرف بأنها (حكومة مؤقته) برغم من مرور ثلاثون عاما من حكمها !. 4- العمل القضائي الحالي اذا ما تم تعريفيه بهذه الصفة وانأ اقصد هنا المحاكم المدنية والجنائية التابعة للدولة يقوم عمله على الاجتهاد بالعمل بمصادر قانونية اما بقانون الطورائ التي اصدره المحتل الاثيوبي خاصة في عهد الدرق باعتبار ان ارتريا كانت منطقة حرب بالنسبة له او بالاجتهاد الشخصي حسب ثقافة "القاضي" القانونية . 5- برغم من وجود مورث نظام دستوري وطني ارتري يحتكم على دستور عصري وديمقراطي للبلاد مجاز من برلمان منتخب انتخابا حرا في اطار نظام ديمقراطي واستنبطت منه قوانين نظمت عمل الدولة الارترية خلال دورتين برلمانيتان 1952-1958م وبرغم انها تجربة ارترية خالصة وحققت الكثير في مجال تأمين حقوق المواطنين وحفظ مواردهم وحماية الملكية الخاصة وملكية الارض وتمتع المواطن بكل حقوقه الدستورية ومنها حق التعبير وإنشاء الاحزاب والصحافة الخاصة وتعتبر مورث وطني إلا ان هذا النظام تجاهله بسبب كونه دستور لنظام ديمقراطي و الذي كل ما كان يحتاجه هو تعديل في بعض المواد السيادية. وحتى الدستور الذي اصدره الحزب الحاكم لم يعمل به وهو ولد ميتا بل سخر منه راس النظام الحالي. وعليه ان حملة الدعاية التي اطلقها النظام القائم والمحملة بوعود براقه لا تستند على اساس متين يدعمها بحيث تكون حقائق راسخة في المستقبل يعول عليها انما هي مجرد أمال زائفه هشة كخيوط العنكبوت وبالتالي ان الاصلاحات الحقيقة التي يجب ان تتم اولا هي استكمال البناء الدستوري للدولة الارترية بحيث على الاقل تتوفر فيها السلطات الثلاث التي تمثل عماد الدولة المستقلة بغض النظر عن طبيعة الحكم فيها كما ذكرت اعلاه قبل أي اصلاحات اقتصادية لان بدونها تكون اصلاحات الاقتصادية هشة قابلة للانهيار بل الاسوءا ان تسبب في تراكم مديونيات اجنبية ضخمة وفوائدها والتي سوف ترهق كاهل الدولة الارترية مستقبلا تدفع ثمنها الاجيال الارترية القادمة . ولربما ان النظام الحاكم يستند في اقامة مشاريع اقتصادية الان على ارصدة حسابات الحزب الحاكم في الخارج والتي اغلبها عبارة عن اموال محصلة من المواطنين في الخارج باالعملات الصعبة المفترض انها تذهب الى حسابات بنوك الدولة وليس الى حسابات الحزب الحاكم في البنوك الاجنبية زائد عوائد مالية من تجارة "الاقتصاد الاسود " . وتعول على تعاملها مع دولة الصين كونها (ربما لا يزعجها سياساته الداخلية وانتهاكاته لحقوق الانسان وغيرها من قيم سياسية اخلاقية) إلا ان ما لا يدركه أي النظام القائم انها تسترد ديونها اذا عجزوا عن سدداها ولو من قطع من "اللحم الحي" اذا جاز التعبير كما فعلت مع دول افريقية وأخرى اسيوية برهن موانئها ) صحيح ان بنوكها في شنغهاي تضم اغلب ارصدة الحزب الحاكم إلا ان هذه الارصدة لا تكفي لتكون ضمانات لمشاريع اقتصاد دولة كما ان الحزب الحاكم بالطبع لن يجازف بها من أجل تأمين مصالح اقتصاد الدولة الارترية وهو الذي بناها اصلا من عائداتها بأساليب ملتوية . لذا نجد ان اغلب المشاريع التي ذكرتها اعلاه كانت شركات الحزب الحاكم شريكا اسياسيا فيها سوف يتقاسم الارباح مع الشريك الاجنبي ليس شركات القطاع العام المفترض انه تابع للدولة وهو غير موجود اصلا .وعليه ان عدم استكمال هياكل الدولة الارترية الدستورية ستكون الموارد الطبيعية للبلاد والعائدة للشعب الارتري معرضة للخطر سواء بالرهن او النهب او التبديد نتيجة عدم وجود ضوابط قانونية تضبط عملية استخدامها ولن تنفع حينها "الاجراءات الامنية" من قبل السلطة القائمة في حمايتها حتى لو افترضنا "حسن النوايا" في النظام الحاكم و كما يقول المثل العامي (المال السائب يعلم السرقة). ولذا اكرر و اقول ان الاصلاحات الدستورية لاستكمال دعامات الدولة الارترية تمثل اولوية قصوى تسبق أي اصلاحات "الاقتصادية" اذا توفرت نوايا حقيقة وصادقة من اجل بناء اقتصاد ارتري قوى يلبي احتياجات الشعب الارتري وألا سوف تستمر الدولة بالسير كالبطة العرجاء وستظل عاجزة عن تحقيق أي نوع من الاصلاحات بل ستسمر في مسلسل الفشل الحتمي . بقلم/ ابراهيم قبيل ibrahimhussingab@gmail.com

20 views0 comments

Comments


bottom of page