top of page

التقارب الصومالي الإثيوبي… انعكاسات على النفوذ المصري بالقرن الأفريقي

tvawna1

Updated: Mar 7

القاهرة العربي الجديد

أبي أحمد وشيخ محمود بمقديشو، 27 فبراير 2025 (الأناضول)

قالت مصادر، لـ"العربي الجديد"، إن الإدارة المصرية بمؤسساتها الدبلوماسية والاستخبارية والعسكرية، تعكف على وضع تصور خاص بإدارة ملف القرن الأفريقي في المرحلة المقبلة، وذلك في ظل التحولات التي طرأت أخيراً، خصوصاً بعد وساطة تركية، أفضت إلى لقاء بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في مقديشو الخميس الماضي، ما يعكس بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، قد يكون لها تأثيرات مباشرة على النفوذ المصري في المنطقة.

وفي ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في القرن الأفريقي، يبرز التقارب الأخير بين الصومال وإثيوبيا عاملاً قد يعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية، ما يثير تساؤلات حول انعكاساته على النفوذ المصري في المنطقة. ففي وقت شهدت فيه العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا توتراً حاداً خلال العام الماضي بسبب مذكرة التفاهم الإثيوبية مع إقليم صوماليلاند (إقليم أرض الصومال الانفصالي غير المعترف به دولياً)، جاءت المصالحة بوساطة تركية، لتفتح صفحة جديدة من التعاون بين البلدين، وهو ما أفرز رؤيتين متباينتين لدى الخبراء والمراقبين بشأن تأثير هذا التطور على النفوذ المصري في القرن الأفريقي. وهناك من يرى أن هذا التقارب قد يمثل تحدياً للنفوذ المصري، خاصة مع دخول تركيا بقوة على خط الوساطة وإنجازها اتفاقاً بين الصومال وإثيوبيا من دون مشاركة مباشرة من القاهرة، فمقديشو، التي كانت في الأشهر الماضية أقرب إلى المحور المصري-الإريتري، تبدو اليوم أكثر انفتاحاً على التعاون مع أديس أبابا، وهو ما قد يقلل من حاجتها إلى الدعم المصري، ويفتح المجال أمام إثيوبيا لإعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية بما قد يتعارض مع المصالح المصرية، سيّما فيما يخص النفوذ المصري في البحر الأحمر والتوازنات العسكرية والأمنية في المنطقة.

وفي المقابل، يؤكد رأي آخر أن هذا التقارب لا يشكل تهديداً لمصر، بل هو في جزء منه نتيجة مباشرة للتحرّكات المصرية الواسعة في القرن الأفريقي، خصوصاً دعمها المستمر للحكومة الصومالية وتعزيز علاقاتها الأمنية والاقتصادية معها. ووفقاً لهذا الطرح، لم تكن القاهرة بعيدة عن التفاهمات بين مقديشو وأديس أبابا، بل لعبت دوراً غير مباشر عبر تنسيقها مع أنقرة في هذا الملف، في ظل تقارب العلاقات بين البلدين. كما أن استمرار التعاون العسكري بين القاهرة ومقديشو، ومشاركة القوات المصرية في بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام، يعكس عمق العلاقات بين البلدين، ويؤكد أن القاهرة لا تزال لاعباً رئيسياً في دعم الاستقرار في القرن الأفريقي.

نجلاء مرعي: مصر تسعى لتعزيز التعاون مع الصومال وإريتريا لضمان حماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن

وشهدت منطقة القرن الأفريقي في الأشهر القليلة الماضية تحولات لافتة، ألقت بظلالها على توازنات القوى الإقليمية، خاصة بعد الأزمة التي اندلعت بين مقديشو وأديس أبابا في أعقاب توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم صوماليلاند في يناير/ كانون الثاني 2024، والتي منحت إثيوبيا موطئ قدم على البحر الأحمر مقابل وعد بالاعتراف بالإقليم دولةً مستقلة، وسرعان ما أدى ذلك إلى أزمة دبلوماسية مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، دفعت مقديشو إلى التصعيد الدبلوماسي، وسحب سفيرها من أديس أبابا، في وقت سارعت فيه مصر وإريتريا إلى تعزيز دعمهما للصومال في مواجهة التحركات الإثيوبية.

تقليص مساحة النفوذ المصري في الصومال

ولعبت القاهرة دوراً محورياً في دعم الحكومة الصومالية خلال أزمة الأخيرة مع إثيوبيا، وسعت إلى توظيف هذه الأزمة لتعزيز موقعها الإقليمي عبر تحالف ثلاثي ضم الصومال وإريتريا، بهدف تحجيم التحركات الإثيوبية المتسارعة، سواء في ما يتعلق بمنافذ البحر الأحمر أو بمشروع سد النهضة الذي يشكل هاجساً استراتيجياً لمصر. ومع ذلك، تَطرح عودة قنوات الحوار بين مقديشو وأديس أبابا، وبحثُ الجانبين عن تسوية تمنح إثيوبيا منفذاً بحرياً ضمن السيادة الصومالية تحديات جديدة أمام السياسة المصرية، إذ قد يعني هذا التقارب تقليص مساحة النفوذ المصري في الصومال، وتقليل الحاجة الصومالية إلى الاعتماد على دعم القاهرة، وهو ما قد يعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية. ويثير هذا التحول في المشهد الدبلوماسي تساؤلات حول مستقبل التحالف الثلاثي بين مصر والصومال وإريتريا، الذي بدا في الأشهر الماضية أحد الأوراق المهمة التي استخدمتها القاهرة لتطويق أديس أبابا. لكن الآن، ومع اتجاه مقديشو إلى تخفيف حدة التوتر مع أديس أبابا، تصبح قدرة القاهرة على توظيف هذا التحالف موضع شك، خصوصاً إذا قررت الصومال تبني سياسة أكثر توازناً في علاقاتها الإقليمية، دون أن تنخرط في مواجهة مفتوحة مع إثيوبيا. وفي المقابل، قد تدفع هذه التطورات إريتريا إلى تعزيز علاقاتها أكثر مع مصر، تعويضاً عن أي تراجع محتمل في تأثيرها داخل المشهد الصومالي، وهو ما قد يفتح الباب أمام تحالفات أمنية وعسكرية أكثر عمقاً بين القاهرة وأسمرة.

من ناحية أخرى، يظلّ ملف سد النهضة أحد المحاور الرئيسية التي تنظر من خلالها مصر إلى تفاعلات القرن الأفريقي، خصوصاً أن الصومال كان داعماً للموقف المصري في هذا الملف خلال الفترة الماضية، ولكن التقارب الجديد بين مقديشو وأديس أبابا قد يخلق واقعاً مغايراً، إذ قد تصبح الصومال أقل انخراطاً في دعم الموقف المصري، ما قد يمنح إثيوبيا هامشاً دبلوماسياً أوسع في إدارة الملف وفقاً لأجندتها الخاصة.

مخاوف حول الأمن البحري

وبعيداً عن الدبلوماسية، يتعلق أحد المخاوف المصرية الرئيسية بالأمن في البحر الأحمر، إذ تعدّ هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية للقاهرة؛ نظراً إلى ارتباطها بأمن قناة السويس والتجارة الدولية. وفي هذا السياق، قد يثير أي اتفاق يمنح إثيوبيا موطئ قدم على سواحل البحر الأحمر، حتى لو تمّ تحت السيادة الصومالية، قلقَ القاهرة التي تخشى من أن يكون ذلك تمهيداً لإنشاء قواعد بحرية إثيوبية، وهو ما قد يغير موازين القوى في المنطقة بشكل غير مرغوب فيه من وجهة النظر المصرية.

وبحسب خبراء، فإنه على ضوء هذه التحديات، تحتاج مصر إلى إعادة تقييم استراتيجيتها في القرن الأفريقي، والبحث عن أدوات جديدة للحفاظ على النفوذ المصري إقليمياً. فمن جهة، ينبغي تعزيز العلاقة مع الصومال لضمان عدم انجراف مقديشو نحو محور إثيوبي بالكامل، وهو ما يمكن تحقيقه عبر تقديم مزيد من الدعم الاقتصادي والعسكري للحكومة الفيدرالية الصومالية، والتأكيد على أهمية التنسيق المشترك في القضايا ذات الاهتمام المشترك. ومن جهة أخرى، قد يكون من الضروري لمصر توسيع شبكة تحالفاتها في المنطقة، سواء عبر تعزيز التعاون مع دول مثل جيبوتي وكينيا، أو من خلال دعم حضورها الأمني في البحر الأحمر، لضمان أنّ أي ترتيبات إقليمية لا تؤثر سلباً على مصالحها الاستراتيجية.

سعي لفكّ عزلة إثيوبيا

وقالت المختصة في الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، لـ"العربي الجديد"، إن زيارة أبي أحمد إلى مقديشو جاءت في إطار سعيه لفكّ العزلة المفروضة على بلاده منذ عام 2024، إثر توقيع مذكرة التفاهم المثيرة للجدل مع إقليم صوماليلاند. وأوضحت أن هذا التقارب بين الصومال وإثيوبيا جاء نتيجة تراجع أديس أبابا عن المضي قدماً في تنفيذ المذكرة أو تأجيلها، وهو ما يُعزى، من وجهة نظرها، إلى الجهود المصرية المكثفة في منطقة القرن الأفريقي، والضغط المستمر على إثيوبيا للتراجع عن الاتفاق الذي كان يهدف إلى التعامل مع إقليم غير معترف به دولياً. وذكرت أن القاهرة، منذ توقيع المذكرة، تبنّت استراتيجية قوية لتعزيز النفوذ المصري إقليمياً، من خلال تكثيف التعاون مع دول المنطقة، بما في ذلك الصومال وإريتريا وجيبوتي، عبر زيارات متبادلة واتفاقيات متعددة، سعياً لتعزيز التكامل الإقليمي ودعم الاستقرار في القرن الأفريقي.

هاشم علي: تركيا، من خلال وساطتها، تعمل على تعزيز المسار السلمي في القرن الأفريقي

كما شدّدت على أن القاهرة لعبت دوراً أساسياً في دعم الحكومة الصومالية على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهو ما انعكس في التنسيق المستمر بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة التي تهدد أمن المنطقة. ورأت مرعي أن مصر تولي اهتماماً بالغاً بقضية الأمن البحري جزءاً من استراتيجيتها الإقليمية، إذ تسعى لتعزيز التعاون مع الصومال وإريتريا لضمان حماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، إلى جانب مكافحة القرصنة البحرية، وأن هذا التوجه يعكس التزام الدول الثلاث بالحفاظ على أمن الممرات البحرية الاستراتيجية التي تمثل شرياناً رئيسياً لحركة التجارة العالمية. وفيما يخص التقارب الصومالي الإثيوبي، أوضحت أن مصر لا تنظر إليه تهديداً مباشراً لنفوذها في المنطقة، بل ترى أنه جاء نتيجة ضغطها المستمر على إثيوبيا لإعادة ضبط سياستها الخارجية، والتعامل مع الصومال بوصفها دولةً ذات سيادة بدلاً من البحث عن اتفاقات مع كيانات غير معترف بها.

وأكد مرعي أن القاهرة ترى في استقرار القرن الأفريقي مصلحة مباشرة لها، ولذلك لا تعارض المصالحة بين الصومال وإثيوبيا طالما أنها لا تتعارض مع الأمن القومي المصري. كما لفتت إلى أن المصالحة التي جرت بوساطة تركية جاءت بالتنسيق مع مصر، مشيرة إلى أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة وما تبعها من توقيع اتفاقيات عسكرية مع الصومال يعكس وجود تفاهم مصري-تركي بشأن تحقيق الاستقرار في المنطقة.

وقال الكاتب والمحلل في الشؤون الأفريقية، هاشم علي، لـ"العربي الجديد"، إن ما تشهده منطقة القرن الأفريقي من تقارب وتباعد، سواء في قضية المنفذ البحري بين إثيوبيا والصومال أو في مسار التحالفات الإقليمية مثل التحالف الثلاثي بين مصر والصومال وإريتريا، يعكس حجم التحديات الجيوسياسية المقبلة التي يواجهها العالم، ورأى أن المبادرة التركية التي نجحت في تهدئة الأزمة بين مقديشو وأديس أبابا بشأن المنفذ البحري ومذكرة تفاهم صوماليلاند، جاءت ضمن محاولات الدول الفاعلة لحفظ مصالحها الإقليمية، إذ أصبحت أنقرة اليوم لاعباً أساسياً في شرق أفريقيا، على غرار قوى أخرى تمتلك قواعد ومصالح استراتيجية في المنطقة.

وأضاف هاشم علي أن تركيا، من خلال وساطتها، تعمل على تعزيز المسار السلمي في القرن الأفريقي، وهو ما يفسر تطور العلاقات بين إثيوبيا والصومال، الذي تجلّى في زيارة أبي أحمد إلى مقديشو، بعد زيارة الرئيس الصومالي إلى أديس أبابا، غير أن نجاح جهود الوساطة بين البلدين يتطلب توفر حسن النيات من الطرفين، والابتعاد عن التأثيرات الخارجية السلبية، لكنّه في الوقت ذاته لا يعني انتهاء الإشكاليات والتحديات التي تفرضها المصالح المتشابكة في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، إذ لا تزال التحالفات الإقليمية قائمة وتتفاعل مع التطورات الجارية. المصدر >>>>>


 
 
 

Comments


bottom of page