top of page

اثيوبيا على صفيح ساخن: تداعيات الانقسامات في إقليم تقراي ومسارات الصراع ومستقبله

  • tvawna1
  • Mar 24
  • 7 min read

Updated: Mar 27

للكاتب/ إبراهيم قاروا 24/03/2025

توطئة: مشهد متأزم وتوازنات متغيرة

تمر إثيوبيا اليوم بمنعطف سياسي بالغ الخطورة يعكس عمق التصدعات والانقسامات الداخلية التي خلفتها الحرب في إقليم تقراي والتسويات الهشة التي اعقبتها. بعد توقيع اتفاق السلام في بريتوريا وتوقف القتال بين الأطراف المتصارعة لم تشهد المنطقة استقراراً حقيقياً بل أخذت منحىً جديداً من التعقيد. خلافات داخل جبهة تقراي نفسها وانقسام قياداتها إلى تيارات متباينة تتصارع على الشرعية السياسية والإدارية أضافت طبقة جديدة من الازمات الي المشهد الاثيوبي المضطرب.


   وسط هذا الصراع ظهرت إشكالية مزدوجة اولها انقسامات حادة داخل جبهة تحرير تقراي التي أدت الي إزاحة حاكم الإقليم المعين من الحكومة الفدرالية قيتاشو ردا واجباره الي اللجوء الي اديس ابابا وسط اتهامات متبادلة بين جناحه وجناح دبريطيون قبرميكئيل ومن جهة ثانية عودة التوتر بين إثيوبيا وإرتريا إلى العلن بعد فشل اتفاق السلام في تقليص النفوذ الإرتري داخل تقراي بل أصبح هذا التواجد عنصر توتر متصاعد يهدد بإعادة إشعال المواجهة العسكرية بين أديس أبابا وأسمرا.

   الواقع الحالي في إثيوبيا لم يعد محصوراً في أزمة تقراي فقط بل أصبح يعكس إختلالاً أوسع في موازين القوى داخل الدولة الفيدرالية. حكومة آبي أحمد التي تواجه تحديات داخلية متزايدة تجد نفسها عالقة بين خيارات صعبة إما التفاوض لاحتواء الأزمة أو الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة سواء داخل تقراي أو على الحدود مع إرتريا.

 في ظل هذا المشهد المعقد تتشابك المصالح الإقليمية والدولية حيث تسعى قوى كبرى إلى التأثير على مسار الأزمة ما يجعل مستقبل إثيوبيا على المحك بين احتمالات التصعيد العسكري أو إعادة ترتيب التحالفات السياسية في المنطقة.

إثيوبيا وتقراي: معادلة الصراع والمستقبل المجهول

دخلت اديس ابابا وإقليم تقراي في فصل جديد من الصراع. وفي وقت تحاول فيها جبهة تقراي تعزيز قوتها وإعادة تموضعها كقوة سياسية وعسكرية فاعلة يجد رئيس الوزراء آبي أحمد نفسه في مأزق وتحديات استراتيجية كبيرة بعد تقلص خياراته السياسية والعسكرية. ويعكس الوضع الحالي تحولات متغيرة في توازن القوى داخل إثيوبيا خاصة بعد انسحاب إرتريا من دعم العمليات



العسكرية وتزايد الضغوط الداخلية والخارجية التي تدفع الطرفين الي إعادة تقييم استراتيجياتهما.

   في هذا السياق تواجه جبهة اقليم تقراي مساران رئيسيان الأول يتمثل في التفاوض مع أديس ابابا وحكومة ابي أحمد من أجل استعادة مكانتها ضمن الدولة الإثيوبية بشروط تمنحها استقلالية أكبر. المسار الثاني هو العمل علي تعزيز قدراتها العسكرية استعداداً لمواجهة جديدة محتملة قد تفرضها التطورات السياسية والميدانية.

عملية التفاوض بالنسبة لجبهة تقراي يعتبر خيار استراتيجي يهدف الي تحقيق توازن بين مكاسب مضمونة وتقليل المخاطر خاصة بعد خسائرها البشرية والمادية الفاضحة التي منيت بها خلال الحرب الأخيرة في الإقليم. وتسعى الجبهة جاهدة إلى استغلال الضعف النسبي للحكومة الفيدرالية والعزلة السياسية التي يعانيها آبي أحمد بعد تراجع الدعم الإرتري مما قد يمكنها من المطالبة بامتيازات أكبر سواء في شكل حكم ذاتي موسع أو ضمانات دولية تحمي الإقليم من أي تدخل عسكري مستقبلي.

   نجاح هذا المسار يعتمد على قدرة الجبهة على إقناع الحكومة الفيدرالية بأن منح تقراي وضعاً خاصاً لن يهدد وحدة الدولة بل قد يعزز استقرارها. وفي المقابل فإن رفض أديس أبابا لهذه المطالب قد يدفع جبهة تحرير تقراي إلى تعزيز خياراتها العسكرية مما قد يؤدي إلى تصعيد جديد في الصراع خاصة إذا نجحت الجبهة في بناء تحالفات إقليمية ودولية تدعم موقفها.

   على المستوى الآخر آبي أحمد أمام تحديات غير مسبوقة حيث غدت خياراته محصورة ومحددة بين قبول التفاوض بشروط قد تعتبر هزيمة سياسية أو محاولة إعادة فرض السيطرة بالقوة رغم فقدانه لأهم حلفائه الإقليميين. قبول ابي احمد بالتفاوض قد يكون السبيل الوحيد للخروج من أزمته دون خسائر إضافية لكن في الوقت نفسه يتطلب منه صياغة سردية سياسية داخلية تحول متطلبات


التفاوض والتنازلات التي سيقدمها إلى انتصار دبلوماسي. في حال تبنى وقبول هذا المسار سيحتم عليه إقناع كبرى القوميات الأخرى داخل إثيوبيا بأن التفاوض مع جبهة تقراي لا يعني ضعف الدولة بل هو خطوة ضرورية للحفاظ على وحدة البلاد وتجنيب البلاد حرب أخرى قد تكون أكثر دمارًا. غير أن هذا الخيار يظل محفوفاً بالمخاطر إذ قد يواجه رفضاً داخلياً من قبل القوى القومية الأخرى خاصة الأمهرة الذين يرون في أي تنازل لجبهة تحرير تقراي تهديداً مباشراً لمصالحهم السياسية والجغرافية والتاريخية.

    أما خيار مسار العودة إلى المواجهة العسكرية يعتبر مغامرة محفو فة بالمخاطر خاصة مع غياب الدعم الإرتري واعتماد الحكومة الفيدرالية على قوات غير نظامية وتحالفات داخلية هشة. أي تصعيد عسكري جديد قد يفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في إثيوبيا ويزيد من عزلة النظام دولياً حيث لم يعد المجتمع الدولي يتقبل استمرار الحرب كخيار بل يدفع نحو حلول سياسية تضمن استقرار المنطقة. في هذا السياق ستحاول حكومة آبي أحمد تعويض خسائرها عبر بناء تحالفات جديدة سواء داخلية أو مع دول إقليمية مثل الإمارات او تركيا لكن هذه الخطوات تظل محفوفة بالتحديات حيث تتطلب تقديم تنازلات سياسية واقتصادية قد تؤثر على تماسك النظام.

المشهد الحالي في إثيوبيا يضع البلاد على مفترق طرق خطير حيث أن القرارات التي ستتخذها جبهة اقليم تقراي وحكومة آبي أحمد في المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير الدولة الفيدرالية بأكملها. التفاوض قد يكون الطريق الأقل تكلفة نحو الاستقرار لكنه يتطلب إرادة سياسية قوية وقدرة على تقديم تنازلات متبادلة بينما قد يؤدي التصعيد العسكري إلى تسريع انهيار الدولة والدخول في سيناريوهات تفكك قد لا يكون من السهل السيطرة عليها. في ظل هذه المعادلة يبقى السؤال الأهم: هل ستنتصر الواقعية السياسية أم أن إثيوبيا ستنزلق مجدداً إلى دوامة العنف التي قد تعيد تشكيل موازين القوى في القرن الأفريقي بأكمله؟

انهيار التحالف مع إرتريا وإعادة رسم خارطة النفوذ

التحالف بين النظامين الاثيوبي والإرتري لم يكن تحالفاً طبيعياً بل كان تحالف املته ضرورة متطلبات الحرب على تقراي ومع توقف الحرب سرعان ما بدأ انهيار تحالفهما. النظام في اسمرا الذي كان شريكاً رئيسياً في الحرب لم يكن راضياً عن اتفاق بريتوريا ونتائجها بل اعتبره خطوة تفرغ مكاسبه وأهدافه العسكرية من مضمونها خاصة وان النظام في اسمرا كان يراهن على انهاء جبهة تحرير تقراي من المشهد تمامًا وليس مجرد إخضاعهم سياسيا. ومع مرور الوقت تحول الخلاف المكتوم بين ابي احمد وأفورقي الي قطيعة شبه معلنة حيث بدأت اديس ابابا تتعامل مع إرتريا بحذر بينما بدا واضحًا أن أسمرا لم تعد تثق في ابي احمد كشريك استراتيجي لها.

    هذا الانهيار بطبيعة الحال أعاد رسم الخارطة النفوذ السياسي في المنطقة حيث أدى إلى تقليص النفوذ الإرتري داخل إثيوبيا كما فتح الباب أمام عودة جبهة إقليم تقراي إلى المشهد السياسي كلاعب إقليمي مستقل يسعى إلى بناء تحالفاته الخاصة. في الوقت نفسه فإن مصر والسودان اللذين كانا في موقع الخصومة مع آبي أحمد بسبب سد النهضة يراقبان هذا التغيير عن قرب حيث يمنحهم فرصة لإعادة توجيه سياستهم تجاه إثيوبيا وفقاً للمعادلة الجديدة. فقدان آبي أحمد لدعم النظام الارتري في وقت يعاني فيه من أزمات وصراعات داخلية متزايدة يجعل ابي احمد في وضع أكثر هشاشة حيث لم يعد بإمكانه الاعتماد على القوة العسكرية وحدها لضبط التوازنات الداخلية والخارجية مما يجعل خياراته أكثر تعقيدًا وصعوبة.

مآلات الوضع في تقراي وتأثيراته الإقليمية

المستقبل الذي ينتظره إقليم تقراي لا ينفصل عن الوضع الإثيوبي العام فإما أن تنجح القيادة في إقليم تقراي في تأمين موقعه داخل الدولة الإثيوبية وفقًا لشروط جديدة تضمن للإقليم نوعاً من الحكم الذاتي الفعلي أو أن تستمر حالة الغموض والتوتر التي قد تقود إلى صراع جديد يعيد خلط الأوراق.

وفي ظل استمرار المماطلة الحكومية فإن خيار إعادة اندماج جبهة تقراي ضمن النظام الفيدرالي الاثيوبي وفقاً لصيغة توافقية لا يبدو قريب المنال خاصة إذا لم تُحسم قضايا جوهرية مثل عودة النازحين وحل النزاعات الحدودية مع الأمهرة. وإذا استمر الوضع على هذا النحو فقد تجد جبهة تحرير تقراي نفسها مضطرةً للبحث عن حلول أخرى قد تصل إلى حد المطالبة بوضع أشبه بالاستقلال الفعلي وهو سيناريو قد يشعل مواجهة إقليمية واسعة لأن الدولة الإرترية لن تقبل بوجود تقراي قوي ومستقل على حدودها كما أن أديس أبابا ستعتبر مثل هذا التحرك تهديداً لوحدة الدولة.

    من ناحية أخرى فإن تداعيات هذا الوضع لن يقتصر على إثيوبيا وحدها بل من المحتمل ان يمتد إلى السودان الذي له علاقات جوار تاريخية معقدة وإلى مصر التي قد ترى في تصعيد أزمة تقراي فرصة للضغط على اثيوبيا في ملفها لسد النهضة. كذلك فإن القوى الدولية ستظل تتابع المشهد بحذر لأن أي تفجر جديد للصراع في إثيوبيا سيؤدي إلى زعزعة استقرار القرن الإفريقي بكامله وهو أمر قد تكون له تداعيات أمنية واقتصادية تتجاوز حدود المنطقة. في النهاية فإن ما سيحدد مصير تقراي ليس فقط توازنات القوى داخل إثيوبيا بل أيضاً قدرة الفاعلين الإقليميين والدوليين على إدارة هذه الأزمة المتشابكة إما عبر فرض تسوية سياسية مستدامة أو عبر تركها تتفاقم حتى تصل إلى نقطة اللاعودة.

القومية التقرنية وصراع الولاءات: تداعيات إقليمية أوسع

التوتر بين الهوية القومية التقرنية والمشاريع القومية في كل من إثيوبيا وإرتريا لا يقتصر على الصراع بين النظامين السياسيين بل يمتد ليؤثر على الأمن الإقليمي ككل. فأي تحول جذري في المشهد السياسي الإثيوبي سواء بصعود جبهة تحرير تقراي مجدداً أو تفكك الدولة الفيدرالية ستكون له تداعيات مباشرة على إرتريا مما يجعل النظام هناك مضطراً لإعادة حساباته كما يفرض تحديات جديدة على المعارضة الإرترية التي قد تجد نفسها في وضع معقد بين اعتبارات الداخل وتأثيرات الإقليم. في ظل هذه التطورات ستظل القومية التقرنية عاملاً محورياً في تحديد مستقبل العلاقة بين البلدين سواء من حيث استمرار التوترات أو من خلال إعادة تشكيل التحالفات بطريقة جديدة. بالنسبة للمعارضة الإرترية فإن إدراك هذا البعد الإقليمي للصراع يجب أن يكون جزءًا من استراتيجيتها بحيث لا يتم التعامل مع القضية من منظور داخلي فقط بل في سياق إقليمي أوسع يأخذ بعين الاعتبار تداخل الهويات القومية مع المصالح السياسية للدول والفاعلين غير الحكوميين.

خاتمة: مستقبل إثيوبيا بين مسارات التسوية وإعادة إنتاج الصراع

اظهرت الأزمة الحالية في إثيوبيا وخاصة في إقليم تقراي مدى تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد متأثراً بعوامل داخلية وإقليمية ودولية متشابكة. الأزمة ليست نتاج صراع محلي فحسب بل هي انعكاس لاختلالات أوسع في موازين القوى داخل الدولة الفيدرالية الإثيوبية وتأثيراتها تمتد إلى المنطقة بأكملها.

   في هذا الإطار يمكننا القول أن الدولة الإثيوبية أمام تحديات وجودية تهدد وحدتها واستقرارها. الانقسامات داخل القيادات السياسية لإقليم تقراي والتوترات المتصاعدة مع النظام في اسمرا والضغوط الداخلية التي يواجهها ابي أحمد كلها عوامل تسهم في تعقيد الأزمة الإثيوبية. آبي أحمد الذي كان يعتبر في وقت سابق رجل قوة إصلاحية يجد نفسه اليوم عالقاً بين خيارات صعبة إما التفاوض لتخفيف الضغوط أو المغامرة بمواجهات عسكرية قد تؤدي إلى تفكك الدولة او الي انهاء مستقبله السياسي في اقل تقدير.

    اقليمياً أي تصعيد في تقراي قد يؤدي إلى تداعيات إقليمية أوسع تشمل السودان ومصر مما يجعل المنطقة بأكملها عرضة لتحولات كبرى غير متوقعة. أما على المستوى الدولي فإن التنافس بين الفاعلين الكبار وخاصة الولايات المتحدة والصين وروسيا سيكون حاضراً في تحديد طبيعة التدخلات السياسية والاقتصادية في إثيوبيا حيث كل القوى الدولية الفاعلة تسعى إلى توظيف الصراع بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في إفريقيا.

في ظل هذا الواقع الأليم فإن الدولة الاثيوبية الفيدرالية أمام مفترق طرق حاسم فإما أن تنجح في إعادة ترتيب توازناتها الداخلية من خلال عملية سياسية شاملة تستوعب كافة الأطراف أو أن تستمر في دوامة الأزمات التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة رسم خارطة النفوذ في القرن الإفريقي سواء عبر تفكك الدولة أو من خلال إعادة تشكيل تحالفاتها الداخلية والخارجية وفق معطيات جديدة. في كل الأحوال فإن ما ستشهده إثيوبيا في المرحلة المقبلة لن يكون مجرد أزمة داخلية بل سيكون جزءًا من صراع أوسع على النفوذ في المنطقة حيث ستظل تداعياته تؤثر على استقرار الإقليم بأسره لعقود قادمات.

 
 
 

Comments


bottom of page