لندن- عربي21- بلال ياسين نشرت مجلة "إيكونوميست"، تقريرا قالت فيه إن مولوغيتا (اسم مستعار) شاب أريتري كان يجلس في ركن حانة هادئة في أسمرة يخطط للهروب، وان قد أجرى اتصالات مع المهربين الذين يقولون إنهم سيرتبون للعبور إلى السودان.
دفع أشقاؤه الأكبر سنا في أمريكا الرسوم. ومن السودان، سوف يسافر إلى ليبيا، ثم إلى أوروبا. لكن صوته خافت: يحتاج الشاب في أريتريا إلى إذن من الجيش للتحرك بحرية.
يخشى مولوغيتا أن يتم تجنيده وإرساله إلى القتال في إثيوبيا. لا يريد أن يموت في حرب أهلية في بلد آخر.
قبل أربع سنوات، كان هناك بصيص أمل للشباب الأريتري بمستقبل أكثر تفاؤلا. فقد جاء آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا الجديد، إلى أسمرة واحتضن أسياس أفورقي، دكتاتور أريتريا.
ووقع الاثنان اتفاق سلام ينهي أحد أطول الصراعات في أفريقيا، وهي حرب حدودية دامية أودت بحياة 80 ألف شخص.
وقد خاضت المعارك بشكل مكثف منذ حوالي عقدين من الزمن للسيطرة على بعض منحدرات التلال القاحلة على طول الحدود مع منطقة تيغراي الإثيوبية.
بحلول أواخر عام 2020، عادت أريتريا إلى الحرب. لكن هذه المرة، هي حليفة للحكومة الإثيوبية في حملتها الشرسة ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وهي مليشيا حزبية تدير تيغراي.
ومرة أخرى، صدرت أوامر للمجندين الأريتريين بدخول تيغراي، حيث قاموا بقتل واغتصاب ونهب بلدات على نطاق واسع لدرجة أن شوارع أسمرة تعج في الوقت الحاضر بالشاحنات الإثيوبية المسروقة.
آبي، الذي نفى في البداية وجود القوات الأريترية في إثيوبيا، وعد أخيرا في آذار/ مارس 2021 بسحبها. ومع ذلك، فقد أثبتت كلماته أنها جوفاء لأكثر من عام.
وحتى بعد طرد الجيش الإثيوبي من معظم تيغراي في حزيران/ يونيو من العام الماضي، فقد بقيت أعداد كبيرة من القوات الأريترية.
في العام الماضي، ساعدوا في فرض حظر على معظم شحنات المواد الغذائية إلى تيغراي، ما دفع ما يقرب من مليون شخص إلى حافة المجاعة. الآن التغيير على قدم وساق.
في آذار/ مارس، وافقت إثيوبيا على هدنة هشة مع قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الأمر الذي أثار الآمال في سلام دائم في تيغراي. وفي الآونة الأخيرة، انسحبت القوات الأريترية باتجاه الحدود.
يعتمد مسار الحرب الأهلية في إثيوبيا الآن إلى حد كبير على متى وكيف تغادر القوات الأريترية إثيوبيا. وأثار أسياس ضغينة ضد الجبهة الشعبية لتحرير تغراي منذ أن قاتل إلى جانبها للإطاحة بالديكتاتورية العسكرية الماركسية في إثيوبيا، وهو ما فعلوه في عام 1991.
وبعد عامين انفصلت أريتريا عن الاتحاد مع إثيوبيا. ومع ذلك، لأن أسياس كان يعتقد منذ فترة طويلة بأن قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عازمة على غزو أريتريا والإطاحة به - وهي تهمة كررتها حكومته مؤخرا - فإن من غير المرجح أن يسحب قواته طواعية دون أن يقوم أولا بتحطيم الجبهة.
كما أنه من غير المحتمل أن يتفاوض. ويقول مسؤول غربي مشارك في الوساطة بين آبي والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي: "لقد عرضنا باستمرار إشراك أريتريا بشأن كيفية خفض التصعيد.. لم يظهروا استعدادا لذلك".
ويشعر بعض الدبلوماسيين بالقلق الآن من أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي قد تخاطر بالفعل بالهجوم شمالا على أسمرة إذا استمر أسياس في رفض الانضمام إلى المحادثات.
وراء كل هذا هناك سؤال يطرح نفسه: إلى أي مدى يمكن لمواطني أسياس الذين طالت معاناتهم أن يتحملوا؟ للإجابة عن هذا السؤال، سافر مراسل مجلة إيكونوميست مؤخرا إلى أريتريا، التي تمنع عادة الصحفيين الأجانب.
كان معظم الأشخاص الذين تمت مقابلتهم متشككين في كسب الصراع ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وألقوا باللوم على أسياس لجر أريتريا إليه. يقول أحد الكهنة: "لقد سئمنا الحرب.. أطفالنا يموتون من أجل شيء لا فائدة لنا منه".
المقاهي والحانات التي كانت مكتظة بالشباب كانت في الغالب فارغة. في السوق المركزي في أسمرة، تتعفن أكوام الفاكهة في الأكشاك، بينما تكاد أرفُف المحلات تكون عارية، باستثناء ما يمكن تهريبه من السودان.
مع اندلاع الحرب، توقف تدفق الممنوعات من إثيوبيا فجأة. وتنفد الصيدليات من الأدوية الأساسية مثل المسكنات.
حتى قبل الحرب، كان نظام أريتريا للتجنيد الوطني غير المحدود قد حوّلها إلى واحدة من أسرع دول العالم نزفا سكانيا.
قلة من الشباب الآن يغادرون منازلهم بعد حلول الظلام خوفا من تعرضهم للتجنيد الإجباري. يبدو أن الاعتقالات العسكرية في تصاعد: تم افتتاح معسكر تدريب جديد بالقرب من أسمرة في آذار/ مارس.
كل شهر يفر مئات الأشخاص عبر الحدود إلى السودان. يقول مولوغيتا: "أريتريا مثل سجن عملاق". تستنزف الهجرة مجموعة المجندين المحتملين، لكنها أيضا تجعل مقاومة حكم آسياس - وحربه - أقل احتمالا.
سؤال آخر يتعلق بالعلاقة بين آبي وآسياس. يقول أريتري يعمل في سفارة أجنبية في أسمرة: "يريد آبي أن تنتهي الحرب، لذلك فإن آسياس غير سعيد".
في كانون الثاني/ يناير، بعد يوم من إطلاق آبي سراح بعض قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من السجن، أجرى آسياس مقابلة ادعى فيها، في الواقع، الحق في التدخل في إثيوبيا للقضاء على "إثارة المشاكل" التي تمارسها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
منذ ذلك الحين، قام آبي بعدة زيارات إلى أسمرة، ربما لإقناع آسياس بعدم تقويض الهدنة. ويحذر دبلوماسي إثيوبي من أنه "طالما استمر آسياس في التدخل في الشؤون الداخلية لإثيوبيا، فإن السلام غير مرجح".
وقد يكون أحد أهداف أريتريا منع قوات التيغراي من الوصول إلى الحدود مع السودان، والتي يمكن أن تستخدمها لجلب الإمدادات.
يقول جندي في أسمرة: "إذا تم السماح للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالوصول، فهذا يعني أن أمن أريتريا سيتعرض للخطر".
وأثار هذا أيضا قلق المسؤولين في أمهرة، وهي منطقة تقع جنوبي تيغراي، والتي تقاتل قواتها للسيطرة على الأراضي الواقعة على طول الحدود السودانية التي سيطرت عليها في بداية الحرب.
اقترب قادة أمهرة من نظرائهم في أريتريا، الذين استضافوا ودربوا الآلاف من رجال مليشيات الأمهرة. في الأسبوع الماضي، اعتقلت حكومة آبي أحمد آلاف المنتقدين وزعماء المليشيات في أمهرة، ربما لتقليل خطر أن تصبح تلك المنطقة تهديدا للحكومة الفيدرالية.
آمال السلام لا تزال حية. والقادة التيغراي والإثيوبيون على اتصال منتظم. تم السماح بدخول المئات من شاحنات الإغاثة إلى تيغراي، وإن لم يكن عددا كافيا منها.
هذا الأسبوع أفرجت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن آلاف أسرى الحرب. ومع ذلك، فإن كلا الجانبين يستعدان أيضا لجولة أخرى من القتال. في الثاني من أيار/ مايو، قالت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إنها تتوقع هجوما جديدا من أريتريا.
بعد أسبوع من ذلك، اتهم المسؤولون الإثيوبيون الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بمهاجمة القوات الأريترية في راما وبادمي، نفس موقع المعركة التي أشعلت الحرب الحدودية في عام 1998. زلة واحدة يمكن أن تؤدي مرة أخرى إلى كارثة. المصدر >>>>>
Comments