وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ البقرة/ 155 – 157
إلي جنات الخلد الدكتور جمال إدريس رمضان إيلوس العملاق إبن العمالقة. كان جده - رحمة الله عليه - طويل القامة، جميل الطلعة، حصيف الرأي، يتمتع بالحكمة والفطنة وذو شخصية كاريزيمة. وكان والده الباسل الشهيد البطل ادريس رمضان ايلوس - المغفور له بإذن الله – عضو هيئة
أركان جبهة التحرير الإرترية، وهو الذي قاد معركة بارنتوا التي شاركت فيها الجبهة الشعبية عام ١٩٧٨م بقيادة ابراهيم عافة، واستشهد فيها رحمه الله البطل ادريس رمضان إيلوس، وبعد استشهاده انسحبت الجيوش من بارنتو.
للأسف لم ألتقِ بالقائد العملاق عندما كان يدرس في مدرسة كرن المتوسطة حيث كان يسكن في بيتنا، وكنت حينها معلماً في مدرسة نقفة، وعندما عدت إلى كرن للإجازة قيل لي بأنه التحق بالجبهة، وكان ذلك في أواسط عام ١٩٦٣م. في تلك الأيام ترك معظم شباب كرن دراستهم وأعمالهم والتحقوا بالجبهة، وحتي في الميدان عندما علم بالتحاقي بالجبهة جاء بسيارته إلى جهاز التعليم لزيارتي، ولكن للأسف لم يجدني، وكم آلمني عندما علمت ذلك فهو إبن عمة أم أولادى الكبار، وُلدت ابنته الوحيدة أم ريان بعد استشهاده، وهي حرم إبني حسن سيد عيسي سيد محمد. سمعت باستشهاده وأنا في رورا حباب في مايو ١٩٧٨م كنت وقتها مكلفاً لزيارة مدارس المنطقة الأولي والثانية والثالثة والرابعة، وبعد عودتي إلى مكتب جهاز التعليم أخبرني المغفور له بإذن الله الأستاذ جابر سعد بأنه كان قد وعد الشهيد بأن نزوره معاً في مكتبه بمنطقة فورتو ولكن للأسف لم يكتب لي لقاء البطل المغوار جمعنا الله به في الفردوس الأعلى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).
في عام ١٩٧٩م زرتهم في مدينة خشم القربة هو وشقيقه الشهيد محمود وكانا من بين الطلاب المميزين، وعندما كان المغفور له بإذن الله الدكتور جمال يدرس في كلية الطب بجامعة الخرطوم كنت التقيه في منزل عمه الأستاذ الجليل مربي الأجيال حسنين عافاى رحمة الله عليهما. تخرج بدرجة امتياز ونال الماجستير في طب النساء، وكان آخر لقائنا في زواجه بالقربة، هو أب لولدين وثلاثة بنات وهم محمود، ومحمد مجتبي، ووعد، وشهد، ورغد، أنبتهم الله نباتا حسنا وجعلهم خير خلف لخير سلف.
وداعا أبو وعد النابغة الدكتور جمال إدريس رمضان إيلوس. إنه لفقد جلل، وفراق مر، ولكن ليس في وسعنا إلا التسليم بقضاء الله وقدره ولا نقول إلا ما يرضي الله ورسوله "إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ " وإنا لفراقك يا أبو وعد الشامخ لمحزونون. اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسّع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس واجعل قبره روضة من رياض الجنة. اللهم جازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا والقه برحمتك ورضاك وتغمده برحمتك آناء الليل والنهار يا أرحم الراحمين. هو عبدك وابن أمتك محتاج لرحمتك ومغفرتك تقبله عندك قبولاً حسناً وبارك علي عقبه. اللهم انقله من ضيق اللحود والقبور إلي سعة الدور والقصور في سدرٍ مخضودٍ وطلعٍ منضوضٍ وماءٍ مسكوبٍ وفاكهةٍ كثيرةٍ لا مقطوعةٍ ولا ممنوعة مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا واجعلنا وإياهم من الذين تباهي بهم ملائكتك في الموقف العظيم، وارزقنا حسن النظر إلى وجهك الكريم مع الذين تجرى من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحان الله وبحمدك وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمدلله رب العالمين، وألهم آله وذويه ووالدته وشريكة حياته وأبنائه وبناته وإخوانه وأخواته وأرحامه ورفاق دربه وآل إيلوس وآل ركا الصبر والسلوان وحسن العزاء "إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ "ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بقلم الاستاذ / عيسي سيد محمد
Commentaires