top of page
tvawna1

أي دلالات للتحول الأميركي الجديد نحو أسمرا؟

الاستراتيجية الجديدة أكدت ضرورة إيلاء إريتريا اهتماماً لتشجيعها على أن تصبح عضواً بناءً في المجتمع الدولي

محمود أبو بكر صحافي مختص في شؤون القرن الافريقي

الثلاثاء 26 ديسمبر 2023 في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن استراتيجيتها الجديدة تجاه دول عدة.


تقرير "الاستراتيجية القطرية المتكاملة الأميركية الجديدة (ICS) تضمن تحولاً جزئياً تجاه حكومة دولة إريتريا، في محاولة لإحداث نوع في الديناميكيات الإقليمية، إذ اتخذت سياسات واشنطن منعطفاً مهماً تجاه أسمرا من خلال مراجعة وتحديث السياسات السابقة.

وأكد التقرير الجديد ضرورة إيلاء البعثة الأميركية المعتمدة في أسمرا اهتماماً جديداً من سبيل تشجيع إريتريا على أن تصبح عضواً استباقياً وبناءً في المجتمع الدولي، بما في ذلك السعي المستمر لتحسين العلاقات مع الدول المجاورة وداخل منطقة القرن الأفريقي، وفيما أبقت واشنطن على العقوبات المفروضة على أسمرا، أوصت سفارتها إلى فتح خطوط اتصال لإقامة قواسم مشتركة تخدم مصالح شعبي البلدين.

وأشار التقرير إلى أن اتفاق وقف الأعمال العدائية المبرم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 بين الفرقاء الإثيوبيين وضعت حداً لصراع دام عامين في شمال إثيوبيا وعجل بانسحاب القوات الإريترية من منطقة تيغراي. 



ونوه بأن عملية السلام وخفض تصعيد الوجود العسكري لإريتريا يوفران فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الثنائية مع إريتريا إلى نهاية أكثر إنتاجية، بما في ذلك السلام والتنمية في القرن الأفريقي. 

كما أوصى سفارة واشنطن في أسمرا ببذل جهود مضاعفة للبناء على هذا التغيير الإيجابي وزيادة التفاهم بين شعب الولايات المتحدة وشعب إريتريا.

ويهدف هذا التحول، وفقاً لحكومة الولايات المتحدة، أيضاً إلى دعم تواصل إريتريا مع القادة الإقليميين، وخصوصاً كينيا، وانضمامها مرة أخرى إلى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD)، مما يشير إلى الاهتمام المتجدد بالتعاون الإقليمي. 

وكانت الزيارة التي قام بها الرئيس الكيني إلى إريتريا في ديسمبر 2022، قد مثلت أولى الخطوات التي من شأنها المساهمة في إعادة إريتريا إلى المحيط الإقليمي، علاوة على توقيع أسمرا في أواخر عام 2022، إطاراً للتعاون والتنمية المستدامة مدته خمس سنوات مع الأمم المتحدة، مما عزز من فرص أسمرا للمساهمة في الجهود الدولية في المنطقة. 

يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الإريترية- الإثيوبية توتراً صامتاً على أثر التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، حول سعي بلاده لامتلاك منافذ في البحر الأحمر، إذ أطلقت أسمرا، حملات إعلامية وتعبئة عسكرية، رداً على استفزازات الحكومة الإثيوبية، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة هذا العام.

استعادة النفوذ 

بدوره يرى المحلل السياسي الإريتري سليمان حسين أن السياسة الخارجية الأميركية ظلت تنحاز بشكل كبير تجاه الأنظمة الإثيوبية المتعاقبة، وتعتبرها وكيلاً لها في منطقة القرن الأفريقي، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وخروج الولايات المتحدة كأحد القطبين، ظلت تعتقد أن مصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وعموماً في منطقة القرن الأفريقي تتطلب إلحاق إريتريا بإثيوبيا، وقد دعمت هذا التوجه عبر مختلف السبل.

وقال حسين إن "نهاية الحرب الباردة وانتصار الثورة الإريترية في تحقيق الاستقلال قد دفع الولايات المتحدة للاعتراف بإريتريا، وخلق علاقات دبلوماسية متميزة"، لكن سرعان ما انهار ذلك مع اندلاع الحرب الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا، نهاية تسعينيات القرن الماضي، إذ دعمت واشنطن السردية الإثيوبية، وتبنت سياسات عدائية تجاه أسمرا، بما فيها فرض عقوبات اقتصادية وتجارية ودبلوماسية.

المتخصص الإريتري يقرأ التحول الأميركي الجديد في رؤية واشنطن تجاه أسمرا، بعد أكثر من عقدين من العداء، بأنه "ناتج عن التطورات الدولية والإقليمية التي كشفت عن انحسار دور الولايات المتحدة الأميركية وتراجع نفوذها في القارة الأفريقية" مقابل تمدد النفوذ الصيني- الروسي.

وينوه إلى أن "واشنطن تحاول استعادة دورها، ومحاولة محاصرة المنافسين الدوليين لها"، بخاصة مع المؤشرات الجديدة التي توحي ببداية نهاية نظام الأحادية القطبية، سيكتبها فشل السياسات الغربية في أوكرانيا، وبداية بروز تيارات جديدة في أفريقيا تحاول النأي بنفسها من السيطرة الغربية.

ويوضح حسين أن ما كشفته الولايات المتحدة الأميركية، في الوثائق التي أفرجت عنها وزارة خارجيتها، وإن مثل توجهاً جديداً في سياساتها، فإن ذلك سيظل مرهوناً بمدى مطابقته للواقع الفعلي على الأرض، إذ لم تقدم واشنطن -حتى الآن- أي بوادر عملية، لتأكيد تلك الرغبة، كرفع العقوبات الأحادية المفروضة على أسمرا، سواء اقتصادياً أو تجارياً، إذ إن التعبير عن الرغبة وحدها لن تكون كافية لإحداث التغيير في استراتيجية واشنطن تجاه إريتريا.

ويضيف "في اعتقادي الولايات المتحدة تتبع سياسات براغماتية، فتحول موقفها من مبدأ إسقاط النظام الإريتري إلى التعاون معه" قد يقود في نهاية المطاف إلى رفع العقوبات المفروضة، في حال أبدى النظام الإريتري عن استعداده للتعاون معها.

ويؤكد أن نظام بلاده لم يكشف حتى الآن عن موقفه تجاه هذا التحول الأميركي الجديد، مرجحاً أن تكون ثمة اتصالات سرية قد تمت بين أسمرا وواشنطن قبل إعلان الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إريتريا، وعلى رغم أن ذلك لا يمكن التنبؤ بموقف أسمرا، ومدى استعدادها للتعاطي إيجاباً مع التوجه الجديد، إذ إن تجربة العقدين الماضيين من الزمن قد تمثل حاجزاً كبيراً أسهم في فقدان الثقة بين الطرفين، مما يتطلب جهداً أكبر لبناء هذه الثقة، بخاصة أن لدى الطرفين مصالح جوهرية لإعادة ترميم العلاقات الثنائية، لا سيما في ظل الأوضاع المضطربة في منطقتي القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر.

وأوضح أن ثمة مصالح مشتركة قد تدفع الطرفين للدخول في مفاوضات مثمرة، إذ ليس من مصلحة إريتريا تبني سياسات معادية لواشنطن، كما تسعى الأخيرة إلى الحفاظ على نفوذها في هذه المنطقة التي تعد أحد أهم الممرات المائية لمصالحها التجارية والاقتصادية والجيوسياسية. 

ويرى حسين أن الحرب الأخيرة في تيغراي كان لها أثر كبير في فشل سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، إذ تمكنت إريتريا من الخروج من أتون تلك الحرب، وقد فكت عزلتها الدولية والإقليمية، وبدأت تلعب أدواراً مهمة في قضايا المنطقة، سواء في إثيوبيا أو السودان أو منظمة الإيغاد، بالتالي رأت واشنطن ضرورة احتوائها ضمن الديناميكيات الإقليمية في المنطقة، عوض معاداتها.

البحث عن حلفاء 

من جهته، قدر المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن سيد أن تقرير السياسة الخارجية الأميركية الجديد يمثل تحولاً مهماً في سياسة الإدارات الأميركية تجاه إريتريا وقد يكون بداية لبناء علاقات جديدة بين النظام الإريتري والإدارة الأميركية.  ويرى أن ذلك قد يكون انعكاساً لعدة معطيات استراتيجية وجيو-سياسية، منها: انزلاق كل من السودان وإثيوبيا، في حرب داخلية قد تفضي إلى إضعاف الدولتين كلاعبين أساسيين في منطقة القرن الأفريقي. 

ويضيف أن "ثمة احتمالات جدية توحي بإمكانية تفكك الدولتين إلى دويلات صغيرة وضعيفة، فضلاً عن أن الوضع في الصومال لا يزال يعاني من آثار الحروب الأهلية التي استمرت لثلاثة عقود، في حين تعد إريتريا نسبياً أكثر تماسكاً واستقراراً، الأمر الذي قد يدفع الإدارة الأميركية لإعادة النظر في علاقاتها مع أسمرا. 

ويوضح سيد أن "التقارب الإريتري الوثيق مع كل من الصين وروسيا قد يعني في ما يعنيه إيجاد موطئ قدم للدولتين في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي وتعزيز مواقفهما، كقوى عالمية صاعدة، مما يهدد الهيمنة الأميركية على المنطقة.

ويؤكد المتخصص بشؤون القرن الأفريقي أن "التطورات الإقليمية الأخيرة، بما فيها الحرب في غزة، وتداعياتها على منطقة باب المندب، وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، من قبل الحوثيين في اليمن، بالضرورة قد يدفع الولايات المتحدة للتفكير في إيجاد حلفاء في المنطقة للتصدي لأي أخطار ومهددات متصاعدة لأمن الملاحة في أحد أهم الممرات المائية في العالم.

وعن رد الفعل الإريتري، يقول "قد يستغل نظام الرئيس أسياس أفورقي الفرصة لتحسين علاقاته بالإدارة الأميركية، شريطة أن لا تمارس عليه ضغوطاً مكثفة في ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان في إريتريا، والسماح له بلعب أدوار محورية في قضايا القرن الأفريقي.

وأضاف أن "مآخذ النظام الإريتري على أميركا لم تكن لأي أسباب استراتيجية أو معاداة للمصالح الأميركية بقدر ما ظلت تتعلق بـالانحياز الكامل إلى رؤية الأنظمة الإثيوبية المتعاقبة، بالتالي فإن سعي واشنطن إلى تبني علاقات متوازنة مع كل من أسمرا وأديس أبابا قد يكون كفيلاً بطي صفحات الخلافات الأميركية الإريترية. 

ورجح سيد أنه في حال تحقق هذين المطلبين لأسمرا فإنها لن تمانع من التفاعل الإيجابي مع المبادرة الأميركية من دون التخلي كلياً عن علاقاتها بالصين وروسيا، متوقعاً رفع العقوبات المفروضة على أسمرا، في حال تجاوب الأخيرة، مع المبادرة التي طرحتها واشنطن.

 وأكد أن العقوبات الأميركية ضد الدول تعد جزءاً أساسياً من سياسة "العصا والجزر" التي تستخدمها واشنطن "للضغط والترغيب" ضد الدول التي تحاول اتباع سياسات مستقلة، بالتالي فإن رفع العقوبات المفروضة على النظام الإريتري قد يكون مرهوناً بمدى تجاوبه الإيجابي مع التوجه الأميركي الجديد.

احتواء أسمرا

إبراهيم إدريس المتخصص في الشؤون الأفريقية يرى أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إريتريا جاءت بعد جملة من التطورات الدولية والإقليمية، مؤكداً أنها تأتي كجزء من سياسات احتواء النظام الإريتري، لا سيما بعد فشل معظم السياسات السابقة. 

وأوضح إدريس أن أسمرا ظلت تتبع سياسات مستقلة تعتمد بالأساس على مبدأ الاعتماد على الذات، في منأى عن التأثيرات الدولية، بما فيها مشاريع البنى التحتية، فضلاً عن السعي إلى بناء تحالفات مناقضة للتوجه الأميركي، إذ شهدت الفترة الماضية نشاطات دبلوماسية مهمة، للرئيس الإريتري تجاه روسيا والصين ومنظمة البريكس، علاوة على التحالفات الإقليمية في حوض البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي، مما دفع واشنطن للتفكير مجدداً حول ضرورة احتواء هذا التوجه، وفتح نوافذ للحوار مع أسمرا، في إطار ما يمكن تسميته بـ"المواجهة المنضبطة".

وعن موقف الولايات المتحدة الأميركية من الخلافات الإريترية- الإثيوبية حول ملف الموانئ، قال إدريس "ليست ثمة خلافات واضحة بين أسمرا وأديس أبابا، بل هناك مزاعم أسهبت فيها إثيوبيا حول امتلاك موانئ في البحر الأحمر، مما أثار مخاوف الأولى وكذلك دفعت لنقاشات في الأوساط الأميركية بما فيها الكونغرس حول هذه المزاعم".

ويرجح إدريس أن الولايات المتحدة لن تتورط بشكل مباشر في دعم هذه المطالب الإثيوبية، إذ إنها منشغلة تماماً بتداعيات الحرب في غزة، وما ترتب عنها على المستويين الدولي والإقليمي، بما في ذلك الأحداث في باب المندب، وتهديد الملاحة الدولية، بالتالي ليس من الوارد أن تتبنى واشنطن مواقف معادية للسيادة الإريترية على سواحل البحر الأحمر، بل قد تسعى إلى بناء الثقة مع كافة الدول المطلة على مضايق الممر المائي الدولي بغرض تأمين مصالحها الجوهرية في هذه المنطقة المهمة اقتصادياً وتجارياً. المصدر >>>>>

54 views0 comments

Comentários


bottom of page