الحكومة المركزية تحقق انتصارات في ميدان المعارك وقبولها مبدأ المحادثات قائم على قاعدة تخفيف الضغوط الخارجية
محمود أبو بكر صحافي مختص في شؤون القرن الافريقي الجمعة 28 أكتوبر 2022 17:41
عقدت في العاصمة الجنوب أفريقية بريتوريا، الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين ممثلي كل من الحكومة المركزية الإثيوبية، وجبهة تحرير تيغراي، تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، ووساطة كل من الرئيس النيجيري الأسبق أولوسيجون أوباسانجو، والرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، ونائبة رئيس جنوب أفريقيا السابقة فومزيل ملامبو - نجكوكا، ومشاركة ممثلين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تأتي المحادثات العلنية الأولى بين الطرفين اللذين يخوضان حرباً ضروس منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، في وقت تصاعدت فيه المواجهات العسكرية في الإقليم الشمالي، إذ أعلنت وسائل الإعلام الحكومية تمكن الجيش النظامي والقوات المتحالفة معه من ميليشيات قومية الامهرا ووحدات من الجيش الإريتري، من حصار مدينة مقلي عاصمة إقليم تيغراي بعد السيطرة على معظم المدن الكبرى في الإقليم.
حظوظ النجاح ضئيلة للغاية
وفي حين أعرب الاتحاد الأفريقي الذي يرعى المفاوضات عن تفاؤله بسير المفاوضات في يومها الأول، على لسان موسى فقيه محمد رئيس مفوضية الاتحاد، الذي قال إنه "يشعر بالتفاؤل نتيجة لإظهار الطرفين مبكراً الالتزام بالسلام، والسعي إلى حل سياسي دائم للصراع من أجل المصلحة العليا لإثيوبيا"، فإن بعض المراقبين للشأن الإثيوبي يرجحون أن تنفض هذه الجولة من دون تحقيق اختراق كبير، نظراً إلى التباين الشاسع بين مطالب الطرفين المتحاربين، فضلاً عن التطورات الميدانية على الأرض.
ويرى منقستآب تسفاهنس الأستاذ المحاضر بكلية العلوم السياسية بجامعة نيويورك في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "أن فرص نجاح هذه المحادثات ضئيلة للغاية"، مبرراً ذلك بالقول "إن الحكومة المركزية تحقق انتصارات في ميدان المعارك، بالتالي فإن قبولها لمبدأ المفاوضات قائم بالأساس على قاعدة تخفيف الضغوط الخارجية المفروضة عليها، بخاصة من قبل الولايات المتحدة، وليس لتحقيق اتفاق فعلي مع جبهة تيغراي".
في المقابل يتفق المحلل السياسي الإريتري عبدالرحمن أبو هاشم مع هذا الرأي، ويقول في حديث لـ"اندبندنت عربية "، "إن المفاوضات الحالية تجري تحت ضغط خارجي كبير، تحديداً من الولايات المتحدة وحلفائها في الاتحاد الأوروبي، مما يؤشر إلى غياب الارادة الذاتية لدى المتفاوضين لحل الخلاف عبر التفاوض، بقدر ما هنالك شروط دولية يراد إنفاذها".
ويوضح "أن فرص نجاح المفاوضات الجارية في جنوب أفريقيا ضئيلة جداً لأكثر من سبب، منها غياب أجندة واضحة للمفاوضات، إذ لم يعلن أحد ما إذا كانت ستقتصر على اتفاق لوقف إطلاق النار، أم أنها تسعى إلى الوصول لاتفاق شامل".
وفي قراءته لبعض مطالب الوفدين التي تم تناولها إعلامياً، يضيف أبو هاشم "لا نعرف حتى الآن هل هذه المحادثات عقدت لنزع سلاح جبهة تحرير تيغراي، وتوفير خروج آمن لقادتها المتبقين في الإقليم؟ أم حول مستقبل الجبهة وضمان مشاركتها في الحياة السياسية مستقبلاً، أم ستذهب إلى مناقشة ما ظلت تطرحه جبهة تيغراي في أكثر من مناسبة، عن إجراء إستفتاء لشعب الإقليم ليختار بين البقاء ضمن إثيوبيا أو الانفصال عنها"، مؤكداً أنه إذا لم تتم الإجابة عن هذه الأسئلة فمن الصعب الحديث عن نجاح هذه المحادثات أو فشلها.
مطالب، بشروط انتحار!
من جهته يقرأ منقستآب قائمة مطالب الطرفين بأنها "متباعدة تماماً، ففي حين تسعى جبهة تحرير تيغراي للتوصل إلى اتفاق يقضي بإيقاف فوري للعمليات العسكرية، وانسحاب متزامن للقوات النظامية والقوات المتحالفة معها من عموم مناطق الإقليم، يطالب الوفد الممثل للحكومة المركزية بنزع سلاح الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كشرط مسبق لوقف إطلاق النار".
ويقول "من الطبيعي في مثل هذه المحادثات أن ميزان القوة على الأرض هو الذي يتحكم في فرض المطالب، إلا أن الرهان أيضاً سيبقى قائماً على حنكة الوسطاء، وداعميهم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لإنجاز اتفاق منصف وعادل".
ويوضح "أن الموافقة على مطلب نزع سلاح الجبهة يعد بمثابة انتحار لوفد تيغراي"، بالتالي فإن التحدي الماثل الآن أمام الوسطاء، يتعلق بإقناع الطرفين للموافقة على تأجيل المطالب المتباينة والعمل على الوقف الفوري لإطلاق النار، لتهيئة أرضية الحوار للجولة الثانية.
ويعتقد المحاضر الإثيوبي في جامعة نيويورك، أنه "لا يمكن تصور إجراء محادثات مثمرة وبناءة في ظل استمرار المعارك على الأرض"، بالتالي المطلب الأول للوسطاء منذ البدء تحدث عن "إيقاف الأعمال العدائية من دون شروط مسبقة".
ويرى منقستآب أن الولايات المتحدة تملك كثيراً من أوراق الضغط على الطرفين، وتتمتع بعلاقات متقدمة مع كليهما، بالتالي من المأمول أن تسهم في إيجاد صيغة لوقف إطلاق النار كحد أقصى للاتفاق في هذه الجولة".
بين سقف المطالب وإمكانية تحقيقها
من جهته، يرى المحلل السياسي الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد، "أن الضغوط الأميركية على الحكومة الإثيوبية قد بلغت ذروتها في الفترة الأخيرة، وأن هدفها الرئيس هو تقديم تنازلات معينة من أجل الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إقليم تيغراي".
ويعتقد "أن هناك مغالاة في مطالب الطرفين لا تتناسب والوضع الميداني، فضلاً عن أنها تتعارض مع شروط التفاوض"، لكنه يقلل من أهمية ذلك "عند بدء التفاوض دوماً، يرفع كل طرف سقفه عالياً، حتى يحصل على الممكن والمطلوب".
ويضيف عبدالشكور "لا يمكن المراهنة على أن الوفد الرسمي يشترط نزع السلاح من إقليم تيغراي للوصول إلى وقف إطلاق النار، لأن ذلك هو سقف المطلب"، لكن ثمة مطلب أساسي تتمسك به الدولة المركزية هو "فك الارتباط بين الجبهة كحزب سياسي وبين قوات تحرير تيغراي، على أن تتبع أية قوة عسكرية داخل الإقليم لوزارة الدفاع وليس لحزب سياسي".
مؤكداً أن هناك "حال تشاؤم كبيرة لدى الإثيوبيين تجاه هذه المحادثات التي لا ينتظرون منها كثيراً، فالأجواء مشحونة تماماً بيوميات الحرب التي تجري في آخر معاقل الجبهة بمدينة مقلي".
ميزان القوة ليس كافياً لفرض الشروط
في المقابل يؤكد أبو هاشم "أن ميزان القوة يميل تماماً لصالح الجيش الإثيوبي الذي سيطر على معظم المدن التيغراوية، ويسيطر الآن على مطار عاصمة الإقليم مقلي، وقد تنتهي الأمور ميدانياً بالسيطرة على مقلي قبل انتهاء المفاوضات مما يجعل الاستمرار في التفاوض أمرا غير مجد".
ويرى أن الولايات المتحدة تسعى للوصول إلى وقف إطلاق النار بأقصى سرعة ممكنة، حتى لا ينفرط العقد تماماً في حال سقطت العاصمة التيغراوية خلال الساعات المقبلة".
في سياق متصل يحذر عبدالشكور من خطورة استمرار الوضع العسكري على النحو القائم الآن، مؤكداً "أن الدخول في حرب طويلة الأمد سيستنزف مقدرات الإثيوبيين تماماً"، وقد تنجح قوات تحرير تيغراي في "جر الجيش النظامي إلى حرب استنزاف، لا سيما بعد انسحابها من المدن ولجوئها إلى الجبال".
ويوضح أن "لدى الجبهة تجربة طويلة ومثمرة في هذا الأمر"، مشيراً إلى إسقاط نظام الرئيس الإثيوبي الأسبق منجستوا هيلس ماريام بحرب عصابات طويلة قادتها كل من جبهة تيغراي والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا. المصدر>>>>>>
Comments