بقلم الاستاذ / فتحي عثمان
25/06/2024
درجت بعض الصفحات الرياضية والفنية في صحف كبيرة على تحرير أركان مزودة بأسماء وصور فنانين وفنانات ورياضيين لمعوا في السبعينيات والثمانينيات واختفوا اليوم. ويحاول الركن في كل مرة تتبع وجود الشخصية المعنية مع وضع صورة حديثة إلى جانب الصور القديمة تذكر ب "الزمن الجميل" وحنين المعجبين إلى فن وإبداع صاحب أو صاحبة الصورة.
وعلى غرار هذه الصفحات نسأل: أين هم الآن؟ أين المؤيدون والمفتونون بالشاب أبي أحمد ومبادرة سلامه مع ارتريا؟ ففي صيف 2018 تصدرت المشهد شلة هائجة رأت في السلام بين اديس واسمرا تحول العصر وبداية العصر الذهبي للتعايش والوئام بين شعوب المنطقة وظهرت عبارات ومصطلحات مثل: "بوادر الأمل" و"الغد الزاهر، وطي صفحة الماضي الكئيب" و"استحقاقات السلام" التي كانت تتضمن عندهم أن السلام سوف يطلق سراح الأسرى ويطلق الحريات السياسية في ارتريا كما فعل في اثيوبيا، وبدأ التغني بالأحلام الواعدة وقطارات سكك الحديد العابرة للحدود وغيرها من أوهام.
وقبل أن يقوم اسياس أفورقي بتشميع الحدود الارترية الاثيوبية ومنع المواد التموينية الاثيوبية من دخول البلاد، قلنا أنِ هذا السلام لا يحقق سوى رغبة شخصين ولن يجلب التعايش والاستقرار إلى المنطقة. حينها انبرت الأصوات الزاعقة بالهجوم والتحرش وإتهام المشككين في سلام أبي- اسياس بأنهم "يائسين" وضيقي افق ولا يستطيعون قراءة المؤشرات الإيجابية لأنهم لا يرون سوى الجانب المظلم من الصورة و"يعارضون أي شيء من أجل المعارضة فقط". وطالب أحدهم "بإعطاء السلام فرصة" وعرفت هذه الشلة بشلة "أعطوا السلام فرصة" من باب التهكم. رأت هذه الشلة بأن أبي أحمد هو "مسيح التعايش الجديد".
حقا لقد كان أداء أبي أحمد داخل بلاده ودوره في توقيع اتفاق الشراكة في السودان "مبهرا" ولكن ليس لدرجة سلب البصر والبصيرة معا. الاجتهادات في أن هذا السلام لن يخدم الشعوب ولن يعمر طويلا تحدثنا بها في قناة الجزيرة والتلفزيون الفرنسي وأسلنا فيها المداد لا لسبب من أسباب الشلة؛ بل لمعرفتنا بشريك السلام أفورقي. وأكدنا بأن السلام هو الذي يحتاج إلى الشجاعة القصوى وليس الحرب. واسياس الذي نعرف ليس له الشجاعة لسلام حقيقي لأن في ذلك زوال حكمه؛ فالرجل لا يعيش إلا بالحرب وللحرب. وقيل حينها بأن الكراهية أعمت قلوبنا عن رؤية الحق الجلي.
اليوم ذابت هذه المواقف المنذهلة والمنبهرة بأضواء السلام الذي تحول إلى حرب ومنها إلى توجس وترقب وعداء مكتوم بين الشريكين. وبدأت البكائيات والمرثيات حول "التوقعات التي خابت" و"الرجل الذي غدر" بل بتهديدات نارية جديدة في حال "تجرؤ" أبي أحمد على السيادة الارترية.
لكل الناس الحق- كامل الحق- في تأييد خطوات وأشخاص ومواقف والتغني بها ولها، لكن من يحسبون ضمن المثقفين وقادة العمل السياسي والإعلامي لا يتوقع منهم المرء أن "يسووا البحر طحينة" كما يقول المثل، فقط لأن ذلك يتوافق مع "اهوائهم ورغباتهم" الظاهرة والدفينة. حتى هذا يمكن التفرج عليه وتزجية الوقت به، ولكن التخوين والإساءة كانت هي- ولا زالت- المستهجنة.
رغم ذلك كله نسأل: أين هم الآن؟
Commentaires